مع أن الجبل يمكن أن ينمو نظريًا أكثر من جبل إيفرست، فإن قوة الجاذبية والتعرية ستمنع ذلك. قبل ستين مليون سنة، وُلدت سلسلة من الجبال، عندما اصطدمت الصفيحة الأوروآسيوية بالصفيحة الهندية، وذلك لأن هذه الصفائح كانت ذات كثافة متماثلة، فلا يمكن لأي منهما أن تغوص تحت الأخرى، ولم تجد الصخور مكانًا تذهب إليه سوى الصعود.
الآن، تضم جبال الهيمالايا أعلى قمم الأرض، جبل إيفرست، الذي يبلغ ارتفاعه 8.8 كيلومتر فوق مستوى سطح البحر. في المرتبة الثانية بعد جبل إيفرست تأتي القمة K2، التي ترتفع 8.6 كم فوق سطح الأرض وتقع على الحدود بين الصين وباكستان.
هل يمكن أن تنمو الجبال لأكثر من ذلك؟ وإلى أي مدى يستطيع أن ينمو أي جبل على الأرض؟
يقول جين همفريز، عالم الجيوفيزياء بجامعة أوريغون: «نظريًا، يمكن أن تنمو الجبال لتصبح أعلى قليلاً من جبل إيفرست. لكن سيتعين عليها أولاً التغلب على بعض التحديات التي تواجه الكثير من الجبال في أثناء نموها. فبسبب جاذبية الأرض، فإن أي كومة من الصخور تنمو في جبل ستبدأ في التراخي تدريجيًا، مثل كمية كبيرة من عجينة الخبز التي ستتسطح ببطء عند وضعها على طاولة».
كذلك تساعد العمليات النشطة، مثل التعرية، على منع الجبال من الارتفاع أكثر. وتُعد الأنهار الجليدية، وهي كتل شاسعة من الجليد المتحرك ببطء، من العوامل الهامة في نحت الجبال.
يقول همفريز: «علماء الأرض يشيرون دائمًا إلى التآكل الناتج عن الأنهار الجليدية، فهي بمثابة منشار كهربائي جليدي، لأنها فعّالة للغاية في إبعاد جوانب الجبال. التعرية الجليدية تخلق جبلًا شديد الانحدار ليصبح بعد ذلك عرضةً للانهيار الأرضي».
تابع همفريز: «إن عوامل التعرية والجاذبية تعني أنه كلما زاد حجم الجبل، زادت الضغوط الناتجة عن الجاذبية، وزاد الميل إلى الانهيار. مع أن جبل إيفرست يمكن نظريًا أن يرتفع إلى مستوى أعلى، لكن جانبه الجنوبي الحاد يبدو غير مستقر، ما قد يؤدي إلى انهيارات أرضية».
مع ذلك، هناك طرق يمكن أن ينمو بها الجبل أعلى من قمة إيفرست. من المحتمل أن يرتفع أكثر بمقدار 1.6 كم، ولكن فقط إذا كانت الظروف مناسبة.
أولاً، يجب أن يتشكل الجبل من عمليات بركانية وليس من اصطدام قاري. الجبال البركانية، مثل جزر هاواي، تنمو مع انفجارها. تبرد الحمم المتدفقة من البراكين على شكل طبقات، ما يؤدي إلى بناء الجبال أعلى وأعلى. أخيرًا، لكي يستمر الجبل في النمو، فإنه يحتاج إلى ثوران دائم لتأمين مصدر مستمر من الصهارة التي تُضخ إلى أعلى وأعلى، وهذه الصهارة تتدفق على جوانب الجبل، ومن ثم تبرد.
هذه العملية البركانية هي بالضبط الطريقة التي تشكّل بها أعلى جبل في النظام الشمسي، جبل أوليمبوس مونس على سطح المريخ.
قال بريوني هورغان، عالم الكواكب في جامعة بوردو في إنديانا: «هذا الجبل يبلغ ارتفاعه 25 كم، وهو مرتفع جدًا لدرجة أنه يخترق الجزء العلوي من الغلاف الجوي للكوكب الأحمر».
جبل أوليمبوس مونس وصل إلى هذا الارتفاع الشاهق لأن المريخ يفتقر إلى الصفائح التكتونية، وهي مجموعات كبيرة من القشرة التي تكون مسؤولةً عن العمليات الجيولوجية للأرض. تشكّل أوليمبوس مونس فوق نقطة ساخنة -بئر عميق من الصهارة الصاعدة- التي تدفقت تدفقًا متكررًا، تمامًا مثل جزر هاواي، ستتدفق تلك الحمم البركانية المنفجرة على جوانب الجبل وتبرد لتشكّل طبقةً جديدةً من الصخور.
مع أن جزر هاواي تشكّلت أيضًا فوق نقطة ساخنة، فإن صفيحة المحيط الهادئ تستمر في الحركة، لذلك لن تبقى الجزر فوق النقطة الساخنة فترةً كافيةً حتى تشكّل براكينها جبلًا بحجم أوليمبوس مونس.
قال هورغان: «على كوكب المريخ، وجود نفس النقطة الساخنة وصفائح لا تتحرك، يمكن تكوين براكين ضخمة وهائلة على مدار مئات الملايين أو مليارات السنين من النشاط».
لكن حتى عمالقة مثل أوليمبوس مونس لها حدود. وفقًا لهورغان، إذا كان البركان ما يزال نشطًا -فحتى الآن، لم نلاحظ أي نشاط حالي- فمن المحتمل أن يقترب من نهاية نموه. وذلك لأن الضغط المطلوب لمواصلة ضخ الصهارة إلى قمة الجبل قد لا يتمكن قريبًا من التغلب على القوى العاملة ضده، وهي ارتفاع الجبل وجاذبية المريخ.
قال هورغان: «يمكن التفكير في البركان أساسًا على أنه أنبوب يحاول ضخ الحمم من خلاله، وعلى مستوىً ما، إذا كان كبيرًا جدًا، أو مرتفعًا جدًا، فلن يكون لديك ما يكفي من القوة لضخ الحمم البركانية للأعلى».
اقرأ أيضًا:
موجة مارقة عملاقة تهز شمال المحيط الهادئ وتسجل أكبر موجة في تاريخه
العلماء يحذرون من الآثار الخفية للاحتباس الحراري
ترجمة: أحمد عضيم
تدقيق: باسل حميدي