شوهد ثقبٌ أسود عملاق موجودٌ في مركز مجرةٍ بعيدةٍ وهو يمتص غازاتٍ ويُخرج «تجشؤين» عظيمين من الجزيئات عالية الطاقة، مؤيدًا نظرية اتخاذ المراكز المجرية دوراتٍ من النشاط الفوضويّ.
قدَمَ الباحثون صورًا للثقب الأسود المتجشئ في يوم 11 يناير/كانون الثاني في الاجتماع الشتويِّ للمجتمع الفلكيّ الأمريكيّ الذي أُقيم في الميناء الوطنيّ بولاية ماريلاند، مقدمين أدلةً مثبتةً لتجشؤين متتالين.
قالت عالمة الفلك من جامعة كولورادو بولدر (جولي كومرفورد) خلال المؤتمر الصحفي للحدث آنذاك: «تأكل الثقوب السوداء بجشاعة، لكنهم ليسوا بتلك الجودة عندما يتعلق الأمر بآداب مائدة الطعام».
وأضافت: «لدينا العديد من الأمثلة لثقوبٍ سوداء تطلق تجشؤاتٍ أحادية، لكننا اكتشفنا مجرةً ذات ثقبٍ أسود هائلٍ ويطلق تجشؤين بدلًا من واحد».
الثقوب السوداء الهائلة المتخفية في مراكز المجرات تتراوح كتلتها من مليون إلى مليار مرةٍ من كتلة الشمس.
ورغم أنهم عادةً يرقدون في سباتٍ نسبي، إلا أنهم يمكنهم العمل بسرعةٍ عندما تمر الغازات بقربهم، فيقومون بامتصاص الغازات نحو الداخل، ثم يفجرون خارجًا بعضًا من الجسيمات عالية الطاقة في العملية المسماة بـ«التجشؤ».
(لاحظ أن تلك الجزيئات تأتي من قُرب أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود، لكن ليس من داخل نقطة اللاعودة الخاصة بالثقب الأسود).
هذا الثقب الأسود الهائل يقع في مركز مجرةٍ تُسمى بـ (SDSS J1354+1327)، على بُعد 800 مليون سنةٍ ضوئيةٍ عن كوكب الأرض، ويبدو أن هذا الثقب الأسود يقوم بصنع وجباتٍ من الغازات الصادرة من مجرةٍ مجاورة.
دمَجَ فريق كومرفورد صورًا من مرصد تشاندرا الفضائي للأشعة السينية ومرصد هابل الفضائي، ليحددوا بدقةٍ الثقب الأسود (بالأشعة السينية)، وفقاعتين منبثقتين من الغازات مدفوعتين للحركة من قِبَل الجزيئات سريعة الحركة، إحدى الفقاعتين كانت أعلى الثقب الأسود، أما الأخرى فانبثقت من أدناه.
قالت كومرفورد: «التجشؤ الأقدم حدث مبكرًا، والفقاعة كان لديها وقتٌ كافٍ؛ لأنها تتمدد لمسافة 30 ألف سنةٍ ضوئيةٍ من الثقب الأسود».
أما التجشؤ الأحدث، فهو على النقيض، ظهر كحلقةٍ صغيرةٍ على بُعد ثلاثة آلاف سنةٍ ضوئيةٍ من الثقب الأسود.
و قالت كومرفورد: «هذا التجشؤ الحديث يتحرك مثل الموجة الصادمة ويتحرك بسرعةٍ عالية، وهو ما يشبه فقاعةً صوتيةً من التجشؤ»، وأضافت: «ذلك في حين أن الغاز في الجهة الجنوبية يُظهر تجشؤًا أقدم حدث مبكرًا بـ 100،000 عامٍ قبل التجشؤ الأحدث».
ذكرت كومرفورد أن النظرية تنص على أن الثقوب السوداء الهائلة تتخذ دورةً من التغذية، التجشؤ، ثم الغفو لمدة.
ذكرت كومرفورد أيضًا أن مراقبة تلك الإخراجات يساعد على تحديد سرعة تقدمٍ ثابتةٍ لتلك العملية، في حين أن تجشؤين يفصلهما 100 ألف عامٍ قد تبدو عملية تمثيلٍ غذائيٍّ بطيئةً للغاية، إلا أنها سريعةٌ للغاية على النطاقات الكونية.
سرعة تقدم العملية تطابق النماذج الحاسوبية لكيفية حدوث تلك التفاعلات، أضافت كومرفورد في مقطع فيديو موجود على اليوتيوب: «على سبيل المثال، يظهر عمل لجاريد جابور وفريدريك بورناود من مركز ساكلاي للأبحاث النووية بفرنسا مجرةً من الجهة الجانبية ينبثق منها تجشؤان، أحدهما من أعلاها والآخر من أدناها».
الثقب الأسود الذي قامت كومرفورد بالتقاطه يستمد وقوده من مجرةٍ مجاورة، في حين أن الاثنين يتبادلان تيارًا من النجوم والغازات بعدما اصطدما حديثًا.
وفي مكانٍ أقرب إلى منزلنا، هناك أدلةٌ على أن الثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة قام أيضًا بالتجشؤ على الأقل مرة، إذ وجد الباحثون في 2010 فقاعاتٍ من الغاز تتمدد للخارج من المركز المجريّ.
من حدثٍ جرى منذ ملايين السنين كان معدل حدوث تلك التجشؤات يقترح أنَّ مجرة درب التبانة ستقوم بالتجشؤ مرةً أخرى يومًا ما.
قالت كومرفورد: «في يومنا هذا، يقضي الثقب الأسود الخاص بمجرتنا فترة الغفوة بثبات، وهي جزءٌ من دورة التغذي (التجشؤ)، لكنها فقط تنتظر مجيء وجبتها التالية»، وأضافت: «في المستقبل، ربما سيقوم بالتغذي والتجشؤ مرةً أخرى».
ولكن التجشؤ الفضائي ليس شيئًا يجب أن نقلق بسببه، فإن نَشَطَ الثقب الأسود الخاص بمجرتنا مرةً أخرى، فنحن على بعدٍ كافٍ لنكون في أمان، ولكن لو كنّا قريبين كفايةً لكنّا قد حُرقنا بالفعل.
- ترجمة: إبرام نمر
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- المصدر