ما تعدين البيتكوين؟
فور سماع عبارة «تعدين البيتكوين» نفكر مباشرةً في عملية الحفر وتكسير الصخور، ثم إزالة التراب. قد تكون هذه الفكرة صحيحة.
يُعدن البيتكوين بحل مسائل رياضية معقدة بواسطة أجهزة حاسوب ذات قدرات عالية للغاية. لشدة تعقيد هذه المسائل الرياضية لا يمكن حلها يدويًا، حتى أن بعض الحواسيب تعجز عن حلها.
ينتج عن تعدين البيتكوين أمران. أولًا، تحل أجهزة الحاسوب المسائل الرياضية المعقدة المرتبطة بالبيتكوين، وهي عملية تشبه في صعوبتها تعدين الذهب. ثانيًا، بواسطة حل المسائل الحاسوبية الرياضية، يجعل معدّنو البيتكوين شبكة الدفع بالبيتكوين أكثر أمانًا بواسطة التحقق من جميع المعلومات المتعلقة بالتحويلات.
عندما يرسل أحدهم البيتكوين، تسمى هذه العملية: التحويل، إذ تدوّن البنوك ومراكز بيع البيتكوين كل التحويلات القائمة في المحال أو على الإنترنت. ويدون معدّنو البيتكوين التحويلات ذاتها فيضعونها جميعًا في كتل، ثم يضيفونها إلى السجل العام –بلوكتشين- ويُحتفظ بسجلات تلك الكتل حتى يمكن التحقق منها في المستقبل.
عندما يضيف معدّنو البيتكوين كتلًا جديدة من التحويلات إلى السجل العام يقوم جزءٌ من عملهم على التحقق من صحة التحويلات والتحقق من عدم تكرار أي بيتكوين، ويطلق على هذه العملية الإنفاق المزدوج.
تشكّل مكافحة التهرب الضريبي مشكلة لدى العملات المطبوعة، فعمومًا عندما تنفق 20 دولارًا في متجر، يمتلك صاحب المتجر إمكانية تسجيل الفاتورة رسميًا أو لا. أما مع استخدام البيتكوين وغيره من العملات الرقمية يمكن استنساخ المعلومات الرقمية بسهولة نسبية، ما يعني أن المستخدم يستطيع صناعة نسخة من البيتكوين وإرسالها إلى طرف آخر والمحافظة على النسخة الأصلية.
اعتبارات خاصة
أجور معدّني البيتكوين
مع 300 ألف تداول من المشتريات والمبيعات للبيتكوين في اليوم الواحد، تدقيق كل من هذه التحويلات قد يكون معقدًا على معدّني البيتكوين إذ يُمنح مزيد من البيتكوين كلما أضيفت كتلة جديدة من العملات إلى السجل العام.
عندما تطلق كمية جديدة من البيتكوين تسمى هذه العملية الكتلة المكافئة، إذ تُخفض الكتلة المكافئة إلى النصف كل 210 ألف كتلة -أو كل 4 سنوات تقريبًا- ففي عام 2009 كان هناك 50 كتلة مكافئة وفي عام 2013 كان العدد 25، وفي عام 2018 كان 12.5 وفي مايو من عام 2020 انخفضت إلى النصف، إلى 6.25 وسوف يستمر هذا النظام حتى عام 2140 إذ سيكافأ معدّني البيتكوين برسوم التحويلات التي سيدفعها مستخدمو الشبكة وستتكفل هذه الرسوم بتحفيز معدّني البيتكوين على تعدين المزيد من الكتل وإبقاء الشبكة مستمرة، والفكرة هي أن التنافس على هذه الرسوم سيبقيها منخفضة بعد الانتهاء من انقسام البيتكوين.
يخفض انقسام البيتكوين معدل إنشاء عملات رقمية جديدة، ومن ثم تخفض التزويد المتاح. وهذا من شأنه أن يسبب بعض الآثار على المستثمرين، في حالة القيم ذات العرض المنخفض -مثل الذهب- يؤدي الطلب المرتفع عليها إلى زيادة الأسعار. ومع انخفاض النسبة إلى النصف، سيصل مجموع عدد البيتكوين المتداول إلى 21 مليون بيتكوين، ما يجعل هذه العملة محدودة تمامًا وربما تكون أكثر قيمة بمرور الوقت.
التحقق من تحويلات البيتكوين
كي يحصل معدّنو البيتكوين بالفعل على البيتكوين من عمليات التحقق، يجب أن يحدث أمران:
أولًا، يجب التحقق من قيمة واحد ميغابايت من التحويلات، وهي نظريًا قد تكون صغيرة بوصفها تحويلة واحدة، لكنها تشكل في كثير من الأحيان عدة آلاف، اعتمادًا على مقدار البيانات التي تخزنها كل تحويلة.
ثانيًا، لإضافة كتلة من التحويلات إلى السجل العام، يجب على معدّني البيتكوين حل المسائل الحسابية المعقدة، أو البرهان على العمل.
