يظن علماء الفلك أنهم قد رصدوا أبعد مجرة على الإطلاق باستخدام تلسكوب جيمس ويب، وهي مجرة تبدو على شكل بقعة حمراء تبعد 35 مليار سنة ضوئية.
صُورت المجرة (CEERS-93316) على هيئتها التي تشكلت بعد 235 سنة ضوئية من حدوث الانفجار العظيم، باستخدام كاميرا الأشعة تحت الحمراء الخاصة بتلسكوب جيمس ويب، التي تستطيع الرجوع في الزمن حتى مرحلة تشكل النجوم الأولى في الكون.
بذلك حطم التلسكوب رقمه القياسي المسجل قبل أسبوع فقط، لكن لا بد من إجراء المزيد من الدراسات على طيف الضوء الصادر من المجرة قبل تأكيد الاكتشاف.
جاء اكتشاف هذه المجرة البعيدة بعد أسبوع من ملاحظة وجود مجرة أخرى تسمي (GLASS-z13)، يرجع وجودها إلى 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم.
إن سرعة الضوء ثابتة، لذلك كلما كانت المسافة التي يقطعها الضوء حتى يصل إلينا أطول، يعني ذلك أن مصدر الضوء أقدم.
تسبب ظاهرة الانزياح نحو الطيف الأحمر تمدد الأمواج الضوئية المرتبطة بالمجرات الأبعد والأقدم في الكون، بما يُعادل مليارات السنين من السفر في الفضاء عبر نسيج الزمكان، ما يجعل ميزة كاميرا الأشعة تحت الحمراء ضرورية لتتبع العمر المبكر للكون.
سجل الباحثون مخططًا لاكتشافاتهم نُشر في تقرير على قاعدة البيانات يوم 26 يوليو، حددت النتائج مقدار الانزياح نحو الطيف الأحمر للمجرة عند 16.7، أي ما يُعادل تمدد الضوء ليصبح أكثر احمرارًا بمقدار 18 ضعفًا. لم تخضع هذه النتائج لمراجعة الأقران بعد.
تستدعي حساسية تلسكوب ويب الفائقة لترددات الأمواج تحت الحمراء عزله بعيدًا عن الإشارات الحرارية المُعطلة لعمله على سطح الأرض، لذلك يُوضع التليسكوب الآن ضمن منطقة ذات جاذبية مستقرة بعيدة عن مدار القمر –يسميها العلماء نقطة لاغراند– واتُفق على هذا الموقع بعد إطلاق التلسكوب باستخدام صاروخ آريان-5 من غويانا الفرنسية عام 2021.
عمل مهندسو ناسا على معايرة أدوات التلسكوب والأجزاء العاكسة تحضيرًا لالتقاط الصور الأولى، بعد ستة أشهر من إطلاق التلسكوب.
تسبب ارتطام نيزك صغير بالتليسكوب بين 23-25 مايو بتعطيل عملية المعايرة تلك فترةً قصيرة.
خلف الارتطام ضررًا غير قابل للإصلاح في جزء صغير من مرآة التلسكوب، لكن ذلك لم يُقلل من فعاليتها.
ظهرت الصور الأولى المذهلة التي التقطها التلسكوب بتاريخ 12 يوليو، وحتى الآن نجد صورًا لمزيد من الأجرام البعيدة والمثيرة.
التُقطت صورة المجرة الأبعد بعد تفحص نتائج استبيان المسح العلمي المبكر للتطور الكوني (CEERS)، وهو مسح أُجري باستخدام التلسكوب ليشمل جزءًا كبيرًا من السماء ويصور أدق التفاصيل فيها.
لم يكن هدف الباحثون التقاط صور المجرة الأبعد، بل كانوا يجمعون لائحة تتضمن أقدم 55 مجرة -لُوحظ 44 منها- ليستطيعوا المقارنة بين هذه المجرات من حيث شدة الإضاءة في مراحل معينة منذ وجودها بعد حدوث الانفجار العظيم. تكمن أهمية هذه التجربة في مساعدة العلماء على تتبع مراحل تطور الكون المبكر.
سيستخدم العلماء أداة التحليل الطيفي لقياس شدة الضوء ضمن عدة أطوال موجية للتحقق من قدم المجرة، وذلك بمقارنة انزياحها نحو الطيف الأحمر بانزياح المجرات التي سجلها التلسكوب حتى الآن.
تعتمد هذه الأداة في عملها على مرآتين عرضيتين قابلتين لتعديل وضعيتيهما، طول كل منهما 0.1 مليمتر وعرضها 0.2 مليمتر، تسمح هذه المرايا للضوء القادم من المجرات الهدف بالنفاذ إلى داخلها، معتمدة على الإشعاع الخلفي، ليستطيع علماء الفلك التركيز على تحليل نجوم المجرات حسب لونها. ستساهم هذه الجهود في الكشف عن عمر ضوء المجرات، وتبين تركيبها الكيميائي وحجمها ودرجات حرارتها.
افترض العلماء أن النجوم الأولى التي تشكلت من انهيار سُحُب الغاز بعد 100 مليون سنة من الانفجار العظيم كانت تتكون من عناصر خفيفة، مثل الهيدروجين والهيليوم. لاحقًا، بدأت النجوم بصهر هذه العناصر الخفيفة لتشكيل العناصر الأثقل مثل الكربون والأكسجين.
يصعب القول إن هذه هي المجرة الأبعد على الاطلاق، فمقدار الاكتشافات المذهلة التي جلبها لنا تلسكوب ويب بمعدل هائل، إضافةً إلى قدرته على العودة في الزمن إلى حدود مئة مليون سنة ضوئية بعد الانفجار العظيم، تعني أننا لا زلنا بصدد اكتشاف مجرات أبعد.
هل سيحطم التلسكوب المزيد الأرقام المُسجلة خلال الأشهر القادمة؟ علينا أن ننتظر ونرى ونستعد لمزيد من الإنجازات.
اقرأ أيضًا:
تلسكوب جيمس ويب الفضائي والسفر الحديث عبر الزمن
صور مذهلة جديدة للمجرات التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: تسبيح علي
