الإدمان مرض معقد تطلب دراسات امتدت قرابة قرن لتعزيز معرفتنا حول كيفية عمله، كان آخرها هذا البحث الذي تكمن أهميته في تغييره لطريقة نظرنا لمفهوم الإدمان من كونه خيارًا شخصيًا فاشلًا إلى كونه مرضًا يؤثر على الدماغ.
يذهب تفكير معظم الناس عند سماعهم لكلمة إدمان إلى تعاطي مواد معينة، لكن هذا لا يشكل سوى نوع واحد من أنواعه، إذ تشير الأبحاث إلى أن إدمان تعاطي المواد يعمل بشكل مشابه لأنماط من السلوك القهري مثل التسوق والقمار.
ويميز معظم الخبراء اليوم نوعين من الإدمان: الإدمان الكيميائي الذي يتضمن تعاطي بعض المواد، والإدمان السلوكي الذي يتمثل بسلوك إلزامي يتضمن عادات مستديمة متكررة يمارسها الفرد دون أن تعود عليه بفوائد حقيقية.
كيف هو الإدمان بشكل عام؟
قبل الخوض في تفصيل أنواع الإدمان من المفيد الاطلاع على بعض جوانبه.
نظام المكافأة:
يتدخل الإدمان بوظيفة الدماغ الطبيعية من خلال نظام المكافأة تحديدًا، فعندما تؤدي عملًا ما وتجده مسليًا سواءً كان إمضاء الوقت مع صديقك أو شرب زجاجة من النبيذ أو تعاطي الكوكايين Cocaine سيحرر نظام المكافأة ناقلًا كيميائيًا عصبيًا يدعى الدوبامين والذي يبدو أنه يعزز ربط الدماغ بين أشياء معينة والشعور بالمتعة محرضًا إياك على تكرار هذه التجربة مجددًا في المستقبل، خلافًا للاعتقاد السائد بكونه مسؤولًا بشكل مباشر عن الشعور بالغبطة.
الشهوة والتحمل:
ستطلق رغبتك في تجربة هذه الغبطة مجددًا العنان لشهوتك لهذه المادة أو السلوك، خاصةً عند مرورك بنفس ظروف التجربة للمرة الأولى (مثل حفلة يشرب فيها الناس الكحول)، وتمثل هذه الشهوة أولى علامات الإدمان.
ومع استمرارك بتعاطي هذه المواد أو تكرار هذا السلوك سيطلق دماغك كميات أكبر من الدوبامين حتى يدرك في النهاية وجود كميات كبيرة منه، فيستجيب بإطلاق كميات أقل من هذا الناقل عند تعرضه لمحفزات إطلاقه الطبيعية، وهنا تكمن المشكلة، فنظام المكافأة الموجود بالدماغ سيتطلب نفس كمية الدوبامين التي حفزت إطلاقها تلك التجربة حتى يعمل بشكل جيد، وقبل أن تدرك ذلك ستصبح بحاجة لتعاطي المزيد من هذه المواد أو تكرار هذا السلوك كي يطلق دماغك هذه الكمية من الدوبامين، ويدعى هذا التأثير بالتحمل tolerance.
قلة الاهتمام بالأنشطة الأخرى:
ليس مستغربًا أن يفقد الشخص اهتمامه بالهوايات التي اعتاد الاستمتاع بممارستها مع تطور الإدمان، فهذا يحدث بسبب توقف الدماغ عن إنتاج كمية كافية من الدوبامين استجابةً لمحفزاته الطبيعية مثل ممارسة الجنس وصنع الأعمال الفنية، الأمر الذي سيقود صاحبه نحو تكرار تلك التجربة ليشعر بشعور جيد حيال أي شيء يفعله رغم رغبته بالتوقف عن عن هذا الفعل الذي أدمن عليه.
فقدان التحكم والانضباط:
يتضمن الإدمان عادةً فقدان الشخص قدرته على التحكم بتعاطي المادة المدمنة أو ممارسة سلوك معين، ما قد ينعكس على صاحبه سلبًا على شكل مشاكل صحية أو فقدان وظيفته أو هموم عاطفية، وهنا قد يقرر المدمن التوقف عن إدمانه ليجد نفسه عاجزًا عن ذلك رغم جهوده المبذولة.
