عُثر في قبر الملك توت عنخ آمون على خنجر مصنوع من حجر نيزكي، وعلى رُفات بناته اللاتي وُلدن ميتات، بين القطع الأثرية المبهرة.
كان هذا قبل مئة عام، في نوفمبر 1922، عندما اكتشف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر وفريق مصري سلالم مخفية مدفونة تحت رمال وادي الملوك في مصر منذ أكثر من 3000 عام. بعد مرور 22 يومًا، نزل كارتر السلالم حاملًا شمعة في يده، وضعها في حفرة أمام المدخل المغلق، ثم انتظر حتى اعتادت عيناه الضوء الخافت.
كتب كارتر: «بدأت تفاصيل الغرفة تتضح ببطء أمام عيني بين الضباب، رأيت حيوانات غريبة وتماثيل وبريق الذهب في كل مكان». ممول الاكتشاف اللورد كارنارفون، صاح مناديًا كارتر يسأله إن كان يرى أي شيء، فأجاب: «أجل، أشياء رائعة!».
كان كارتر والفريق المصري قد وجدوا قبر توت عنخ آمون المفقود، وهو ملك مصر الصبي، الذي دُفن في قبر صغير عام 1323 قبل الميلاد. لم يكن الملك توت قويًا مثل رمسيس العظيم، الذي غطى قبره مساحة تتجاوز 8000 قدم مربع من الغرف الواقعة تحت الأرض. لكن على عكس الملوك الآخرين، لم تُنهب كنوز الملك توت أو تتضرر من الفيضانات، فقد وُجدت سليمة تقريبًا.
احتوى قبر الملك توت على أكثر من 5000 قطعة أثرية نفيسة، ويُعد اكتشاف قبره أعظم اكتشاف أثري، رغم مرور قرن.
الصحافي توم مولر، الذي كتب مقالًا في ناشيونال جيوغرافيك عن اكتشاف كارتر التاريخي وافتتاح المتحف المصري الكبير، المقر الجديد لكنوز الملك توت، يقول: «لا أظن أن شيئًا آخر جدير بهذا العناء، من حيث الثراء الفائق، والقيمة التاريخية والأثرية التي يتضمنها هذا الاكتشاف».
يعرف أكثر الناس الأشياء الأيقونية من المجموعة، مثل تابوت الملك توت المصنوع من الذهب الخالص والقناع الجنائزي، وأصغر العناصر مثل أوعية المراهم المرمرية، وعصا الملك وصندله، «كلها أعمال فنية رائعة»، يقول مولر الذي أمضى أيامًا مع طاقم المتحف في أثناء ترميم المقتنيات الأثرية وتجهيزها للعرض: «لا عجب أن هذه الكنوز متأصلة في وعي الناس حول العالم منذ 1922».
ما يلي تسع قطع مدهشة وُجدت في قبر الملك توت عنخ آمون:
1. خنجر حديدي:
قد لا يبدو الخنجر الحديدي اكتشافًا مدهشًا، لكنه كذلك بالفعل! إذ توفي الملك توت قبل عقود عديدة من بداية العصر الحديدي، عندما توافرت التقنيات المتقدمة لتشكيل الحديد من الثروات المعدنية.
صُنعت الأدوات المعدنية القليلة المسجلة في عهد الملك توت من معادن سقطت من السماء على شكل نيازك.
يقول مولر: «يُفترض أن الخنجر الحديدي، كان هدية من ملك أجنبي، قُدم بوصفه هدية من الآلهة، ذلك أمر مثير للفضول حقًا».
عُثر أيضًا على خنجر من الذهب الخالص مع غمد مزخرف بإتقان في طيات مومياء الملك، وُضع -وفقًا للتقاليد- على الفخذ الأيمن.
2. الوشاح، وأغراض أخرى:
عثر كارتر وفريقه داخل صندوق خشبي صغير من الأبنوس والأرز، على رأس فهد مطلي بالذهب، وعلى زوج رائع من الأغراض الاحتفالية: عصا الفرعون ومذبته، التي دائمًا ما تُرسم مثبتة إلى الصدر. إلى جانب هذه القطع الثمينة، عُثر على شيء آخر جذاب: وشاح معقود من الكتان.
