ولد توماس هوبز في 5 أبريل سنة 1588 في ويستبورت في مقاطعة ويلتشاير في إنجلترا، وتوفي في 4 ديسمبر سنة 1679 في هاردويك هول في مقاطعة ديربيشاير، وهو فيلسوف إنجليزي وعالم ومؤرخ اشتهر بفلسفته السياسية لا سيما آراؤه الفلسفية المشروحة في تحفته كتاب «ليفياثان» الذي صدر سنة 1651.
نظر هوبز إلى الحكومة بوصفها أداة لتأمين الأمان الجمعي. ورأى أن السلطة السياسية هي عقد اجتماعي افتراضي يتحمل بموجبه الشخص الحاكم أو الهيئة الحاكمة مسؤوليات عديدة منها سلامة الآخرين ورخاؤهم.
دافع هوبز في فلسفة الميتافيزيقيا عن المادية، ورأى أن الأشياء الحقيقية الوحيدة هي الأشياء المادية، واقتصرت كتاباته العلمية على الظواهر التي يمكن ملاحظتها بالحواس مثل تأثيرات الحركة في الأجسام المادية.
لم يكن هوبز عالمًا فذًا في مجاله فقط بل مُصنّفًا بارعًا للاكتشافات العلمية التي توصَّل إليها معاصروه، ومن ضمنهم غاليليو ويوهانس كيبلر، لكن أهم مساهماته في الفلسفة السياسية هي تبريره للسلطات الحكومية واسعة النطاق على أساس الموافقة النفعية للمواطنين.
حياته المبكرة
كان والد هوبز يعمل قِسًا في كنيسة صغيرة في ويلتشاير، لكنه كان سريع الغضب فانخرط مرة في شجار أمام باب كنيسته اختفى على إثره خزيًا تاركًا عائلته المؤلفة من ثلاثة أطفال في رعاية شقيقه الذي كان صانع قفازات ميسور الحال في مالمسبوري.
أُرسِل هوبز عندما كان في الرابعة من عمره إلى مدرسة في ويستبورت ثم إلى مدرسة داخلية، والتحق عندما كان في الخامسة عشرة من العمر بكلية مودلن في جامعة أوكسفورد حيث حصل على شهادة في الآداب الكلاسيكية، ونمّى في أوقات فراغه اهتمامه بالخرائط.
عمل هوبز طول حياته تقريبًا لدى فروع مختلفة من عائلة كافينديش الارستقراطية الثرية، وتوظّف بعد حصوله على شهادته الجامعية من أوكسفورد مرافقًا ومدرسًا لويليام كافينديش الشاب الذي أصبح لاحقًا الإيرل الثاني لمقاطعة ديفونشاير. على مدى عقود عدة، عمل هوبز في خدمة عائلة كافينديش وشركائها مترجمًا ورفيق سفر ومحاسبًا وممثلًا لأعمالهم ومستشارًا سياسيًا ومعاونًا علميًا.
أصبح بفضل عمله لدى ويليام كافينديش إيرل ديفونشاير الأول وورثته على صلة بالعائلة المالكة وانحاز إلى صف الملك في خلافه مع البرلمان الذي استمر حتى أربعينيات القرن السابع عشر وبلغ ذروته في الحرب الأهلية الإنجليزية التي اندلعت بين عامي (1642-1651). عمل هوبز أيضًا لدى السير تشارلز كافينديش ماركيز «نيوكاسيل أبون تاين» وهو قريب لويليام كافينديش وشقيق نيوكاسيل، وكان السير تشارلز كافينديش مؤسس «أكاديمية ويلبيك» وهي شبكة غير رسمية من العلماء سُمِّيَت باسم عائلة ويلبيك آبي في مقاطعة نوتنغهام.
نظام توماس هوبز
تسمى النظريات التي تدرس التأثيرات المُلاحظَة في الأجسام المادية والحركة بنظريات الميكانيك، وقد كان هوبز عالمًا ميكانيكيًا ذا نزعة مادية، رأى أن الأجسام المادية هي الأشياء الحقيقية الوحيدة في العالم وأن جوهر العلوم الطبيعية كلها يتألف من حركة الأجسام المادية في مستويات مختلفة من العمومية.
