غيّر تلوث الهواء والماء مجرى التاريخ. إذ أدخلت الثورة الصناعية في أواسط القرن التاسع عشر مصدرًا جديدًا لتلوث الهواء والماء، إلى جانب التقدم التقني الكبير.
لم يشعر البشر في دول عديدة بتأثير ذلك سوى في أواسط القرن العشرين، وأسفر ذلك عن نشوء حركة بيئية عام 1960 سعت إلى الحد من تدفّق الملوثات إلى نظم كوكبنا البيئية.
انبثقت عن هذه الحركات مناسبات مثل يوم الأرض، وانتصارات تشريعية مثل: قانون الهواء النظيف (1970) وقانون المياه النظيفة (1972). مع ذلك، يظل الاحتباس الحراري الذي يسببه تلوث الهواء، تحديًا وتهديدًا يسعى علماء العالم جاهدين لمواجهته.
الثورة الصناعية
هدد إدوارد الأوّل ملك بريطانيا سكان لندن، في أواخر القرن الثالث عشر، سعيًا منه لتقليل تلوث الهواء، فارضًا عقوبات قاسية على من يحرق الفحم البحري. ومع ذلك، لم يكن لقوانين الملك ومن تلوه أي تأثير يذكر.
تحوّل العالم، في أواخر القرن الـ 18 والفترة الأولى من القرن الـ 19، إلى استخدام الفحم على نطاق واسع إبّان الثورة الصناعية. وعليه أدى الضباب الدخاني والسخام الأسود إلى آثار خطيرة على صحة المقيمين في المناطق الحضرية المتنامية.
من الأمثلة على ذلك، ما حدث بما يعرف بـ الضبخان الكبير عام 1952، إذ أدت الملوثات الناجمة عن المصانع ومواقد المنازل بتكثف الهواء إلى وفاة 4000 شخص على الأقل في لندن على مدار عدة أيام. قبل عدة سنوات من ذلك، عام 1948، حدثت 20 حالة اختناق بين سكان دونورا في ولاية بنسلفانيا، بسبب تلوث الهواء الصناعي الشديد، وزاد من مرض أكثر من 7000 شخص.
اكتُشفت الأمطار الحمضية الناجمة عن المصانع التي تعمل بالفحم أول مرة في خمسينيات القرن الـ 19. ويؤثر إطلاق مركبات السلفات والنيتروجين في الجو على النباتات والأسماك والتربة والغابات وبعض مواد البناء.
السبب الرئيسي لتلوث الهواء
تعتبر المركبات الآلية اليوم السبب الرئيسي في تلوث الهواء في الولايات، وقد أنتجها هنري فورد بكميات ضخمة في بدايات القرن العشرين. ترفع انبعاثات السيارات من كمية الغازات الدفيئة في الجو، التي تؤثر بدورها على الاحتباس الحراري.
كشف منحنى كيلينغ، الذي طوّره عالم الجيولوجيا تشارلز كيلينغ في أواخر الخمسينيات، عن ازدياد مطرد في مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون قد يغير المناخ، وبحلول الثمانينيات، أظهرت نماذج الكمبيوتر أن تضاعف كميات CO2 قد تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية نحو 2.6 فهرنهايت خلال القرن القادم (القرن الـ21).
قانون الهواء النظيف
أقر الكونغرس الأمريكي للحد من تلوث الهواء، قانون الهواء النظيف عام 1963، عدّل عليه وطوّر في السنوات اللاحقة. مع ذلك، أقام نحو 46% من الأمريكيين في عام 2007 في مناطق ذات مستويات غير صحية من الأوزون والجسيمات الملوثة، وذلك حسب جمعية الرئة الأمريكية (ALA)، وعرّفت الجمعية الأوزون أو الضبخان على أنه: «غاز مهيِّج غير مرئي يتشكل غالبًا من تفاعل ضوء الشمس والعوادم الناجمة عن حرق وقود السيارات والشاحنات والمصانع ومحطات الطاقة وغيرها. يتفاعل الأوزون أو يتأكسد مع خلايا الجسم الداخلية التي يلامسها مثل خلايا الرئتين. يعمل الأوزون على تهييج الجهاز التنفسي وقد يؤدي إلى مشكلات صحية مثل: نوبات الربو وألم الصدر وحتى الموت».
تعرّف جمعية الرئة الأمريكية تلوث الجسيمات أو التلوث الدقائقي (المعروف سابقًا بـ السخام) على أنه: «أحد ملوثات الهواء الخارجية المنتشرة الأخطر والأكثر فتكًا». إنها ملوثات دقيقة جدًا ناجمة عن خليط معقد يحتوي على الرماد والسخام وعوادم الديزل ومواد كيماوية ومعادن والهباء الجوي.
حسب جمعية الرئة الأمريكية (ALA) تَصدُر الكثير من الجسيمات الملوِّثة في الولايات الشرقية عن حرق الفحم في محطات الطاقة لإنتاج الطاقة. في الولايات الغربية، عن الحافلات التي تعمل بالديزل والشاحنات والآلات الثقيلة، وعن الزراعة وحرق الأخشاب.
