السلتيون القدامى هم مجموعة قبائل كانت منتشرة انتشارًا واسعًا وتتضح ثقافتهم في المدافن والتحف الأثرية واللغة. حاليًا يستدعي الاسم التفكير في الفن التقليدي والأدب والموسيقا من أيرلندا واسكتلندا. كان السلتيون القدامى مجموعة قبائل انتشرت انتشارًا واسعًا وتعود أصولهم إلى وسط أوروبا. سنورد تاليًا بعض ما عرفه المؤرخون عن هذه المجموعة المعقدة من القبائل.
1. كان السلتيون أكبر مجموعة في أوروبا القديمة:
امتدت الثقافة العريقة المعروفة بالسلتية على نطاق أوسع من الجزر البريطانية، من إسبانيا إلى البحر الأسود، فكانوا جغرافيًا أكبر مجموعة بشرية استوطنت أوروبا قديمًا.
يصعب اقتفاء الأثر التاريخي لأن أيًا من السكان القدامى لوسط أوروبا أو غربها لم يسموا أنفسهم «سلتيين». بل تعود التسمية إلى الإغريق الذين تواصلوا للمرة الأولى مع «البرابرة» الذين دعوهم «السلتيين» عام 540 قبل الميلاد عند ساحل فرنسا الجنوبي. لم يكن السلتيون القدامى مملكة أو إمبراطورية واحدة في أي وقت، بل مئات من القبائل اتسمت بثقافة مشتركة ولغة مميزة.
2. وُصف السلتيون بالمحاربين البرابرة:
لم يخلف السلتيون تاريخًا مدونًا، لذا اضطررنا للاعتماد على القصص المنحازة لأعدائهم في المعارك، الإغريق ولاحقًا الرومان. لا يعلم المؤرخون لمَ سموهم «الكيلتوي» لكن التسمية ارتبطت بهم، وعُرفوا بأنهم متوحشون كثيرو الشرب والقتال. وكانوا يقاتلون عراة غالبًا، ووصفوا بالمرتزقة في منطقة المتوسط.
دعاهم الرومان السلتيين أو الغاليّين، وحدثت صدامات متكررة مع القبائل السلتية التي هاجمت المواقع الرومانية شمال إيطاليا. سنة 387 قبل الميلاد أكد القائد الجسور «ببرينوس» سمعتهم الهمجية، فسلب ونهب روما وقتل أعضاء مجلس الشيوخ الروماني.
بعد عدة قرون استولت الإمبراطورية الرومانية على العديد من القبائل السلتية في شبه جزيرة أيبيريا -البرتغال وإسبانيا- ودعوها الغاليسي، قاتلهم يوليوس قيصر تسع سنوات وهزم السلت وقبائل أخرى في بلاد الغال، فرنسا حاليًا. اتسم ما كتبه قيصر عن أعدائه السلت بمزيج من الاشمئزاز والاحترام.
يفرق قيصر بوضوح بين العالم المتحضر الذي يمثله الرومان في منطقة المتوسط وبين السلت المتوحشين في بلاد الغال، لذلك كان احتلال الرومان لهم مبررًا، وفقًا لبتينا أرنولد عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة وسيكنسون- ميلووكي.
3. تلال الدفن السلتية القديمة تكشف مجتمعًا معقدًا:
ثبت أن السلتيين بعيدون كل البعد عن الهمجية وذلك لوجود الأعمال المعدنية دقيقة الصنع والمجوهرات التي نُقب عنها في حصون الهضبة السلتية القديمة وتلال المدافن في أوروبا. توجد إحدى هذه التلال قرب هوسدورف في ألمانيا، وضمت بقايا زعيم سلتي وثروة من البقايا الأثرية التي تشير إلى مجتمع معقد طبقي.
تعود تلة زعيم هوسدورف إلى عام 530 قبل الميلاد، ما أسماه علماء الآثار حقبة هالستات المتأخرة، حين تركزت الثقافة السلتية في وسط أوروبا. كان الزعيم مستلقيًا على أريكة برونزية ذات عجلات مرتديًا الحلي الذهبية، متضمنةً طوقًا ذهبيًا للرقبة. ومُحاطًا بكؤوس شرب مرصعة ومرجل برونزي كبير، ما يزال محتفظًا ببقايا خمر العسل عالي الجودة.
وفقًا لأرنولد استُبدلت الأريكة ذات العجلات في تلال الدفن السلتية لاحقًا بعربة ذات عجلتين، تحمل المتوفى الموقر إلى الحياة التالية. وتشير أدوات الشراب إلى الدور المهم للولائم بوصفها وسيلة اجتماعية وسياسية لدى السلتيين. وما دعاه الرومان والإغريق «الثمالة»، كان وسيلة لتقوية روابط نخبة السلتيين مع حلفائهم، واستمر ذلك في فترات مجدهم اللاحق.
تقول أرنولد: «آمن السلتيون بفكرة أن يحضر كل شخص مشروبه معه إلى الحياة الأخرى. عليك أن تجلب المشروب معك وتبدأ حفلة كبيرة عند انتقالك إلى الحياة الأخرى، إذ إن الكرم من صفات القائد الجيد».
