كان وصول الطابعة المعدنية المتحركة في خمسينيات القرن الخامس عشر حدثًا حمل نتائج ضخمة وطويلة الأمد. يعود الفضل الكبير في ابتكار الطابعة إلى الألماني يوهانس غوتنبرغ، الذي اشتهر بطباعة نسخة من الكتاب المقدس عام 1456. بدأت الطابعات بطباعة الأعمال والنصوص الدينية، ثم أنتجت كل أنواع النصوص لاحقًا، من النصوص الإصلاحية إلى الروايات الرومانسية، وازدادت الكتب المطبوعة فانخفضت تكلفتها، ولذلك ازداد عدد القراء عن السابق.
انتقلت الأفكار عبر أوروبا عندما نشر الباحثون أعمالهم الخاصة، وآراءهم حول النصوص القديمة، ونقدهم على أعمال الباحثين الآخرين.
قامت السلطات مثل الكنيسة الكاثوليكية بمنع ومراقبة وحتى إحراق بعض الكتب، لكن سلوك العامة بالنسبة للكتب والقراءة كان قد تغير إلى الأبد.
من تأثيرات آلة الطباعة في أوروبا:
- ارتفاع ضخم في حجم الكتب المنتجة مقارنةً بالأعمال المطبوعة يدويًا.
- ارتفاع نسبة الحصول على الكتب من ناحية توفرها وأيضًا انخفاض كلفتها.
- نُشرت أعمال المزيد من المؤلفين، وحتى أعمال المؤلفين المغمورين.
- أصبح المؤلف الناجح قادرًا على كسب العيش فقط من الكتابة.
- ازدياد استخدام اللهجات العامية وتوحيدها مقابل استخدام اللغة اللاتينية في الكتب.
- ارتفاع معدلات القراءة والكتابة.
- الانتشار السريع للأفكار التي تتعلق بالدين والتاريخ والعلوم والشعر والفنون والحياة اليومية.
- ارتفاع في دقة النصوص القانونية القديمة.
- تسهيل تنظيم الحركات التي لم يكن قادتها على اتصال مباشر مع أتباعهم.
- إنشاء المكتبات العامة.
- مراقبة الكتب من قبل السلطات المعنية.
يوهانس غوتنبرغ:
يعود الفضل في اختراع الطابعة المعدنية المتحركة إلى الألماني يوهانس غوتنبرغ.
على الرغم من ذلك، هناك ادعاءات أخرى لا سيما من الهولندي لورين جانسون كوستر، ومن اثنين من أوائل الطابعين الألمانيين، يوهان فاست وزوج ابنته بيتر شوفر.
يوجد أيضًا دليل على أن الطابعات المعدنية المتحركة اُختُرعت في كوريا عام 1234م في مملكة غوريو.
طبع الباحثون البوذيون الصينيون أيضًا النصوص الدينية باستخدام آلات طباعة معدنية متحركة.
استخدمت النماذج الأولى من هذه الطابعات الخشب خلال حكم سلالة سونغ من عام 960م حتى 1279م.
ما يزال النقاش قائمًا بين الباحثين حول ما إذا كان اختراع غوتنبرغ عفويًا أم إن فكرة آلات الطباعة المعدنية المتحركة انتشرت بواسطة التجار والمسافرين من آسيا إلى أوروبا.
مثل أي تقنية في التاريخ، من المحتمل أن يأتي الاختراع نتيجةً لتراكم مجموعة من العناصر والأفكار والحاجة إلى الاختراع، شاملةً عددًا من الأفراد عبر الزمان والمكان.
بدأ غوتنبرغ تجاربه في الطباعة في أربعينيات القرن الخامس عشر واستطاع تأسيس شركته للطباعة في ماينز عام 1450م.
استخدم غوتنبرغ في طابعته حروفًا قوطيةً، وصنع كل حرف على كتلة معدنية عن طريق نقشها على قاعدة قالب من النحاس، ومن ثم تعبئة القالب بمعدن مصهور.
تُوضَع الحروف المفردة في إطار لتشكل النص، وبعدها تُغطى بحبر دبق.
تاليًا، تُكبس صفحة من الورق كانت تُصنع في ذلك الوقت من الكتان والقماش، ميكانيكيًا على الكتل المعدنية.
يظهر نجاح غوتنبرغ في جمع كل هذه العناصر مع بعضها، في نسخته من الكتاب المقدس المكتوب باللاتينية عام 1456م.
ظهر النوع الجديد من الطابعات في أماكن أخرى، لا سيما عند الألمانيين أرنولد بانارتز وكونارد سوينهايم، ولاحقًا أسسا مطبعتهم عام 1465 في دير بينيديكت في سوبياكو بإيطاليا، وقد كانت أول مطبعة من نوعها في إيطاليا.