عن الإدمان الكيميائي:
يصعب التحدث عن الإدمان الكيميائي بسبب الخلط بين مفاهيم مثل سوء تناول المادة والاعتماد والإدمان، وهذا أحد أسباب التوصية باستخدام مصطلح «اضطراب تناول المادة» في الطبعة الأخيرة من كتاب الدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات النفسية Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5)، يتضمن هذا الدليل معايير تشخيصية لمساعدة مختصي العناية الصحية على التفريق بين الحالات الخفيفة والمعتدلة والشديدة.
يفضل العديد من الخبراء أيضًا استخدام هذا المصطلح لأنه يجنبهم استخدام مصطلحات رنانة مثل التعاطي والتي تملك وقعًا سيئًا على أذن سامعها مسببةً سمعةً سيئةً للمدمنين قد يمتنعون على إثرها عن تلقي العلاج.
تتضمن الأعراض الشائعة لاضطراب تناول المواد:
- رغبةً ملحةً بما يكفي للتأثير على قدرتك على التفكير بالشؤون الأخرى.
- الحاجة لتناول كميات أكبر من المادة للحصول على نفس التأثير.
- الشعور بعدم الراحة إذا لم يكن حصولك على هذه المادة سهلًا.
- المخاطر المرافقة لتناول هذه المادة أثناء قيادة السيارة أو العمل.
- مشاكل في إدارة العمل أو المدرسة أو الواجبات المنزلية بسبب تأثيرات هذه المادة.
- قضاء وقت أقل في ممارسة نشاطات اعتدت الاستمتاع بها.
- عدم القدرة على التوقف عن تعاطيها.
- الأعراض الانسحابية عند التوقف عن تناولها.
أما بالنسبة لأشيع هذه المواد المسببة للإدمان فهي تشمل:
- الكحول.
- الأفيونات التي تشمل الهيروين بالإضافة لمسكنات الألم التي تحتاج وصفة طبية مثل الأوكسيكودون oxycodone والمورفين.
- القنب.
- النيكوتين.
- الأمفيتامينات amphetamines.
- الكوكايين.
- الميتامفيتامينات mythamphetamines.
عن الإدمان السلوكي:
يوجد بعض الخلاف حول مفهوم الإدمان السلوكي وفيما إذا كان إدمانًا حقًا، ومع ذلك يميز DSM-5 نوعين من الإدمان السلوكي، وهما إدمان القمار وإدمان ألعاب الإنترنت.
بينما يتفق معظم الخبراء على وجود أنماط معينة من السلوك التي قد تتحول إلى مشكلة مع مرور الوقت، يكمن الخلاف حول المرحلة التي يصبح فيها الشخص مدمنًا على هذا السلوك وحول أنماط السلوك التي قد تثير إدمان الشخص عليها، على سبيل المثال قد يتفق البعض على وجود إدمانات التسوق والجنس والتمارين الرياضية لكنهم يشككون في فكرة وجود الإدمان على الفيسبوك.
اختارت جمعية علم النفس الأمريكية ألا يتضمن -5DSM أنماط السلوك هذه نظرًا لعدم توافر الدليل العلمي الواضح والصريح لوضع معايير ثابتة للتشخيص، ونتيجةً لذلك لا توجد معايير تشخيصية رسمية.
على أي حال تتضمن العلامات العامة التي تشير لوجود إدمان سلوكي محتمل:
- قضاء وقت طويل في ممارسة سلوك ما.
- إلحاح مستمر على تكرار هذا السلوك رغم تأثيراته السلبية.
- ممارسة هذا السلوك للتحكم بمشاعرك غير المرغوبة.
- إخفاء هذا السلوك والكذب على الآخرين حول الوقت الذي تقضيه بممارسته.
- فشل تجنب هذا السلوك.
- التوتر والإحباط وعدم الراحة والأعراض الانسحابية الأخرى عند التوقف عن فعله.
- الشعور بالإكراه على الاستمرار بهذا السلوك حتى عندما يسبب شعورك بالضيق.
تتضمن أشيع الإدمانات السلوكية:
- إدمان التسوق.
- إدمان التمارين الرياضية.
- إدمان تناول الطعام.
- إدمان الجنس.
- إدمان مشاهدة التلفاز.
- إدمان الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي.
علاج اضطراب تناول المواد:
يكون الإقلاع عن الإدمان أو التحكم بتناول المادة غالبًا صعبًا لوحدك دون تلقي الدعم من مختصين مدربين.
