خَلُصَت نتائج في بحثٍ حديث، أجرتهُ كلٌ من جامِعَتي بانغور Bangor و جون مورس ليفربولLiverpool John Moores البريطانيتين، بالتعاون مع مؤسسة أبحاث الكحول في المملكة المتحدة، إلى تفسير سبب ارتفاع مستويات الإصابة بالإعتلالات الصحية المرتبطة بالكحول في المجتمعات ذات الدخل المنخفض (أو الفقيرة)، مقارنةً، بنظيراتها ذات الدخل المرتفع، على الرغم من التماثل في كميات إستهلاك الكحول.
ويطلق على مثل هذه الظاهرة إصطلاحاً بـ “متناقضة ضرر الكحول Alcohol harm paradox”.
وتوصلت الدراسة المنشورة في الدورية الطبية البريطانية British medical journal، إلى تزايد إحتمالية لجوء الأشخاص المفرطين في الشُرب في المجتمعات المنخفضة الدخل، إلى الجمع بين تناول الكحول وممارسة سلوكيات خطيرة صحياً، بينما تقل هذه النسبة لدى نظرائهم في المجتمعات التي تتمتع برفاهية اقتصادية.
إذ لا يقتصر تأثير هذه السلوكيات على رفع نسبة المخاطر الناجمة عن إستهلاك الكحول وحسب، بل وتضاعف بشكلٍ فعال من مخاطر الاعتلال الصحي.
كذلك ترتفع نسبة الجمع بين إستهلاك الكحول وممارسة سلوكيات أو أنماط حياة غير صحية في المجتمعات منخفضة الدخل إلى حوالي أحَدى عشرَ ضعفاً مقارنة بالمتجمعات المرفهة.
ومن هذه السلوكيات: التدخين، الوزن الزائد، النظام الغذائي منخفض القيمة، وقلة ممارسة الرياضة، وخرج الباحثون بهذه النتيجة عند دراستهم لعينة من الأشخاص في مناطق فقيرة، حيث تتوزع مستويات تناول الكحول فيها بواقع: أكثر من 21 وحدة** للرجال في كل أسبوع، وما يزيد عن 14 وحدة للنساء في كل أسبوع. حيث تتناسب هذه المستويات مع نِسَبٍ متزايدة من المخاطر الصحية.
و أظهرت النتائج أن حوالي 66,9% من هؤلاء المفرطين في الشرب بوتيرة خطيرة متزايدة الذين يعيشون في مناطق مرفهة إقتصادياً، يمارسون على الأقل سلوكاً واحداً من السلوكيات الخطرة صحياً، مقارنةً بما نسبته 83.2 % من أولئك الذي يقطنون في مناطق منخفضة الدخل، وحوالي 9% ممن شملهم البحث من مستهلكي الكحول ذوي المخاطر الصحية المتزايدة في المناطق الأكثر فقراً هم أشخاص مدخنين، وذوو وزن زائد، ويعيشون وفق نمط حياة غير صحي.
وتفرض كل هذه العوامل مجتمعةً ضغوطاً هائلة على صحة هؤلاء الأشخاص، بحيث تتناقص قدرتهم على الحد من الأضرار الصحية الناجمة عن الكحول، بينما أظهرت النتائج على الجانب الآخر في المناطق ذات الدخل المرتفع، أن ما نسبته أقل من 1% من المفرطين في الشرب قد أبلغو عن تعرضهم للمخاطر الصحية الثلاث السابقة مجتمعةً في آنٍ واحد (التدخين، ارتفاع الوزن، ممارسة نمط حياة غير صحي).
ولاحظ الباحثون ارتفاع احتمالية الإفراط في استهلاك المشروبات الروحية والبيرة بشكلٍ أكبر من النبيذ في المناطق الأكثر فقراً، كما يميل ساكنوها للشرب بطريقة غير منتظمة (الشرب المفرط في الحفلات، أو شرب كميات كبيرة خلال فتراتٍ زمنية قصيرة نسبياً) بينما تنخفض هذه الممارسات في المناطق ذات الدخل العالي.
وتساهم مثل هذه السلوكيات بزيادة مخاطر الإصابة بالامراض القلبية لدى الأشخاص في المناطق الأفقر، إذ يشرب هؤلاء في مناسباتٍ أقل أسبوعياً ولكن بكمياتٍ كبيرةً، مقارنةً بساكني المناطق الأعلى دخلاً، ممن يشربون الكمية نفسها، ولكن تتوزع وتيرة الشرب لديهم في مناسباتٍ أكثر.
أُجريَ البحث في المملكة المتحدة عن طريق الإستطلاع بواسطة الهاتف، في الفترة الممتدة من شهر مارس 2013 إلى شهر أبريل 2014. وإشتمل البحث على عينة مكونة من 6015 شخص منتقاة عشوائياً، كما تم أخذ معلومات عن الجنس، والعمر، والعرق، إضافة لمعلوماتٍ عن طبيعة إستهلاك الكحول السابقة والحالية (وقت الدراسة) بالنسبة للبالغين فوق سن الثامنة عشر.
أما عن معيار التمييز بين المجتمعات أو المناطق الفقيرة وغير الفقيرة، فقد تم الإستناد إلى معيار الفقر المتعدد الجوانب Index of Multiple Deprivation، حسب المنطقة التي يقطنها المشمول بالدراسة.
يجمع هذا المؤشر بين عدة مؤشرات: كالدخل، البطالة، الصحة، التعليم، الجريمة، لغرض قياس مدى الفقر لمنطقة معينة.
وتم تحري مؤشر إستهلاك الكحول، إضافةً إلى السلوكيات الأخرى الخطرة صحياً بناءاً على طرح أسئلة عن: التدخين والحمية الغذائية، ممارسة التمارين الرياضية، أنماط استهلاك الكحول الحالية، إضافةً إلى التاريخ الشخصي لتناول الكحول بالنسبة لكل شخص مشمول بالدراسة.
وبلغ معدل الإستجابة حوالي 23%، ورغم كون مثل هذا المعدل مثالياً في الإستطلاعات التي تُجري بالهاتف، فقد يؤثر التحيز المتربط بمعدل الإستجابة المنخفض على نتائج الدراسة، ويمكن كذلك أن يسترجع أخطاء الأشخاص عند الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بماضي الشرب لديهم، مما يعني ان تكون هناك إحتمالية لإجراء المزيد من البحوث لغرض أخذ فكرة أدق عن الفقر على مستوى الفرد الواحد والمنطقة المشمولة بالدراسة.
ورغم أن الدراسة لم تتوصل لوجود أي علاقة سببية بين الفقر والمخاطر الصحية مجتمعةً، أو بين الفقر وأنماط الشرب الحالية أو السابقة للشخص، إلا أن الباحثين لا يقترحون وجوب أن نفحص الضرر الناجم عن إستهلاك الكحول بشكلٍ منعزل.
وتبرز الحاجة لفهمٍ أفضل للتأثيرات المتناقضة للضرر الكحولي لغرض الوصول وتطوير المعلومات الخاصة بالشرب لدى البلدان النامية والمتقدمة.
** حسب التصنيف المستخدم في المملكة المتحدة.