نقل سونهايم وبانارتز عملهما إلى روما عام 1467م، وثم إلى البندقية عام 1469م، التي كانت لها خبرة طويلة في طباعة العديد من الأشياء مثل ورق اللعب.
كانت ما تزال بعض المشاكل، مثل قلة الجودة مقارنةً بالكتب المطبوعة يدويًا، والعرض الباهت فيما يتعلق بالمخطوطات الملونة الجميلة، وُجِدت أيضًا بعض الأخطاء في النسخ المطبوعة الأولية، وتكررت هذه الأخطاء في النسخ اللاحقة.
على الرغم من ذلك، فقد بدأت حقًا ثورة في ما يقرؤه الناس وكيف يقرؤون.
انتشار للمعلومات
لاحقًا، أتت زيادة جديدة في كمية المواد المطبوعة، مع ظهور الحركات الإنسانية والرغبة في إعادة إحياء الأدب اليوناني والروماني القديم.
استفاد طابعان بالأخص من الزيادة على هذا الطلب، هما الفرنسي نيكولاس جينسن، والإيطالي ألدوس مانتيوس.
ابتكر جينسن خطوطًا جديدةً في مطبعته في البندقية، بما في ذلك النوع الروماني سهل القراءة، وخط يوناني يقلد نصوص المخطوطات.
طبع جينسن أكثر من 70 كتابًا في سبعينيات القرن الخامس عشر، بما في ذلك التاريخ الطبيعي لبيلينوس. امتلكت بعض هذه الكتب الزينة والرسوم التوضيحية مضافة يدويًا لاستعادة جودة الكتب القديمة المكتوبة يدويًا بالكامل.
في ذات الوقت، تخصص مانتيوس في طباعة طبعات أصغر توضع في الجيب من النصوص الكلاسيكية، ومؤلفات المؤلفين الإنسانيين المعاصرين.
بحلول عام 1515م، أصبحت أعمال جميع الكتّاب الرئيسيين متاحة الطباعة، معظمها في طبعات عدة ومجموعات من الأعمال الكاملة. وأصبح من السهل التحقق من دقة النصوص الكلاسيكية المطبوعة مقابل النصوص الأصلية، بعد وجود نسخ مطابقة للنصوص الكلاسيكية في أيدي العلماء في جميع أنحاء أوروبا.
ضمّت الكتب المكتوبة باليد أخطاء وإغفالات وإضافات دائمة قام بها النساخ عبر القرون، لكن الآن وبالتدريج يمكن تحقيق طبعات نهائية من الأعمال الكلاسيكية التي كانت أقرب ما يمكن إلى الأصل القديم.
باختصار، أصبحت الأعمال الكلاسيكية سببًا وفائدةً في آن واحد للمنح الدراسية الجامعية الدولية، ظاهرة من شأنها أن تجني مكافآت في العديد من المجالات الأخرى من علم الفلك إلى علم الحيوان.
كان هناك دافع لطباعة المزيد من الكتب بفضل الإصلاحيين الذين بدؤوا يشككون في تفسير الكنيسة للكتاب المقدس، وقيودها على كيفية تفكير المسيحيين وطريقة عبادتهم.
كان الكتاب المقدس من الأولويات التي تُرجمت إلى اللغات المحلية، مثل الألمانية عام 1466 والإيطالية عام 1471 والهولندية عام 1477 والكتالونية عام 1478 والتشيكية عام 1488.
علّق الإصلاحيون والمهتمون بالشأن الإنساني على المصادر الرئيسية وتجادلوا بينهم في الطباعة، وأنشؤوا شبكةً خفية من المعرفة والعلم في جميع أنحاء أوروبا، وقد نُشرت الرسائل المكتوبة بين هؤلاء العلماء.
ومع احتدام القضايا الدينية والأكاديمية، زاد العلماء المتناقشون من إنتاج المزيد من الكتب المطبوعة في دورة دائمة من الكلمة المطبوعة.
وكان عوام الناس يتحمسون للنقاشات الموجودة في المواد المطبوعة حتى تمكن الأفراد المتشابهون التفكير من نشر أفكارهم بسرعة وتنظيم حركات واسعة عبر عدة مدن مثل حرب الفلاحين الألمان عام 1525.
كان هناك أيضًا أعمال كثيرة لأشخاص من غير الباحثين.
عندما ازدادت أعداد القراء، ازدادت الأعمال المطبوعة مثل القصائد والروايات والروايات الرومانسية، ما أدى إلى ظهور توجهات في الأدب على مستوى أوروبا. وكانت هذه الأعمال العلمانية مكتوبة باللغة المحلية لا باللغة اللاتينية.
اقرأ أيضًا:
النظام الإقطاعي: تاريخه وخصائصه
ترجمة: بديع عيسى
تدقيق: عبد الرحمن داده