جون لوك (1632-1704) فيلسوف ومُفكِّر سياسي إنكليزي، وضع كثيرًا من أسس التنوير وله مساهمات جوهرية في تطور الليبرالية. كان جون لوك -الذي تدرَّب طبيبًا- من المدافعين الرئيسيين عن المناهج التجريبية في الثورة العلمية. وطوّر في مقالته (في الفهم البشري) نظرية ترى النفس البشرية صفحةً بيضاء لا تظهر هويتها أو معارفها إلا بتراكم الخبرات.
رأى في نظريته السياسية عن الحكومة أن وجودها مبني على رضا المحكومين، وأن واجبها حماية الحقوق الثلاثة الأساسية، وهي حق الحياة والحرية والملكية، وقد تأثرت الوثائق التأسيسية للولايات المتحدة الأميركية بهذه النظرية تأثرًا عميقًا. وكانت مقالات لوك عن التسامح الديني نموذجًا مبكرًا لمفهوم فصل الدين عن الدولة.
جون لوك: حياته المبكرة وتعليمه
ولد جون لوك سنة 1632 في رايتون في مقاطعة سومرست، وكان أبوه محاميًا ومالك أرض صغيرًا حارب إلى جانب البرلمانيين في الحروب الأهلية الإنكليزية التي دارت في أربعينيات القرن السابع عشر، واستغل الأب علاقاته التي كوَّنها في أثناء الحرب ليُدخِل ابنه مدرسة وستمنستر الراقية.
كان لوك في الفترة بين عامي 1652 و1667 طالبًا ثم مُحاضرًا في كرايست تشيرش في أوكسفورد، حيث ركّز على المناهج الرسمية المُقررة في علم المنطق والميتافيزيقيا والأدب الكلاسيكي. ودرس أيضًا الطب بتعمُّق وعمل مساعدًا لكبار علماء أوكسفورد مثل روبرت هوك وروبرت بويل.
جون لوك وإيرل شافتسبري
تعرَّف لوك سنة 1666 بالبرلماني أنتوني آشلي كوبر الذي أصبح لاحقًا أول إيرل لشافتسبري، وانسجم الاثنان سريعًا وتطورت صداقتهما فأصبح شافتسبري راعيًا للوك، إذ عيّنه طبيبًا خاصًا في منزله بعد ذلك بسنة وأشرف لوك في تلك السنة على جراحة كبد خطيرة لشافتسبري يُرَجّح أنها أنقذت حياته.
دام ارتباط مصير لوك بشافتسبري عقدين من الزمن، أصبح الأخير فيهما وزيرًا بارزًا لتشارلز الثاني وأسس بعد ذلك حزب ويغ المعارض، وقد قاد شافتسبري حملة (الاستبعاد) سنة 1679 لمنع دوق يورك الكاثوليكي -الذي أصبح لاحقًا الملك جيمس الثاني- من وراثة العرش الملكي.
فشلت حملة الاستبعاد، وبدأ شافستبري التخطيط لمقاومة مسلحة فأُجبِر على الهروب إلى هولندا سنة 1682، ولحق به لوك إلى المنفى بعدها بسنة ولم يرجع إلى البلاد إلا بعد (الثورة المجيدة) التي نجحت في تنصيب الملك البروتستانتي ويليام الثالث على العرش، وكان ذلك سنة 1689 بعد وفاة شافتسبري بسنوات.
مؤلفات جون لوك
أمضى جون لوك سنوات خدمته لشافتسبري في الكتابة. ثم نشر في السنوات الست التي تلت عودته إلى إنكلترا معظم أعماله المهمة، فنشر سنة 1689 مقال (في الفهم البشري) الذي شرح فيه نظريته حول المعرفة البشرية والهوية والفردية، وكان له أثر كبير في مفكري التنوير. لم تكن المعرفة في رأي لوك نتيجة لاكتشاف داخلي أو خارجي بل محض تراكمات لحقائق مستقاة من التجربة الحسية.
للوصول إلى الحقيقة خارج نطاق العالم الحسي، اقترح لوك اتباع المنهج العلمي التجريبي الصارم، وكان لطريقته هذه أثر كبير في الثورة العلمية.
جون لوك وآراؤه في الحكومة:
نشر لوك عمله (رسالتان في الحكم المدني) سنة 1690، وعرض فيه نظريات سياسية طورها ونقحها في السنوات التي قضاها بصحبة شافتسبري. رفض لوك في كتابه حق الملوك «المُقَدَّس» في الحكم، إذ رأى أن المجتمعات هي التي تشكل الحكومات وفقًا لعقد مشترك يصبح ضمنيًا مع توالي الأجيال. فإذا خسر الملك رضا محكوميه فمن حق المجتمع تنحيته، وقد اقتبس توماس جيفرسون هذه الفكرة اقتباسًا شبه حرفي في إعلان الاستقلال الأمريكي.
طوّر لوك أيضًا تعريفًا للملكية باعتبارها نتاجًا لعمل المرء، وقد بُنيَت كل من نظريتي الرأسمالية لآدم سميث والاشتراكية لكارل ماركس على هذا التعريف. وكتب لوك أيضًا عن حقوق الإنسان الثلاثة، وهي حق الحياة وحق الحرية وحق الملكية.
دافع لوك في أطروحته (بعض الأفكار عن التعليم -1693) عن أهمية وجود منهج دراسي أشمل ومعاملة الطلاب معاملةً أفضل، وقد أثّرت أفكاره كثيرًا في رواية (إميل) لجان جاك روسو (1762).
ورأى لوك في كتابه (رسائل في التسامح: 1689-1692) أن على الحكومات احترام حرية المعتَقد ما لم يهدد هذا المعتَقد النظام العام في المجتمع، ما يعني استثناء الملحدين الذين لا يمكن الوثوق بقسمهم، والكاثوليك الذين يدينون بالولاء لحاكم أجنبي. لا تقول نظرية لوك في التسامح -رغم استثناءاتها- إن المعتقدات البروتستانتية جيدة ومحقة كلها، بل تقول إنه ليس من حق الحكومة أن تقرر أي هذه المذاهب صحيح.
وفاة جون لوك:
قضى لوك آخر 14 سنة من حياته في بيت السير فرانسيس ماشام وزوجته الفيلسوفة ليدي داماريس كودورث ماشام في مقاطعة أسكس، حيث توفي في 24 أكتوبر سنة 1704 عندما كانت الليدي داماريس تقرأ عليه آيات من الكتاب المقدس.
اقرأ أيضًا:
تأثير عصر التنوير على تطوّر التفكير العلمي
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين