في تجربةٍ رائدةٍ ومثيرةٍ للجدل حقن العلماء خلايا جذعية بشرية في مُضَغ سعدان ما تزال في مرحلة النمو، لينتج كائنٌ هجين يُسمّى علميًا «كيميرا» نصف إنسان نصف سعدان، لم تشهده الطبيعة من قبل، وبقي حيًا في المختبر 20 يومًا، لنطرح بعد ذلك سؤالًا: ماذا سيخبرنا مستقبلًا هذا المخلوق الجديد الذي خضنا غمار استكشافه توًّا؟
أشار الباحثون في الدراسة المنشورة يوم 15 أبريل في مجلة Cell، إلى أن هذه الأجنة المهجنة إنسان-سعدان يمكن الاستفادة منها نماذج مفيدة لدراسة الأمراض البشرية وتطور الجنين والشيخوخة، بالتركيز على التآثر بين الخلايا الجنينية البشرية والحيوانية، وتتيح للعلماء تعلّم كيفية مساعدة الخلايا البشرية للبقاء حية بين الخلايا الحيوانية.
على الرغم من أنّ تاريخ الأبحاث في مجال التهجين بين الإنسان والحيوان، قديم بعض الشيء ويدور حوله الكثير من الجدل، ففي السنوات الأخيرة عمل الباحثون على الكائنات الهجينة لسبر الأسئلة البيولوجية التي تحمل في جعبتها تقدمًا جليًا في مجالات عديدة منها «الطب التجديدي».
وإن أصبحت لدينا القدرة -بطريقة أو بأخرى- على احتراف تنمية الأعضاء البشرية ضمن أنسجة الخنزير، سنكون حينها قد اجتزنا مرحلة مهمة في حل المشكلة المستعصية المتمثلة في نقص الأعضاء، والتي تكلّف حياة الكثيرين يوميًا.
تصدر اسم الباحث خوان كارلوس إيزبيسوا بيلمونت المتخصص في التعبير الجيني من «معهد سالك»، عناوين الصحف العالمية عام 2017، حين أنتج أول جنين هجين إنسان-خنزير، بغرض إنتاج أعضاء بشرية تنمو في أجسام الحيوانات قابلة للزرع يومًا ما. كانت كمية الخلايا البشرية المندمجة بنجاح قليلة جدًا، كما حدث في تجارب مماثلة على خلايا هجينة بشر-أغنام، ما يوحي بوجود تنافر بيولوجي معين بين الخنزير والإنسان على المستوى الجزيئي.
حقن العلماء 25 خلية بشرية في كل جنين سعدان بعد ستة أيام من تشكّله، أخذ العلماء هذه الخلايا البشرية من خطوط خلوية جذعية متعددة القدرات مُحرَّضة والتي تمتلك القدرة على إعطاء كل من الأنسجة الجنينية وغير الجنينية، كشف العلماء بعد نجاح عملية الحقن بيوم واحد عن الخلايا البشرية في 132 جنينًا.
استمر نمو 103 أجنة هجينة بعد 10 أيام من نجاح عملية الحقن، تراجع بعد ذلك معدل بقاء الأجنة الهجينة على قيد الحياة ليصل عدد الأجنة الهجينة التي استمرت على قيد الحياة إلى ثلاثة أجنة فقط بعد مرور 19 يومًا على نجاح عملية الحقن، ولُوحِظ أن نسبة الخلايا البشرية في الأجنّة الهجينة بقيت مرتفعة طوال فترة بقاء هذه الأجنة على قيد الحياة.
صرّح الباحث إيزبيسوا بيلمونت: «عانى إنتاج هجين إنسان-سعدان تاريخيًا من انخفاض كفاءة وتكامل الخلايا البشرية في الكائنات المضيفة، إنَّ إنتاج كائن هجين بين الإنسان والرئيسات -الأنواع الأكثر قربًا وارتباطًا بالإنسان على طول الجدول الزمني التطوري من الأنواع التي استُخدِمت سابقًا- سوف يسمح لنا بمعرفة ما إذا كانت هناك حواجز حدثت أثناء التطوّر تعيق تشكّل هجين إنسان-سعدان وكيف يمكننا التغلب عليها في حال كانت موجودة».
حلّل الباحثون محتوى العضوية من الـRNA المرسال في الأجنّة الهجينة إنسان-سعدان، وقال الباحث إيزبيسوا بيلمونت في هذ السياق: «استنتجنا من هذه التحليلات أنَّ العديد من مسارات التواصل الخلوية في الأجنة الهجينة كانت إمّا جديدة كليًا أو معزَّزة، إنَّ فهم أي من هذه المسارات متضمنّة تعزيز التواصل بين الخلايا الهجينة سوف يسمح لنا بتعزيز وزيادة كفاءة التهجين في كائنات مضيفة أكثر بعدًا تطوريًا عن الإنسان».
وسيعمل الباحثون مستقبلًا على تحديد المسارات الجزيئية المشاركة في التواصل بين الأنواع والمهمة لعملية نمو وتطوّر الكائنات الهجينة بمزيد من التفصيل والتعمّق.
تتمثّل الأهداف بعيدة المدى لهذا البحث في توليد الأعضاء البشرية القابلة للزرع في الكائنات الهجينة من خلال حذف المعلومات الجينية المسؤولة عن نمو وتطوّر عضو أو نسيج ما في الكائنات المضيفة واستبدالها بالمعلومات الجينية المسؤولة عن نمو وتطّور العضو أو النسيج البشري إضافةً إلى نمذجة العديد من الأمراض التي تصيب الإنسان ودراسة تطور البشر وتطوير أساليب جديدة لفحص فعالية وسلامة الأدوية.
أثار هذا البحث فور نشره جدلًا في شتّى أنحاء العالم حول أخلاقيّات مثل هذه التجارب، وفي هذا السياق، صرَّح البروفيسور جوليان سافوليسكو وهو مدير مركز أكسفورد أوهيرو للأخلاقيات العلمية والمدير المشارك لمركز ويلكوم للأخلاقيات والعلوم الإنسانية في جامعة أكسفورد: «يفتح هذا البحث الباب أمام مشكلات تتعلق بأعضاء يختلط فيها حمضان نوويّان أحدهما بشري والآخر غير بشري، تم تدمير هذه الأجنة بعد 20 يومًا من تطوّرها لكنّها مسألةُ وقتٍ قبل أن يطوّر العلماءُ أعضاءً يختلط فيها حمضان نوويان مختلفان بنجاح ربّما كمصدر للأعضاء البشرية وهذا أحد الأهداف بعيدة المدى لهذا البحث».
كما وصرّحت الدكتورة آنا سماجدور وهي محاضرة وباحثة في أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة إيست أنجليا: «يمثّل هذا البحث تحدّيات أخلاقيّة وقانونية كبيرة. يقول العلماء الذين أجروا البحث إن هذه الأجنة الهجينة ستقدّم فرصًا جديدةً لأنّنا غير قادرين على إجراء أنواع معينة من التجارب على البشر لكن السؤال الأهم يتمحور حول ما إذا كانت هذه الأجنّة بشرية أم غير بشرية».
اقرأ أيضًا:
لأول مرة: نجاح زراعة كبد بشري صغير مخبري في الفئران
لأول مرة: توليد ملايين الخلايا البشرية الناضجة في جنين الفأر
ترجمة: حسن دعبول
تدقيق: نايا بطّاح