حكم توت عنخ آمون مصر عشر سنوات حتى وفاته بعمر التاسعة عشرة نحو سنة 1324 ق.م، ومن المعروف عنه أنه قد أبطل في أثناء حكمه إصلاحات أبيه أخناتون الدينية المثيرة للجدل، لكن إرث توت عَنخ آمون أُهمِل كثيرًا من قبل خلفائه وبقي الملك توت شبه مجهول للعالم الحديث حتى سنة 1922 حين أعاد عالم الآثار البريطاني كارتر حفر ممر يقود إلى مقبرة الفرعون الصبي التي بقيت مقفلة أكثر من 3200 عام.
كانت المقبرة مليئةً بكمية هائلة من التحف والكنوز التي يُفتَرض أن ترافق الملك إلى رحلة الآخرة، وقد ساعدت هذه الكنوز العلماء على معرفة الكثير من المعلومات عن الحياة الملكية في مصر القديمة وجعلت من توت عنخ آمون أشهر الفراعنة على مستوى العالم.
نسب توت عَنخ آمون الملكي:
أثبتت الاختبارات الجينية أن الملك توت عنخ آمون هو حفيد الفرعون العظيم أمنحتب الثالث، وأنه على الأرجح ابن أخناتون الشخصية التاريخية المثيرة للجدل من الأسرة الثامنة عشرة من المملكة الحديثة في مصر القديمة التي حكمت بين عامي (1550-1295 قبل الميلاد). فقد أنهى أخناتون نظامًا دينيًا امتد قرونًا عديدة وأحلَّ مكانه عبادة إله واحد هو إله الشمس آتون، ونقل عاصمة مصر الدينية من طيبة إلى العمارنة، وبعد وفاة أخناتون تعاقب فرعونان على الحكم مدة قصيرة قبل وصول ابن أخناتون البالغ من العمر تسع سنوات وكان وقتها يسمى توت عنخ آتون.
هل تعلم أن مموِّل حملة كارتر الأثرية اللورد كارنافون توفي بعد أربعة أشهر فقط من دخوله مقبرة توت عنخ آمون أول مرة، الأمر الذي دفع الصحفيين إلى ترويج فكرة «لعنة الفراعنة» مُدّعين وجود كتابات بالهيروغليفية على جدران المقبرة تتوعّد كل من يزعج الملك توت عنخ أمون بموت سريع. وقد نُسِبَت وفاة أكثر من 12 شخص إلى هذه اللعنة لكن الدراسات أظهرت أن كل من دخل المقبرة تمتَّع بمتوسط حياة مقارب لمتوسط حياة الأشخاص العاديين الذين لم يدخلوا المقبرة.
ألغى توت عنخ آمون في بداية حكمه إصلاحات أخناتون الدينية وأعاد إحياء عبادة الإله آمون، وجعل من مدينة طيبة عاصمة دينية للبلاد مرة ثانية وغيَّر المقطع الأخير من اسمه ليعكس الولاء الملكي للإله الخالق آمون، وعمل مع مستشارَيه القويين “حور محب» و«آي» -اللذين أصبح كل منهما فرعونًا لاحقًا- على استعادة مكانة مصر في المنطقة.
كيف مات توت عنخ آمون؟
توجد فرضيات كثيرة عن سبب وفاة الملك توت، إذ كان طويل القامة وضعيفًا جسديًا وعانى مرضًا عظميًا أدى إلى إصابته بالشلل في قدمه اليسرى الحنفاء «المعكوسة ولاديًا». وهو الفرعون الوحيد المعروف الذي صُوِّر جالسًا في أثناء مشاركته في الأنشطة البدنية مثل رمي السهام. وقد ساهمت عادات الزواج التقليدية في العائلات الملكية المصرية القديمة في ضعف صحة الفرعون الصبي ووفاته المُبكّرة؛ إذ كشفت نتائج تحليل الحمض النووي التي نُشِرَت عام 2010 أن والدي توت عنخ آمون كانا شقيقين وأن زوجته عنخ إسن آمون كانت أخته غير الشقيقة. ولم تكن لهما سوى ابنتين ولدتا ميتتين.
استنتج بعض المؤرخين -بسبب الثقب المُكتَشف في جمجمة توت عنخ آمون من الخلف- أن وفاة الملك الشاب لم تكن لأسباب طبيعية، لكن الفحوصات الحديثة تقترح أن يكون هذا الثقب ناتجًا عن عملية التحنيط. وقد أظهرت صور الأشعة المقطعية التي أُجريَت سنة 1995 أن الملك عانى التهابًا في قدمه اليسرى المكسورة، وأظهرت اختبارات الحمض النووي على موميائه أيضًا إصابته بعدوى الملاريا عدة مرات. ومن الممكن أن تكون كل هذه المشكلات الصحية قد ساهمت في وفاته المبكرة.