عندما حل علماء الآثار العقدة، وجدوا بداخلها عدة خواتم ذهبية.
تشير الأدلة إلى أن قبر الملك توت لم يبقَ على حاله تمامًا، يبدو أن بعض اللصوص قد اقتحموه بعد فترة وجيزة من إغلاقه، ناهبين ما خف وزنه وغلا ثمنه، مثل بعض الحلي الذهبية. كتب مولر أن قبر الملك توت تعرض لنهب بسيط، على عكس القبور الفرعونية الأخرى التي تعرضت للنهب بالكامل.
3. لعبة الحظ:
لعب المصريون الألعاب اللوحية، وكانت مفضلة لدى الملك توت عنخ آمون، إذ وُجدت أربع منها في قبره، منها لعبة اسمها سينيت. لم يتوصل المؤرخون بدقة إلى قواعد اللعبة الشبيهة بالداما، لكنها تضمنت تحريك قطعة عبر 30 مربعًا بواسطة رمي عظام المفاصل أو العصي.
يذكر كتاب الموتى المصري، الذي يفصل رحلة الروح بعد الموت، أن لعبة السينيت لعبة شعبية مسلية لدى الموتى، إذ تكون الحياة الأبدية مهددة.
يقول مولر: «تشير الأدلة إلى أن اللعبة كانت ضد إله الموت، لهذا سُميت لعبة القدر».
4. بنات الملك توت المفقودات:
من أسباب ندرة ذكر الملك توت عنخ آمون في التاريخ قصر فترة حكمه، إذ امتد نحو عقد فقط، دون ذرية ترثه بعد موته. لكننا نعلم بفضل اكتشاف كارتر أن زوجة الملك أنخسين أمون، التي تزوجها عندما كان عمره 12 عامًا، أنجبت له ابنتين ميتتين دُفنتا في قبر والدهما.
وجد الفريق صندوقًا بلا أي علامات، به نعشان خشبيان صغيران، يحتوي كل منهما على تابوت داخلي مذهب، فيه بقايا مومياوات بنات الملك توت.
يقول مولر: «صحيح أن القبر يضم عدة موتى، لكن بطريقة ما، نظرًا إلى مكانة الحياة الأخرى عند المصري وشغفه بها، يصبح الأمر أقل حدة، ويغدو الموت عملًا فنيًّا، ويتحول استعداد الملك للحياة الأخرى إلى مُتحف».
عُثر أيضا في القبر على خصلة شعر تعود لجدة الملك توت، ربما كانت تذكارًا عائليًّا.
5. صندل ذهبي:
عُثر في غرفة خلفية مكدسة على صندوق خشبي ملون، وُصف بأنه أحد أعظم الكنوز الفنية في القبر. إذ احتوى على ملاءات مبطنة بالترتر، ومسند رأس من المرمر وزوج مميز من الصنادل.
كان الصندل الذهبي مزينًا بإتقان، وقد ظهر في التماثيل التي عُثر عليها في القبر. صُنع الصندل من الخشب وغُطي باللحاء والجلد والذهب، ويجسد النعل الأعداء التسعة التقليديين لمصر، يقول مولر: «لقد مشى، رمزيًا، على رؤوسهم طوال اليوم».
6. جيش صغير من الخدم:
قبل آلاف السنين من عصر الملك توت عنخ آمون، في مطلع الحضارة المصرية، دُفن الحكام الأقوياء مع الخدم الملكي، الذين ضحوا بحياتهم من أجل خدمة أسيادهم في الأبدية. في أواخر المملكة الوسطى، استُبدل بالخدم البشريين تماثيل صغيرة عُرفت باسم أوشابتي، نُقش عليها تعويذة سحرية لتخدم المتوفى إلى الأبد في الحياة الأخرى.
احتوى قبر الملك توت عنخ آمون على 413 أوشابتي، جيش صغير من الخدم، صُنع من الفخار الملون. حمل الأوشابتي الخاص بالملك توت أدوات نحاسية لإنجاز الأعمال اليدوية للفرعون في الحياة الأخرى.
