جوردان بيترسون عن «كنت أعتقد نفسي ذكيًا» . دكتور (جوردان بيترسون Jordan Peterson)، بروفيسور في علم النفس في (جامعة تورنتو The University Of Toronto) وطبيب نفسي سريري وأحد أكثر المفكرين إثارةً للجدل في أيامنا هذه، إلا أننا اليوم لسنا بصدد الحديث عن البروفيسور بيترسون فقد ندع ذلك لمقال آخر. أما الآن فإننا نقدم لكم مقتطفًا من إحدى محاضراته، عله يساعدكم في حال كنتم تمرون بمشاكل في حياتكم الدراسية وفي امتحاناتكم الأخيرة:
«فلنفكر بالأمر بهذه الطريقة: أنت تحاول أن تكون جيدًا في دراستك؛ ثم تتلقى درجةً سيئةً. في إطارك الخاص الصغير أنت تحاول التقدم وإحراز درجة جيدة إلا أن ذلك لم يتحقق، فقد حصلت على درجة سيئة. حسنًا، ما الشيء الذي يُظهر نفسه بمثابة درجة سيئة؟ يمكنك القول أنه عبارة عن حرف ال «C» مع إشارة السالب على قطعة من الورق. أحقًا؟! هل هذا جل ما في الأمر؟ كلا، إن هذا هو المظهر الموضوعي لتلك الدرجة السيئة، إذ إن ما لديك عبارة عن قطعة ورق مع علامة –C، هيئة معدومة القيمة. أنت تستقبل قطعة ورق عليها خط منحني مع إشارة السالب الصغيرة، فتجعلك تعتقد بأنها ما يمثلك.
وهذا تفكير مخدر، إذ يمكنك تناول علامتك والذهاب بها إلى المختبر ووزنها على الميزان، ثم وضعها في مرمدة لترى مما هي مصنوعة، ثم تتساءل: «لما أنا منزعج حول هذا؟! إنها مجرد قطعة من ورق السيللوز»، كلا، إنها ليست مجرد ورقة، إنها كيان موجود ضمن شبكة من الروابط، وحقيقة أنها ممثلة بالورق تكاد تكون عرضيةً -ليست ذي علاقة- تمامًا، فما هي إذًا؟ والإجابة أنك لا تعلم.
لذا فإنه عند تلقيك لها يسري في جسدك ذلك الشعور المغرق المعيق، فجهازك العصبي الطرفي -الدماغ الانفعالي-Emotional Brain- أذكى بكثير من جهازك الإدراكي الذي يقول أن هذه مجرد قطعة من الورق، إذ أن جهازك العصبي الطرفي يقول في المقابل: كلا، من المؤكد أن هذا تنين.
وثم تبدأ بالتعرق ومن الوارد أن ترمي بها بعيدًا لتباشر اللعب بألعاب الفيديو، لأنه -كما تعلم- من الأجدى لك مواجهة التنين الافتراضي على التنين الحقيقي.
أو من المحتمل بدلًا من كل ذلك أن تأخذ قطعة الورق وتسأل نفسك: «حسنًا، لماذا حصلت على هذه الدرجة؟»، ويا له من سؤال جيد أليس كذلك؟ ربما حصل ذلك لأنك غبي، أو على الأقل غبي مقارنةً بما تعتقد أنك تكون، وهذا هو الرعب الحقيقي الذي يتلطى هناك.
«أوه كنت أعتقد نفسي ذكيًا نوعًا ما»، هذا افتراض من أعلى الدرجات -أن تعتقد نفسك ذكيًا- ولكن ماذا عن هذه ال -C؟ إنه ذلك المدرس الملعون أليس كذلك؟! هذا الشيء الأول بأنك: «قد تعرضت للهجوم من قبل مفترس»، هذا الرد الأول بأنها رسالة هراء وصلت من قبل شخص شرير ومفترس. وهذا ممكن، إلا أنني لن أتبنى هذا الافتراض، ليس في البداية بالضرورة.