4. ربما كان السلتيون أول من ارتدى السراويل:
عُرف السلتيون القدامى بنسجهم الصوف الملون، وكانوا رواد قماش الترتان الاسكتلندي. لم يبق سوى عدد قليل من هذه المنسوجات بعد قرون، ويعتقد المؤرخون أن السلتيين أول من ارتدى السروال في أوروبا.
5. سرد الكهنة التاريخ وتناقلوا القوانين شفهيًا:
كان السلتيون القدماء يميلون إلى نقل علومهم شفهيًا، لذلك لم يميلوا إلى تدوين تاريخهم أو قصصهم المقدسة أو قوانينهم. تطلبت عقيدتهم مثلًا تقديم الأضاحي من البشر والحيوانات إلى آلهتهم، لكن اقتصرت معرفة هذا الأمر على الكهنة وتناقلوها شفهيًا من جيل إلى آخر.
حظيت شخصيات الكهنة باحترام وتقدير كبيرين من المجتمع السلتي، وكانوا من القلائل الذين بإمكانهم السفر بأمان بين القبائل المتحاربة، وفقًا لجون كوج، عالم اللغة والتاريخ المختص في اللغات السلتية المبكرة في جامعة ويلز. تضمنت «الطبقات المميزة» الأخرى العالمين بالأنساب الذين حفظوا قرونًا من العلاقات القبلية، والمختصين بحفظ القوانين المطبقة، والشعراء ساردي القصص والمؤرخين الشعبيين.
مع أن القبائل السلتية لم تتحد سياسيًا قط ضمن مملكة واحدة، ساعدت تقاليدهم الشفهية على خلق وحدة ثقافية والحفاظ عليها ضمن نطاق مساحات جغرافية واسعة. ما يفسر معرفتنا باللغة المشتركة لهم. ما زالت اللغات السلتية يُتحدث بها في أجزاء من المملكة المتحدة وفرنسا، تتضمن ويلز وأيرلندا واسكتلندا الغاليّة وكورنوال وبرايتون.
يقول كوج: «نُقلت العقائد السلتية شفهيًا ما ساعد على الحفاظ على وحدة اللغة. استخدم الكهنة والشعراء نسخة أرقى من اللغة ونقلوها عبر الحدود القبلية فلم تتجزأ إلى العديد من اللهجات».
6. قادت الملكة السلتية «بوديكا» انتفاضة دامية ضد الرومان:
احتل الرومان بريطانيا عام 43 بعد الميلاد تحت حكم كلاوديوس، وأُخضع السلتيون ونُشرت الثقافة الرومانية. مع ذلك لم يستسلموا إلا بعد قتال مرير، إذ قادت الملكة الأسطورية بوديكا انتفاضة دامية ضد الرومان سنة 61 ميلادية. دمر جيشها الحصن الروماني لوندينيوم ونفذ مذبحة في سكانه وفقًا لمصادر رومانية.
وفقًا للثقافة السلتية كان متاحًا للنساء بلوغ أعلى درجات الهرم المجتمعي، وتخصصت بعض النساء في النبوءة السياسية وأدَّين دورًا مهمًا في الحملات العسكرية السلتية.
تقول أرنولد: «سُمح للنسوة السلتيات بشغل مناصب قيادية عليا أحيانًا، الأمر الذي لم يكن شائعًا في ثقافة المتوسط، إذ عده الإغريق والرومان غريبًا».
7. هُزم السلتيون في النهاية بأيدي الرومان والسلاف والهون:
بعد الاحتلال الروماني لأغلب الأراضي السلتية، غلبت القبائل الجرمانية والسلاف والهون على الثقافة السلتية خلال فترة الهجرة بين عامي 300 و600 ميلادية تقريبًا. لذلك عُرف القليل فقط ممن سكنوا أوروبا والجزر البريطانية بالسلت، وذلك حتى القرن الثامن عشر، عندما أدرك عالم اللغة والباحث الويلزي إدوارد لويد نقاط الشبه بين اللغات الويلزية والأيرلندية والكورنية، واللغة الغاليّة المنقرضة التي سماها «السلتية».
8. اعتناق الهوية السلتية توجه حديث نسبيًا مرتبط بمعاداة الحكم البريطاني:
شهد القرنان التاسع عشر والعشرون ازدهار النزعة السلتية في الجزر البريطانية، بدافع من الغضب السياسي ضد الحكم البريطاني في مناطق مثل أيرلندا واسكتلندا وويلز. اعتنق موسيقيون وفنانون وكتاب مثل وليام بتلر بفخر الهوية السلتية ما قبل المسيحية. لكن السلتيين كانوا أكثر من ظاهرة أيرلندية أو اسكتلندية، وظل المؤرخون منقسمين حول دقة الادعاءات الحديثة عن الإرث السلتي.
يصف أرنولد «السلتية» بأنها مصطلح وصفي أو «أداة كاشفة» في اللغة الأكاديمية، اختصارًا لشيء يمكننا رؤيته من الناحية الأثرية في اسم المكان وفي الأدلة اللغوية، قد لا يحمل المصطلح معنى فعليًا فيما يخص الهوية السلتية، مع هذا يبقى ذا فائدة وصفية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: شادن أمين
تدقيق: أكرم محيي الدين