7. ملابس الملك:
لم تُصنع كل كنوز قبر الملك توت عنخ آمون من الذهب. دُفن الفرعون اليافع مع بعض ملابسه، وقد توفي بعمر 19 بعد نحو عشر سنوات على العرش. من بين المنسوجات القديمة التي عُثر عليها: مئة صندل و12 سترة و28 قفازًا و52 غطاءً للرأس، وأربعة جوارب مع جيب منفصل للإصبع الكبير ليتسنى للفرعون ارتداؤها مع الصنادل، إضافةً إلى 145 مئزرًا مثلث الشكل من الكتان المنسوج.
كانت ملابس الملك توت عنخ آمون الداخلية أعلى مرتبة من الملابس غير الملكية. وفقًا للمؤرخين، فإن نسيج مئزر الكتان المصري العادي احتوى 60 خيطًا لكل بوصة، مقابل 200 خيط للبوصة في ملابس الملك، ما يعطي القماش ملمسًا ناعمًا كالحرير.
8. أوعية حفظ الأعضاء:
أزال المحنطون المصريون الرئتين والكبد والأمعاء والمعدة من جسم الميت بعناية وحنطوها، ووضعوها في أوعية سُميت الأواني الكانوبية. تُعد حاوية أعضاء الملك توت أفخم أجزاء القبر.
عثر كارتر على أواني الملك توت الكانوبية في صندوق من المرمر، وُجد في ضريح خشبي مغطى بغطاء ذهبي. كتب كارتر: «قام في مواجهة المدخل أجمل نصب رأيته في حياتي، كان يحبس الأنفاس لشدة روعته».
أكثر ما أثار اهتمام مولر لدى رؤيته الضريح الذهبي، تماثيل آلهة الموت الأربعة التي تحرس أعضاء الفرعون اليافع من كل جانب. صُورت الآلهة إيزيس ونفتيس ونيث وسلكيت في وضعيات طبيعية مرتديات فساتين ملتصقة بقوامهن، ألهمت في ما بعد موضة الفساتين ذات الزعانف –الفلابر- في عشرينيات القرن الماضي.
9. قناع الملك الشهير:
يرى كارتر أن الغرض الأهم من بين الموجودات الـ 5000 التي عُثر عليها هو مومياء الملك ذاتها. عمل الفريق بجهد مضن، لفتح سلسلة من الأضرحة والتوابيت التي لم يكن من المفترض أن تمسها أيدي البشر.
وجد الفريق أربعة أضرحة ذهبية تشبه الصناديق، كل ضريح أصغر قليلًا من سابقه. وُجد داخل الضريح الأخير ناووس -تابوت حجري- كشف عن التوابيت الثلاثة الداخلية بعد إزالة الغطاء الحجري.
داخل التابوتين الأول والثاني، عُثر على توابيت خشبية مغطاة برقائق ذهبية صورت الإله أوزيريس مستلقيًا. كان محتوى التابوت الثالث والأخير مدهشًا، إذ عُثر على تابوت من الذهب الخالص، يصور أوزيريس حاملًا عصاه ومذبته الرسمية على صدره.
فتح كارتر التابوت الذهبي بأيدٍ مرتعشة، ووجد نفسه وجهًا لوجه مع قناع الملك توت عنخ آمون الجنائزي الشهير. استند القناع المصنوع من الذهب الخالص، مباشرةً على رأس وكتفي وصدر مومياء الملك توت عنخ آمون، وصوّر الملك اليافع بأنه أوزيريس، مكتملًا مع لحية فرعونية مستعارة.
احتوت مومياء توت عنخ آمون بين ضماداتها على 143 تميمة وأسورة وقلادة وقطع أثرية أخرى نفيسة.
اقرأ أيضًا:
رصد أبعد عناقيد نجمية في تاريخ البشرية بتحليل صور تلسكوب جيمس ويب
الباحثون رصدوا أقوى إنبعاث لأشعة غاما في التاريخ
ترجمة: رغد جيوسي
تدقيق : هزار التركاوي