حققت حبوب منع الحمل الهرمونية إحدى أهم قصص النجاح في الطب الحديث، منذ أن أصبحت متوفرةً في ستينيات القرن الماضي. فقد ساعدت في إحداث ثورة في دور المرأة في المجتمع من خلال منحها قدرة غير مسبوقة على التحكم بخصوبتها. اليوم، تستخدم أكثر من 100 مليون امرأة حول العالم حبوب منع الحمل الهرمونية، وهي شائعة بشكل خاص بين المراهقات. لا يمكن إنكار فعالية هذه الحبوب العالية في منع الحمل، لكنها طُورت للبالغين بشكل خاص، لذلك لا نعرف الكثير عن أعراضها الجانبية للمستخدمين الأصغر سنًا.
سن البلوغ هو سن حرج في حياة الإنسان، من أهم مؤشراته النمو السريع والتغيرات الجسمية والعقلية. لدى الحيوانات، تلعب الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والبروجستيرون دورًا هامًا في التأثير على التطور العقلي في سن البلوغ. وإن كان ذات الشيء صحيحًا بالنسبة للبشر، فإن تناول حبوب منع الحمل (والتي تُشكل فيها هرمونات مثل الإستروجين والبروجستيرون مكونًا أساسيًا) ستؤثر سلبًا على الصحة العقلية على المدى البعيد.
أُجريت أكبر دراسة في العالم حول هذا الموضوع في الدنمارك -شاركت فيها مليون امرأة تستعمل موانع الحمل الهرمونية- وكانت نتيجة الدراسة أن هناك علاقة بين استعمال حبوب منع الحمل الهرمونية وازدياد خطر الإصابة بالاكتئاب، وتكون هذه العلاقة أكثر وضوحًا عند المراهقات.
تُركز دراستنا الأخيرة، والتي نُشرت في مجلة علم النفس والطب النفسي للأطفال، على احتمالية تأثير حبوب منع الحمل على الصحة العقلية ليس فقط على المدى القصير، بل على المدى البعيد أيضًا. شاركت في الدراسة 1,236 امرأة بين سن العشرين والتاسعة والثلاثين.
قدمت النساء معلومات عن تاريخ استعمالهن لتلك الموانع، و كانت النتيجة أن أكثر من نصف المشاركات بدأن باستعمالها في سن المراهقة، لذلك فإن 16% منهن معرضات بشكل أكبر للإصابة بالاكتئاب مقارنةً بـ 6% من اللواتي لم يسبق لهن استعمال تلك الحبوب، وبـ 9% من اللواتي بدأن باستعمالها بعد بلوغهن. وخطر الإصابة بالاكتئاب هو ذاته حتى بعد سنوات من توقفهن عن استعمال تلك الموانع الهرمونية.
إن قرار البدء باستعمال حبوب منع الحمل هو أمر شخصي للغاية، وعلى الرغم من أن لاستعمالها فوائد متعددة، وحقيقة أن الكثير من النساء لا تظهر لديهم أعراض جانبية إثر استعمالها، فإننا نؤمن أن هناك حاجة بالغة لإجراء بحوثٍ أكثر عن هذا الموضوع.
يجب على الفتيات في سن المراهقة ألّا يبدأن استعمال حبوب منع الحمل الهرمونية إلا بعد استشارة الطبيب والتعرف على فوائد ومخاطر استعمالها، خاصةً إذا كان لديهنّ تاريخ عائلي من الاكتئاب، أو أي سبب آخر يمكن أن يجعلهنّ عرضةً لآثار جانبية معينة دون غيرهن.
وفي النهاية، فإن هذه الدراسة هي قطعة صغيرة من أحجية كبيرة لفهم العلاقة بين الاكتئاب وموانع الحمل الهرمونية. ولتأكيد هذه العلاقة يجب إجراء دراسات أخرى متنوعة على الحيوان والإنسان. ونأمل أن يشجع هذا البحث على التفكير قبل اتخاذ القرار بوصف موانع الحمل الهرمونية للفتيات المراهقات.
ترجمة: غند ضرغام
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: تسنيم المنجد
اقرأ أيضًا:
لماذا يحدث حمل على الرغم من استخدام وسائل منع الحمل ؟
ما عليكِ معرفته عن حبوب منع الحمل الهرمونية