حاول البشر «النسيان» منذ وقت طويل يسبق غناء الملكة إلسا في عزلتها الثلجية (فيلم فروزن). حاليًا وبعد أن أصبح الكثير من الناس في هذا العالم يواجهون مدة حجرٍ صحي طويلة، بات من الصعب للغاية التوقف عن الإفراط في التفكير فيما يتعلق بجميع مخاوفنا الجديدة.
ظهرت دراسة سيكولوجية جديدة في الوقت المناسب تمامًا؛ إذ كشفت أبحاث التصوير الدماغي والأبحاث السلوكية عن ثلاث طرق للتخلص من هذه الأفكار من عقلك.
أشار الباحثون إلى أن بصمات الدماغ الخاصة بالتفكير تتضاءل بسرعة، عند تركيز الناس على «استبدال» فكرة بأخرى أو «تصفية» أذهانهم بالتأمل، الأمر الذي يساهم في ترك بقايا الحزن في طي النسيان.
مع ذلك، عند تركيز الأشخاص على «قمع» فكرة جديدة، فإن زوالها يستغرق وقتًا أطول، على الرغم من أن رحيلها يكون نهائيًا في نهاية المطاف.
ذكرت أستاذة علم النفس ماري بانيش من جامعة كولورادو بولدر: «كنا سعداء للغاية فيما يتعلق بالنتائج. هذه أول دراسة تتجاوز مجرد سؤال شخص ما، هل توقفت عن التفكير في ذلك؟ بل يمكنك في الواقع النظر إلى النشاط الدماغ لديه ورؤية نمط تفكيره ثم مشاهدته يتلاشى».
الإفراط في التفكير هو أحد أعراض الكثير من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية واضطراب الوسواس القهري، ويُعتقد أن ذلك ينشأ نتيجة نوع من العجز في الذاكرة العاملة للشخص.
تشكل الذاكرة العاملة جزءًا من أدمغتنا المعنية بهذه المشكلة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على الاحتفاظ إلّا بقدرٍ محدود من المعلومات، وعادة ما تدور حول ثلاثة مفاهيم أو أربعة في كل مرة. يُعد التخلص من الأفكار غير المهمة بشأن الأمور الطبيعية وتخزين البيانات ذات الصلة بالمستقبل أمرًا ضروريًا.
لسوء الحظ، يعد التخلص من الأفكار السلبية أمرًا صعبًا، ولكن عند تهيئة أذهاننا على نحو واع في هذا الموقف، فسنحظى بقدر من السيطرة حول كيفية معالجة المعلومات في أدمغتنا. تبين أن بعض أنواع التدريب العقلي يساهم في تصفية العقل بسرعة أكبر من أنواع أخرى، وتوجد الكثير من الأساليب التي لا تعمل أبدًا.
على الرغم من ذلك، تستند الكثير من هذه النتائج ببساطة إلى تقارير ذاتية أو اختبارات سلوكية غير مباشرة. يساهم التصوير الدماغي في إعطائنا قياسًا أكثر موضوعية.
أظهرت أبحاث التصوير السابقة التي أجريت في عام 2015 أن تغيير محتويات الذاكرة العاملة يؤدي إلى تنشيط المنطقة الجدارية من الدماغ، وهي المكان الذي نتلقى منه المعلومات الحسية ونعالجها. مع ذلك، فإن تصفية محتويات الذاكرة العاملة ينشط قشرة الفص الجبهي التي تساهم في العمليات الإدراكية المعقدة مثل إتخاذ القرار.
الأمر اللافت للانتباه هو إظهار نشاط أكبر في قشرة الفص الجبهي ومنطقة بروكا، المرتبطة بالحديث الداخلي لدى المتطوعين اللذين واجهوا المزيد من المتاعب في التحكم في أفكارهم الداخلية.
أجرى الكثير من الباحثين المشاركين في هذه الدراسة الجديدة أبحاثًا في عام 2015 تركز على ثلاث استراتيجيات مميزة للتخلص من الأفكار في عقلك.
بعد الاستلقاء داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، عُرضت صور عشوائية لوجوه شهيرة وفاكهة ومشاهد يمكن التعرف عليها على 50 مشاركًا، ركزوا على كل منها مدة أربع ثوان.
عند إنشاء «بصمة الدماغ» لكل من هذه الأجسام، طُلب من المشاركين التخلص من أفكارهم إما بالتأمل أو بقمع الفكرة بالتركيز عليها ثم نسيانها بنشاط أو استبدال شيء آخر شوهد في أثناء الدراسة بالفكرة.