وفقًا للجمعية أيضًا فإن: «تنفس الملوّثات الدقيقة على مدار العام قد يقصّر العمر من سنة إلى 3 سنوات، وله تأثيرات صحية أخرى مثل الولادات المبكّرة واضطرابات الجهاز التنفسي الخطيرة، هذا حتى وإن كانت نسب الملوثات منخفضة جدًا. قد يؤدي إلى تفاقم الربو أيضًا، ويتسبب بالأزيز (الصفير) عند التنفس والكحة وتهيّج الجهاز التنفسي لدى الذين يعانون أصلًا من حساسية في الممرات الهوائية. وتحفّز النوبات القلبية والجلطات ويؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب والموت المبكّر».
ما تلوث الماء؟
مثل الهواء، تتعرض المياه لمختلف أنواع التلوث. على مدى قرون، لوّث الإنسان مصادر مياه الشرب عن غير قصد بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، مسببة أمراضًا مثل الكوليرا والتيفوئيد. وفقًا لتقرير لـ سي إن إن، يحتوي الغرام الواحد من البراز البشري على نحو«10 ملايين فيروس، ومليون بكتيريا، وألف كيس طفيلي، و100 بيضة طفيلية». وحسب منظمة WaterPartners International، يفتقر اليوم أكثر من مليار شخص حول العالم إلى المياه، ويموت طفل كل 15 ثانية في مكان ما على كوكبنا بسبب مرض مرتبط بالمياه.
تصاعدت حدة تلوث المياه بحلول الثورة الصناعية، عندما بدأت المصانع برمي الملوثات مباشرة في الأنهار والتيارات المائية. إذ تسببت النفايات الكيميائية سنة 1969 الملقاة في نهر كوياهوجا في ولاية أوهايو، في اشتعال النيران فيه وأصبح بذلك مثالًا حيًا على ضرر التلوث الصناعي على الموارد الطبيعية في أمريكا.
عام 2007، ذكر تقرير لـ سي إن إن: «تتسرب نحو 500 مليون طن من المعادن الثقيلة والمذيبات والرواسب السامة إلى إمدادات المياه العالمية كل عام. وتلقى، حسب اليونيسكو، نحو 70% من النفايات الصناعية في البلدان النامية دون معالجة الأنهار والبحيرات».
تتلوّث مصادر المياه أيضًا من جريان مياه الأمطار على الطرق الملوثة ببقع النفط، وعلى مواقع البناء، والتعدين والتفريغ ومخلفات الماشية من العمليات الزراعية. وتعتبر تسريبات مياه الصرف الصحي والمبيدات والأسمدة من المصادر الأخرى الملوثة للمياه الجوفية.
يعتمد أكثر من نصف الأمريكيين، من ضمنهم غالبية أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، على المياه الجوفية للشرب، وذلك حسب مؤسسة المياه الجوفية، وتذكر أيضًا أن استخدامها الأكبر في ري المحاصيل.
قانون المياه النظيفة
أقر الكونغرس قانون المياه النظيفة سنة 1972 للحد من تلوث المياه. تبع ذلك تشريعات أخرى لمكافحة التلوّث، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم توفر الولايات المتحدة نسبيًا مياهًا نظيفة وآمنة مقارنة بمعظم دول العالم، إلا أن تلوث المياه مشكلة ما زالت تواجهها. ففي سنة 2006 أفاد تقرير وكالة الأنباء البيئية (ENS) أن:«أكثر من 62% من المرافق الصناعية والبلدية ألقت بملوثات في المجاري المائية بكميات أكبر مما يسمح بها قانون المياه النظيفة ما بين يوليو/ حزيران 2003 وديسمبر/ كانون الأول 2004».
وذكرت وكالة الأنباء البيئية إن أكثر من 40% من المجاري المائية الأمريكية غير آمنة للسباحة والصيد، وتواجه تهديدًا مستمرًا من كوارث من صنع الإنسان مثل حادثة تسرب نفط إكسون فالديز سنة 1989، التي ألقي فيها بالخطأ نحو 11 مليون غالون من النفط الخام في البحر قبالة مضيق الأمير ويليام في ألاسكا. شكّلت الكارثة بقعة من النفط بمساحة 3000 ميل مربع، تسببت على الفور في مقتل مئات الآلاف من الطيور والأسماك وغيرها من الكائنات البرية، ناهيك عن تدمير المنطقة لسنوات بعدها.
كيف يمكننا وقف تلوث الهواء والماء؟
وفقا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، يمكن المساهمة في تخفيف تلوث الهواء وتقليل انبعاثات الكربون، بمشاركة السيارة مع الآخرين أو بالتنقل بوسائل النقل العامة أو الهجينة.
بما يخص تلوث المياه، لا تلقِ بالزيوت والدهون والشحوم والكيماويات في البالوعة، ولا تلقِ بالأدوية أو تستخدم أقراص تنظيف المرحاض إذ إنها تؤثر سلبًا على المياه الجوفية. منذ سنة 1970، يحتفل الناشطون والبيئيون وحلفائهم بيوم الأرض، سعيًا منهم لزيادة الوعي بمخاطر تلوث المياه والهواء على بيئتنا وصحّتنا.
اقرأ أيضًا:
رصد أبعد عناقيد نجمية في تاريخ البشرية بتحليل صور تلسكوب جيمس ويب
ترجمة: رغد جيوسي
تدقيق: رغد أبو الراغب