مومياء توت عنخ آمون ومقبرته:
حُنّطت جثة توت عنخ آمون بعد وفاته وفقًا للتقاليد الدينية المصرية القديمة، التي قضت بحفظ جثث أفراد العائلة الملكية ووضع مستلزمات الحياة الأخرى بجوار مومياء كل منهم. نَزَع المُحنّطون أعضاء الفرعون الحيوية ولفوه بقماش منقوع بمادة الراتنج ووضعوا على رأسه وأكتافه قناعًا من الذهب الخالص يحمل صورته بلغ وزنه نحو 11 كيلوغرامًا ووُضِعَت جثته داخل مجموعة من الصناديق المُبَطّنة وثلاثة أكفان ذهبية وتابوت من الجرانيت وأربعة توابيت خشبية مطلية بالذهب وسعَت غرفة الدفن في المقبرة أكبرَها بالكاد.
يرى المؤرخون أن وفاة توت عنخ آمون كانت مُفاجِئة لصغر حجم مقبرته الذي يدل على أن مراسم دفنه أُجريَت على عجل بأوامر من مستشاره «آي» الذي خلفه في الحكم. كانت ردهات المقبرة الصغرى ممتلئة حتى السقف بأكثر من 5000 قطعة أثرية تضمنت أثاثًا ومركبات حربية وثيابًا وأسلحة و130 عكازًا لتساعد الملك الأعرج على المشي. ويبدو أن مدخل المدفن قد تعرّض للنهب بعد مراسم الدفن بفترة قصيرة لكن بقيت الغرف الداخلية مقفلة بإحكام.
تجاهل الفراعنة الذين حكموا بعد توت عنخ آمون فترة حكمه -رغم أنها شهدت عودة عبادة آمون- إذ تلطّخ حكمه بالاضطرابات الدينية التي قادها والده. فسُدَّ مدخل مقبرته في غضون بضعة أجيال بالحطام والحجارة التي تراكمت في أثناء بناء العمال أكواخهم الصغيرة ونُسِيَت المقبرة تمامًا.
عندما اكتشف عالم الآثار هاورد كارتر مقبرة توت عَنخ آمون كان قد أمضى ثلاثة عقود من حياته قبل ذلك في التنقيب عن الآثار المصرية. وقد ظن علماء الآثار في تلك الفترة أن كل المقابر الملكية في وادي الملوك على الضفة الأخرى من النهر المقابلة لمدينة طيبة القديمة قد أُفرِغَت بالكامل. وانتشرت أخبار المقبرة الجديدة -وكانت أكثر المقابر المُكتَشفة امتلاءً- بسرعة عبر أنحاء العالم وقد استغرق كارتر مع فريقه عقدًا كاملًا في تصنيف محتويات القبر وإفراغها.
أين توت عنخ آمون الآن؟
جابت القطع الأثرية المُكتَشَفة من مقبرة توت عنخ آمون العالم ضمن العديد من عروض المتاحف، ومنها معارض «كنوز توت عَنخ آمون» التي أُقيمت في دول عديدة حول العالم بين عامي 1972 و1979. وقد شاهد 8 ملايين زائر من 7 مدن في الولايات المتحدة الأمريكية قناع توت عَنخ آمون الذهبي وخمسين قطعة قيمة أخرى أُخِذَت من مقبرته. لم يعد مسموحًا اليوم بنقل القطع الأثرية الحساسة -ومن ضمنها قناع الدفن الذهبي- خارج مصر.
ما تزال مومياء توت عنخ آمون معروضة في مقبرته في وادي الملوك في الغرفة رقم KV62، واستُبدِلَت طبقات كفنه بصندوق زجاجي مقاوم للعوامل المناخية.
ويُعرَض قناعه الذهبي في المتحف المصري في القاهرة، لكن مجموعة قطع توت عنخ آمون الأثرية سوف تُنقَل إلى المتحف المصري الكبير الذي سيُفتَتَح سنة 2020.
اقرأ أيضًا:
فحوصات جديدة تشير إلى اكتشاف مذهل في مقبرة الملك توت عَنخ آمون
أول تصوير عالي الجودة لقبر توت عنخ آمون
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: وئام سليمان