اكتشف الباحثون بعد تحليل البيانات الناتجة عن التعلم الآلي تسلسلًا هرميًا لمناطق أدمغة المشاركين بدرجات متفاوتة في التحكم في أفكارنا، بما في ذلك المنطقة الجدارية والجبهية، بالإضافة إلى الفص الجبهي الجانبي المرتبط بالانتباه والذاكرة العاملة.
ما هي المناطق التي كانت مشمولة لكل حالة؟ وما مدى الاعتماد على النهج العقلي الذي لجأ إليه المشاركون (الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى نتيجة مختلفة)؟
بالنظر إلى أنماط نشاط الدماغ، تمكن الفريق من إظهار وقت التخلص من الفكرة فعليًا من الذاكرة العاملة لدى الشخص -وهي الأولى في هذا المجال-.
لم يتضح بعد ما يحدث لهذه المعلومات في الدماغ تحديدًا، ولكنه يشير إلى أنه يمكن التخلص من التفكير مؤقتًا بسرعة من ذاكرتنا العاملة مع التركيز الصحيح على الانتباه. يمكن أيضًا التخلص منه تخلصًا دائمًا، ما يساهم في إتاحة مساحة للأفكار الجديدة، بالتداخل الذهني الاستباقي.
ذكرت بانيش: «وجدنا أنه في حال أردت حقًا أن تتبادر إلى ذهنك فكرة جديدة، فعليك أن ترغم نفسك عمدًا على التوقف عن التفكير في الفكرة القديمة».
أضافت بانيش: «المغزى هنا: إذا كنت ترغب في إخراج شيء من عقلك بسرعة، فعليك إزالته أو التفكير بفكرة أخرى. لكن إذا كنت ترغب في إخراج شيء من عقلك لتتمكن من إدخال معلومات جديدة، فإن القمع يمثل الوسيلة الفضلى».
على سبيل المثال، إذا كنت تدرس أحد المواضيع، وكنت بحاجة إلى التعمق في موضوع آخر، فقد ترغب أولًا في محاولة قمع الذاكرة العاملة الخاصة بك.
عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية، غالبًا ما يُعد قمع الذاكرة طويلة الأمد أمرًا سيئًا. نوه الباحثون بأنه في حالات الإصابة باضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، قد يتهيج الرضح تحت السطح، ما يؤدي إلى زيادة تأثير الصدمة. نتيجة لهذا التفكير غالبًا ما يُستخدم العلاج بالتعرض لمواجهة بعض الذكريات المؤلمة وإعادة هيكلتها بفاعلية، لذلك هي تحمل عبئًا عاطفيًا ونفسيًا أقل على المدى الطويل.
مع ذلك، تشير هذه النتائج الجديدة إلى أن الذاكرة العاملة قد تكون مستهدفة أيضًا بواسطة العلاج، حتى لو كانت هذه المرة بالقمع.
يحتاج الأمر إلى المزيد من الأبحاث لاستكشاف كيفية إصابة بصمات الدماغ والعمليات المعرفية بالضعف أو الاضطراب في أولئك اللذين يعانون الاكتئاب أو القلق أو اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية. لكن فور وصول الذاكرة إلى الإدراك ودخولها إلى الذاكرة العاملة للشخص، يعتقد الباحثون في أن الكبت قد يكوّن وسيلة أولية ذات أهمية لبعض الناس، «لأن هذه العملية تسمح بإزالة المعلومات بالكامل من العقل».
في المقابل، فإن استبدال فكرة أو تصفيتها من الذاكرة العاملة لا يؤدي إلى سوى إخراج هذه المسألة من إدراكنا الواعي. في حين أن هذا يؤدي إلى تعطل البصمة العصبية للمسألة، فإنه ما يزال يترك المعلومات كما هي. قد يكون تدريب الفرد على تحويل انتباهه بإعادة توجيه (استبدال) الأفكار أو بواسطة التقنيات العقلية (تصفية الأفكار) إجراءً أوليًا مثمرًا يتبعه التدريب على ممارسة السيطرة المعرفية لقمع الفكر، ومن ثم يقلل من فاعليته. استنتج الباحثون أن «الأمر يحتاج إلى المزيد من العمل لاستكشاف هذه الأفكار، رغم النتائج المشيرة إلى انتقالية مثمرة في التدريب السريري».
اقرأ أيضًا:
هل حان الوقت لاختراق العقل وقراءة الأفكار؟
قراءة الأفكار… علم، وليس مجرّد خدعة سحرية!
ترجمة: لارا الطراونة
تدقيق: عون حدّاد