تخطط ناسا لإرسال رواد فضاء إلى المريخ بعد عشر سنوات من الآن، وستؤسس المهمة لعقود من الاستكشاف الآلي، لجمع العينات من سطح الكوكب وإعادتها إلى الارض لتحليل بياناتها. نظرًا إلى بُعد المسافة بين المريخ والأرض، يخطط العلماء لأن تصبح المهمات الخارجية إلى المريخ مكتفية ذاتيًا؛ بمعنى أن توفر احتياجاتها من البيئة المحلية دون الحاجة إلى إعادة التزود من الأرض. يعني ذلك أن المهمات على المريخ يجب أن تعمل على استخراج الأكسجين والمياه والوقود من المياه المريخية ، ما يمثل تحديًا كبيرًا؛ لأن أكثر المياه الموجودة على سطح المريخ هي مياه مالحة.
حديثًا، تمكن فريق من الباحثين من جامعة واشنطن في سانت لويس من تصميم نوع جديد من أنظمة التحليل الكهربائي، يمكنه تحويل المياه المالحة إلى منتجات يمكن الاستفادة منها، وهو جهاز خفيف الوزن وصغير الحجم أيضًا.
قاد الفريق فيجاي راماني، الأستاذ بقسم الطاقة بكلية الهندسة البيئية والكيميائية بجامعة واشنطن، إضافةً إلى برلاي جاين وشريهاري سانكراسوبرامنين الباحثين في مركز أبحاث الطاقة الشمسية بجامعة واشنطن.
يتميز الجهاز الجديد بتطبيق تكنولوجيا استخدام الموارد الموجودة في الموقع وعدم الاعتماد على مهمات إعادة التزود، وهي السياسة الجديدة التي تؤمن بها ناسا وتطمح لتطبيقها في كل مهامها المستقبلية. ويتوافق النظام مع سياسة ناسا ووكالات الفضاء الأخرى لتقليل نفقات إطلاق البعثات الفضائية؛ فهو أكفأ وأصغر مقارنةً بأنظمة التحليل الكهربائي الحالية.
تعتمد أجهزة التحليل الكهربائي تقليديًا على الكهرباء وخلايا الوقود المكونة من الإلكتروليت، لتفكيك المركبات الكيميائية وإنتاج مركبات جديدة.
تخطط ناسا لمسبار «بيرسفرانس» الذي سيصل إلى المريخ في فبراير 2021، لإجراء تجربة تعتمد على خلية محلل كهربي أكسيد صلب، لاستخراج الأكسجين النقي من غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي للمريخ.
تُنفِّذ أجهزة التحليل الكهربائي العملية نفسها لفصل غازي الأكسجين والهيدروجين من الماء، ويمكن استخدام الهيدروجين لاحقًا لإنتاج الهيدروجين السائل ووقود الهيدرازين.
لكن مثل هذه الأجهزة لا تستطيع التعامل مع المياه ذات نسبة الملوحة العالية، ولهذا نحن أولًا بحاجة إلى إزالة ملوحة المياه بإضافة جهاز تحلية.
باستخدام تقنية جديدة، تمكن فريق جامعة واشنطن من تصميم أول جهاز تحليل كهربي يمكنه التعامل مع المياه المالحة. قال راماني: «يتضمن جهاز التحليل الكهربائي الخاص بنا أنودًا من «روثينات بيركلور الرصاص»، وكاثودًا من البلاتين والكربون، تلك المكونات، إضافةً إلى الاستخدام الأمثل لمبادئ الهندسة الكهرو-كيميائية، هو ما مكننا من التوصل إلى هذه النتيجة الرائعة».
تأكد وجود نسب عالية من الأملاح في المياه الموجودة على سطح كوكب المريخ، بواسطة مهمة «فينيكس»، التي حصلت على عينات من تربة المريخ في 2008، وحددت نسب عالية من الملح بعد ذوبان الجليد.
أيضًا عثر مسبار مارس إكسبريس التابع لوكالة الفضاء الأوروبية على مصادر للمياه تحت سطح الكوكب، في حالة سائلة بسبب وجود بيركلورات المغنيسيوم.
من هنا تأتي فائدة الجهاز الجديد، الذي يستطيع التعامل مع المياه المالحة دون الحاجة إلى عملية تحلية أولية.
يوضح سانكراسوبرامنين أن هذا الجهاز ليس فقط مناسبًا للتعامل مع البيئة المحلية دون الحاجة إلى إعادة التزود من الأرض. يعني ذلك أن المهمات على المريخ يجب أن تعمل على استخراج الأكسجين والمياه والوقود من المياه المريخية ، بل يعمل بفعالية كبيرة أيضًا: «لحسن الحظ، تعمل الشوائب الذائبة في البيئة المحلية دون الحاجة إلى إعادة التزود من الأرض. يعني ذلك أن المهمات على المريخ يجب أن تعمل على استخراج الأكسجين والمياه والوقود من المياه المريخية -البيركلورات- على منع تجمد المياه، وتُحسِّن من أداء جهاز التحليل الكهربائي، بخفض المقاومة الكهربية».
وفقًا لاختبارات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن جهاز التحليل الكهربائي «موكسي» ينتج 10 جرامات فقط من الأكسجين في الساعة باستخدام 300 واط من الطاقة.
للمقارنة، ينتج الجهاز الجديد 250 جرامًا من الأكسجين في الساعة باستخدام الطاقة نفسها، إضافةً إلى الهيدروجين. وقد تمكن الجهاز من العمل في ظروف مشابهة لبيئة المريخ، تحت ضغط جوي منخفض وفي درجات حرارة أقل من -33 درجة فهرنهايت (-36 درجة مئوية).
أضاف راماني: «يُعد الجهاز الجديد طفرةً لوجستية في مجال البعثات إلى الكواكب الأخرى. ويمكن استخدام الجهاز في استخدام مياه المحيطات على الأرض مصدرًا طبيعيًا للأكسجين والوقود».
وأضاف برلاي جاين: «ثبت أن الجهاز يمكنه العمل في ظل الظروف المريخية الصعبة، ومن ثم يمكن استخدام التقنية ذاتها في الظروف الأكثر اعتدالًا على الأرض، للحصول على الهيدروجين والأكسجين من المياه المالحة، بالتحليل الكهربائي لمياه البحار».
يمكن التحليل الكهربائي لمياه البحر باستخدام مركبات مخصصة تسمح بمهام مطولة تحت سطح الماء. سيؤدي ذلك إلى طفرة في مجال الوقود البديل؛ إذ يمكن إنشاء خلايا وقود الهيدروجين، التي تعتمد على غازي الهيدروجين والأكسجين لإنتاج الطاقة.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف مجموعة من البحيرات تحت سطح كوكب المريخ
ربما احتوى المريخ في الماضي على خزانين عملاقين للماء على عمق كبير
ترجمة: هبة الحارس
تدقيق: أكرم محيي الدين