لنفترض بأنك لن تتبنى هذا الاعتقاد، حسنًا إذن ما هذا الذي حصل بالضبط؟ هل أنت لا تعلم ما خُيل لك أنك تعلمه؟ ألا تكون من اعتقدت أنك تكون؟ ألا تعمل باجتهاد كافٍ؟ أم أن قيمك ليست منتظمةً بصورة صحيحة؟ هل تهدر وقتك؟ هل دخلت الفرع الخطأ؟ هل الطريقة التي تحلل بها حياتك غير مناسبة إطلاقًا؟ هل تمتثل لما أرادوا أهلك لك أن تفعله وأنت منزعج بسببه، ولذلك أنت تعمل فقط بطاقة 40% من سعتك بالرغم منهم وبالرغم من حقيقة أنهم يدفعون 25000$ كل عام لأجل تعليمك؟
لأن هذه لعبة مسلية، بأن تقول: «حسنًا سأفعل ما تودون مني فعله لكنني سأفشل، ليس كليًا لأن ذلك لن يكلفكم الكثير، سوف أفشل قليلًا وسيتوجب عليكم صرف كل ذلك المال لإجباري على فعل ما لا أود فعله، غير أنكم لن تستطيعوا التملص منه. وفي كل مرة نتشاحن مع بعضنا سأطعنكم بطرق مختلفة لن تفهموها تمامًا فقط لأريكم مدى غيظي من حقيقة تصرفي وفقًا للمصير الذي رسمتموه لي».
ربما هذا كله جزء من ذلك التنين، الذي يتفشى بمحور الأهل ذاك، وهو غالبًا عبارة عن حفر لا قعر لها. عندما تكون في هذا العالم وشيء ما يعترض طريقك، شيء ذو أهمية، فإن كل ما لست مدركه في هذا العالم يتجمع في ذلك الشيء الذي يعترضك، كله محشور بالداخل، لذلك يسمى (تنين الفوضى العظيم The Great Dragon of Chaos)، فهو كل شيء خارج منظومتك الإدراكية (المفاهيمية).
ما هو هذا الشيء؟ إنه كل شيء يترصد خارج مدينتك المسورة، وأظهر نفسه كالأفعى التي في الحديقة. أسهل شيء لفعله هو أن تقول: «ليس لي أي علاقة بهذا»، إلا أن المشكلة هنا أنك أخذت درجةً سيئةً -C ولم تفعل شيئًا تجاهها؛ قد تكون عنيفًا أو قد تكون ممتعضًا، ثم تبدأ عاداتك الدراسية تصبح أسوأ شيئًا فشيئًا، وفي المرة القادمة قد تحصل على +D، وبعد ذلك ستجمع مجموعة من علامات ال F، ثم تتوقف عن الذهاب للمدرسة، ثم تتوقف عن الاستحمام، ثم ينتهي بك الأمر في القفز عن الجسر. وبهذه الصورة يأكلك التنين، عندما لا تعيره انتباهًا. وبالتالي ليس من المستهجن أن الناس تتجنبه أتعلم؟ لأن تقارير الخطأ تلك تحتوي بداخلها ذلك العالم الضمني.
أما الجانب المشرق لذلك هو أن هذه التقارير تحتوي بداخلها العالم الضمني فعلًا، وليس كل العالم سلبي، فربما حصولك على تلك ال -C يكون في الواقع أفضل هدية حصلتها على الإطلاق، لأنه وأخيرًا جاء شخص ما، أمسكك وصفعك لتستدل: مفتاح اللغز كامن في الداخل. فتبدأ في تفكيك الأمر وتقول: «أوه أنا لا أعلم كيفية الكتابة، أنا لا أعلم كيف أفكر، أنا لم أقرأ شيئًا البتة طوال حياتي!
عاداتي الدراسية ضحلة، قد أكون أعمل بكفاءة 2%!». أرجح أن بعضًا منكم -حوالي 30-50%- يعملون بكفاءة 2%، وإن اكتشاف ذلك لهو شيء مفائل جدًا! فإن كنت بالكاد تيسر أمورك ب 2% من كفاءتك فقط، فبإمكانك تخيل ما الحياة التي قد تحصل عليها في حال عملت مع حوالي 50% من كفاءتك. قد تكون تلك الدرجة السيئة (ال -C) أفضل هدية حصلت عليها على الإطلاق، وهذا هو الذهب الذي يخزنه التنين تحته، هذا ما يعنيه تمامًا».
اقرأ أيضًا:
- علامات تدل على أنك ذكي حتى لو لم تدركها
- تمكن العلماء من خلق حياة ذكية كمية للمرة الأولى
- هل يميل الأشخاص الأذكياء إلى أن يكونوا أكثر ليبرالية؟
ترجمة: فراس خزام.
تدقيق: نغم رابي.