تتعدد الأسباب التي قد تؤدي لنوب اختلاجية عند البشر، لكن لعل النوب الناجمة عن داء الكيسات المذنبة أندرها. تبدأ قصتنا مع رجل في تمام صحته من مدينة بوسطن يبلغ من العمر 38 عامًا، استيقظت زوجته في إحدى الليالي على صوت سقوطه على الأرض إثر نوبة اختلاجية مفاجئة، لتسارع زوجته إلى طلب النجدة. وجاء في تقرير الحالة الذي نُشِر في مجلة نيو إينغلاند الطبية أنه بدا مشوشًا ويصدر همهمة غير مفهومة ووضح رجال الشرطة الذين أسعفوه أنه كان عنيفًا ومضطرب الذهن وأبدى مقاومة إبان وضعه في سيارة الإسعاف، وفور وصوله إلى غرفة الطوارئ وفقًا للتقرير عانى المريض من نوبة اختلاجية استمرت لدقيقتين.
وجد الأطباء بعد تدقيقهم في تفاصيل حياته أنه هاجر منذ 20 عامًا من غواتيمالا إلى بوسطن، وقد كان يتمتع بصحة ممتازة، لا يتناول أي أدوية، غير مدخن ونادرًا ما يشرب الكحول ولا يتعاطى أي من المخدرات غير القانونية ودون تاريخ عائلي لمرض الصرع، ما زاد الأمر تعقيدًا.
وفي هذه الأثناء وُضِع المريض على التنبيب لحماية سبيله التنفسي، ثم أجرى الأطباء صورة أشعة سينية لصدره كانت طبيعية. إلى أن كشف الفحص العصبي وتصوير الدماغ المشكلة، إذ اتضح أن هذا المريض مصاب بداء الكيسات المذنبة، وهي عدوى طفيلية بيرقات الديدان الشريطية (الكيسات المذنبة)، ونتيجةً لهذه العدوى التي أصابت دماغه عانى المريض من تبدل في الحالة العقلية ونوب اختلاجية. لكن ما هو داء الكيسات المذنبة؟
كما ذكرنا سابقًا، هو عدوى طفيلية تسببها يرقات الديدان الشريطية المسلحة؛ تحتوي هذه اليرقات أو الكيسات المذنبة على الشكل غير الناضج من الدودة، وقد تصيب العديد من أنسجة الجسم مثل العضلات أو الدماغ وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وقد أصابت اليرقات في حالة هذا المريض دماغه لتسبب ما يسمى بداء الكيسات المذنبة العصبي، وهو سبب مهم للنوب الاختلاجية عند البالغين في الدول النامية، إذ تبلغ معدلات الإصابة أقصاها في أمريكا اللاتينية أي الوطن الأم لهذا المريض، وتُقدَر حالات الاستشفاء نتيجة الإصابة بداء الكيسات المذنبة العصبي في الولايات المتحدة بألف حالة سنويًا ومعظمها في نيويورك وكاليفورنيا وتكساس وأوريغون وإلينوي، ويُعَد الشكل العصبي لهذه العدوى وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أخطر أشكالها إذ قد يكون مميتًا.
آلية انتقال العدوى بالكيسات المذنبة؟
لم تُكتشف بعد كيفية التقاط هذا المريض للعدوى، لكنها عدوى تنتقل بالسبيل الهضمي عبر ابتلاع بيوض الديدان الشريطية المسلحة الموجودة في براز المصابين أو الأشياء الملوثة ببرازهم، مثلًا عندما يقوم شخص مصاب بإعداد الطعام لمجموعة من الناس دون الاهتمام بنظافة يديه يلوث الطعام ويسبب انتقال العدوى للآخرين. علاوة على ذلك، فالمصاب بالديدان الشريطية أيضًا قادر على إصابة نفسه بداء الكيسات المذنبة نتيجة لعدم اهتمامه بالنظافة أيضًا، إضافة إلى أن المقيمين مع شخص مصاب في المنزل عرضة لالتقاط العدوى بسبب انتشار البيوض في الطعام والمياه والسطوح الملوثة ببراز الشخص المصاب، ويؤدي لمس هذه السطوح الملوثة ووضع الإصبع في الفم إلى انتقال العدوى أيضًا.
ما هي أعراض داء الكيسات المذنبة؟
- قد يظهر داء الكيسات المذنبة على شكل كتل تحت الجلد.
- يُسبِب انتقال الكيسات للدماغ أو الحبل الشوكي أعراضًا عصبية كالصداع والاختلاج.
- في حالات نادرة قد تصل الكيسات إلى العين لتسبب أعراضًا مثل تشوش وتغيم الرؤية وتورم العين وقد تصل لانفصال الشبكية.
الجدير بالذكر أن ظهور هذه الأعراض قد يتأخر أشهر أو سنوات بعد انتقال العدوى، إذ تبدأ الأعراض وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عندما تبدأ الكيسة بالتموّت، فيبدأ النسيج المحيط بالكيسة في هذه المرحلة بالتوذم مؤديًا لظهور الأعراض، ويوضح الأطباء سبب تأخر ظهور الأعراض:« تكون العدوى في المرحلة الأولى خاملة وصامتة سريريًا لأن الكيسات لا تحفز استجابة الجهاز المناعي بقدر كاف لإحداث أعراض سريرية مدة خمس سنوات تقريبًا».
عُولِج المريض بعد قبوله في وحدة العناية المركزة، باستخدام ليفيتيراسيتام وهو دواء يُستخدم عادة مع مرضى الصرع، إضافة لبعض مضادات الديدان مثل الألبيندازول وبرازيكوانتيل إضافةً لأربعة أسابيع من البريدنيزون بجرعات عالية ليخرج من المستشفى بعد 5 أيام. نُشر هذا التقرير بعد ثلاث سنوات من هذه الحادثة، ومن ذلك الحين لم يعان المريض أي اختلاج.
اقرأ أيضًا:
داء الكيسات المذنبة: الأسباب و الأعراض و التشخيص و العلاج
لأول مرة في العالم: وفاة رجل بسبب سرطان يصيب دودة شريطية بداخله
ترجمة: محمد أديب قناديل
تدقيق: أحمد فواز
مراجعة: نغم رابي