تتمثل الخطوة الأولى في العلاج هنا في إزالة سمية هذه المواد -إن كانت تملكها- دوائيًا وتحت المراقبة، ولن تعالج هذه الخطوة الإدمان لكنها ستساعدهم في تخطي مرحلة الانسحاب بسلام، ويلي هذه الخطوة واحدة أو أكثر من المقاربات التالية:
العلاج السكني:
يتضمن العلاج السكني أو إعادة التأهيل عادةً البقاء في مؤسسة علاجية تتوفر فيها العناية الطبية المقدمة من مختصين، وتختلف مدة البرامج العلاجية هنا بين بضعة أسابيع وبضعة أشهر وسنة، وتترافق عادةً مع مقاربات أخرى.
العلاج النفسي:
يساعد العلاج النفسي وتلقي استشارة بخصوص الإدمان على الشفاء، خصيصًا في الحالات التي لجأ فيها الأشخاص للإدمان للتغلب على مشاعر الإحباط، فسيساعد المعالج المدمن على اكتشاف الأسباب التي أودت به إلى تناول هذه المادة المدمنة بهدف إعداد خطط للتغلب عليها.
المداواة:
يفيد العلاج الدوائي في علاج بعض حالات الإدمان، وتكمن فائدته تحديدًا في الوقاية من الانتكاسات لدى مدمني الكحول والأفيونات من خلال خفضه شدة الأعراض الانسحابية لتناول المادة وتخفيف الشهوة تجاهها.
يوصي المعالجون عادةً باستخدام المداواة إلى جانب مقاربات علاجية أخرى مثل العلاج النفسي للتغلب على أي عوامل مسببة مجهولة.
مجموعات الدعم:
تساعد برامج الاثنتا عشرة خطوة مثل برنامج مدمنو الكحول Alcoholics وبرنامج المجهولون Anonymos وبرنامج مدمنو المخدرات المجهولون Narcotics Anonymos العديد من الناس على الامتثال للشفاء من خلال اعتمادها على طرق العلاج الذاتي التي تتضمن مجموعات مجهولة الهوية تساند بعضها وتقدم العزاء والنصح بهدف التخلص من إدمانهم.
قد تشكل البرامج العلاجية هذه فارقًا كبيرًا، لكنها لا تقدم الدعم الكافي بمفردها، وقد لا تنجح مع جميع الأشخاص، لذا قد تقدم برامج أخرى مثل SMART Recovery خيارًا أفضل للأشخاص الذين يبحثون عن دعم جماعي أكثر اعتمادًا مستند على المقاربات العلمية.
علاج الإدمان السلوكي:
كما هو الحال في الإدمان الكيميائي تساهم عوامل مختلفة في تكوين هذا النمط من الإدمان، أما سبل علاجها فمتنوعة وإن كان العلاج النفسي أول التوصيات.
العلاج النفسي:
العلاج السلوكي المعرفي غالبًا أفضل طرق العلاج النفسي، يركز هذا النمط في العلاج على توجيه الانتباه نحو الأفكار والمشاعر التي تسبب الضيق وتعلم كيفية التحكم بها، وتكون هذه الطريقة فعالة عندما تترافق مع مهارات تكيف أكثر إنتاجًا.
يمكن للطرق الأخرى في العلاج النفسي أن تساعد أيضًا في علاج المشاكل الدفينة التي قد تكون لعبت دورًا في تحريض هذا الإدمان مثل المشاكل العاطفية.
سبل العلاج الأخرى:
تساعد مجموعات المساعدة الذاتية والأنماط الأخرى من الدعم الذاتي في علاج الإدمان السلوكي بفعالية عندما تترافق مع العلاج النفسي. تشير بعض الأبحاث إلى فعالية مضادات الاكتئاب التي تشمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SSRI في علاج الإدمان السلوكي أيضًا.
الخلاصة:
ربما ما زال الكثير أمام الخبراء لمعرفته حول آلية الإدمان وسبب حدوثه، لكنهم متيقنون من قابليته للعلاج.
سيساعدك موقع إدارة خدمات الصحة النفسية واضطراب تناول الموادThe Substance Abuse and Mental Health Services Administration (SAMHSA) على الوصول لمصادر العلاج متضمنةً معلومات حول الإدمان ومواقع تلقي الخدمات العلاجية وخط مساعدة مجاني لمدة يوم لتقديم المعلومات وخدمات أخرى.
اقرأ أيضًا:
المرونة العصبية ودورها في علاج الإدمان
الإدمان على الكحول وموت الخلايا الدماغية لدى البالغين
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: آية فحماوي