تدرس الهندسة تأثيرات حركة النقاط والخطوط والمجسمات، بينما تتعامل هندسة الميكانيك الصرفة مع حركات الأجسام ثلاثية الأبعاد في الفراغ الكامل أو في حيز منه، وتدرس الفيزياء حركة أجزاء من الأجسام الثابتة وتساهم في تفسير الظواهر المرصودة. أما علم النفس فيدرس تأثيرات الحركات الداخلية في الأجسام الحية في سلوكها. يمثل نظام العلوم الطبيعية الذي يشرحه هوبز في ثلاثيته فهمه للمبادئ المادية التي تقوم عليها العلوم كافة.
أدرج هوبز العلوم السياسية وعلم النفس في نظامه للعلوم الطبيعية، وقد غطى ذلك على إصراره على استقلالية السياسة عن غيرها من العلوم الطبيعية.
إذ رأى هوبز أننا لسنا بحاجة إلى فهم السياسة في ضوء حركة الأجسام المادية «مع أن ذلك ممكن». ورأى أيضًا أن البشر بطبيعتهم ميالون إلى العنف والحرب.
ورغم أن هوبز كان معروفًا بتطبيق «قوانين الحركة» على البشر ومجتمعاتهم، فقد بنى فلسفته السياسية على مبادئ علم النفس التي يمكن فهمها -بحسب هوبز- في ضوء قوانين الحركة.
سنواته الاخيرة وتأثيره
حاول أعداء هوبز في إنجلترا تشويه سمعته، ومع ذلك فلم ينل أي رجل إنجليزي خارج بلاده السمعة التي نالها هوبز، وقد تطلَّع كل من زار البلاد من الشخصيات الأجنبية المرموقة إلى رؤية هوبز العجوز وتحيته؛ إذ حافظ فكره على قوة وحداثة غير مسبوقَين.
كان هوبز يرفِّه عن نفسه في سنواته الأخيرة بالعودة إلى الدراسات الكلاسيكية التي درسها في شبابه. فنظم سيرته الذاتية باللغة اللاتينية عندما كان في الرابعة والثمانين من عمره واتسمت بروح دعابة مرحة وبعض الرثاء والرضا عن الذات.
ترجم هوبز سنة 1675 ملحمة الأوديسة بقوافٍ إنجليزية جزلة ومقدمة قوية مفعمة بالحياة بعنوان «عن فضائل قصيدة ملحمية»، وأتبعها في السنة التالية بترجمة الإلياذة. وحتى قبل وفاته بأربعة أشهر كان هوبز يعِد ناشره بكتابة «شيء ما باللغة الإنجليزية» للنشر.
لا تكمن أهمية توماس هوبز في فلسفته السياسية فقط، وإنما أيضًا في مساهمته في تطوير فهم مادي جديد ومفصّل للعلوم الطبيعية يتناقض مع مفاهيم أرسطو.
لم يقتصر تأثير فلسفته السياسية في المفكرين اللاحقين الذين تبنوا نظرية العقد الاجتماعي أمثال جون لوك وجان جاك روسو وإيمانويل كانت، بل أثرت أيضًا تأثيرًا غير مباشر في المُنظّرين الذين ربطوا صنع القرار الأخلاقي والسياسي عند البشر العقلانيين باعتبارات الفهم الأوسع للمصلحة الذاتية. وتتماشى مادية هوبز في ميتافيزيقيته مع المادية الأنجلو-أمريكية المعاصرة، أو الميتافيزيقية التحليلية التي لا تعترف إلا بالكيانات القائمة على الفيزياء خصوصًا أو على العلوم الطبيعية عمومًا.
اقرأ أيضًا:
أصول اللغة البشرية تعود إلى 25 مليون سنة!
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: وئام سليمان