ما يفعلونه في الواقع هو محاولة الوصول إلى رقم سداسي من 64 رقمًا يسمى هاش. بلغ مستوى الصعوبة في أحدث كتلة في أغسطس 2020 أكثر من 16 تريليون، أي أن فرصة إنتاج حاسوب ما تحت الهدف هي 1 على 16 تريليون. للتوضيح، فإن احتمالية الفوز بجائزة يانصيب أعلى بـ 44500 مرة من احتمال التوصل إلى الهاش الصحيح من محاولة واحدة.
لحسن الحظ، تعدين أنظمة الكمبيوتر يساعد في الحصول على العديد من احتمالات الهاش، ومع ذلك، يتطلب تعدين البيتكوين كميات هائلة من الطاقة والعمليات الحاسوبية المتطورة.
قياس تعدين البيتكوين
إذا سألت ثلاثة أصدقاء لك عن رقم أنت تفكر به بين 1 و100 كتبته على ورقة ووضعتها في مغلف، وأصدقاؤك ليسوا مجبرين على تخمين الرقم ذاته، بل رقم أصغر أو مساو لهذا الرقم، وليس هناك عدد محدد من التخمينات. إذا كان الرقم الذي تفكر به هو 19 وأحد أصدقائك خمن الرقم 21 فهو خاسر لأنه أكبر من 19 وصديق آخر خمن 16 وصديق ثالث خمن 12 فيكون كل منهما قد أعطى إجابة صحيحة بشكل ما وليس هناك جواب أصح من الآخر، مع أن 16 أقرب إلى 19 إلا أن كليهما صحيح.
أما الآن فتخيل أنك تسأل السؤال «ما الرقم الذي أفكر به» ولكنك لا تسأل هذا السؤال لأصدقائك وليس الرقم بين 1 و100 بل أنك تسأل معدّني البيتكوين والرقم الذي تفكر به هو رقم سداسي من 64 رقمًا، الآن تستطيع تخيل مدى صعوبة هذا التخمين، وليس معدّن البيتكوين مجبرًا على إيجاد هذا الهاش فقط، بل إنه يجب أن يكون أول من وجده أيضًا.
بيتكوين مقابل العملات التقليدية
يميل الناس إلى الثقة بالعملات المطبوعة، لأن الدولار الأمريكي مدعوم من المصرف المركزي للولايات المتحدة أو الاحتياطي الفيدرالي. إضافةً إلى العديد من المسؤوليات الأخرى، ينظم الاحتياطي الفدرالي إنتاج الأموال الجديدة وتقاضي الحكومة الفدرالية أيّ استخدام لعملة مزورة. وحتى الدفع باستخدام التحويلات الالكترونية للدولار الأمريكي تدعمها سلطة مركزية فعندما تشتري شيئًا ما على الإنترنت باستخدام بطاقتك الائتمانية تُعالج هذه التحويلة عبر شركة مختصة مثل فيزا أو ماستركارد. إضافةً إلى تسجيل تاريخ التحويلات، تتحقق هذه الشركات من عدم وجود أي احتيال في التحويلات، وفي حالة الشك توقف مباشرة عمل البطاقة الائتمانية، ولهذا السبب قد يوقف البنك عمل بطاقتك الائتمانية في أثناء السفر.
أما البيتكوين فهو لا يخضع لنظام سلطة مركزية بل إلى ملايين الحواسيب حول العالم، تستبدل هذه الحواسيب عمل الاحتياطي الفدرالي وفيزا وماستركارد لكن مع بعض الاختلافات. تخزن هذه الحواسيب المعلومات عن جميع التحويلات وتتحقق من مصداقيتها، فعلى عكس السلطات المركزية، جميع المعلومات المتعلقة بتحويلات البيتكوين تتوزع حول العالم وتسجل في قائمة عامة يمكن لأي شخص الوصول إليها.
تاريخ تعدين البيتكوين
بين 1 و16 تريليون احتمال، وتصنيف مستوى الصعوبة، والشبكة الضخمة من تدقيق التحويلات، تُدقق كتلة واحدة من التحويلات كل 10 دقائق، ولكنه من المهم تذكر أن 10 دقائق هي هدف وليست قاعدة ثابتة.
في أغسطس 2020 كانت شبكة البيتكوين تعالج تقريبًا 4 تحويلات بالثانية مع التحويلات التي تُسجل في السجل العام كل 10 دقائق. للمقارنة، تعالج شركة فيزا نحو 65,000 تحويلة بالثانية. مع التضخم المستمر في شبكة البيتكوين سيتجاوز عدد التحويلات في 10 دقائق عدد التحويلات الممكنة في الوقت ذاته، ما سيؤدي إلى ازدياد الوقت المطلوب لإتمام التحويلة، إلا في حال تغيير بروتوكول البيتكوين. تُسمى هذه المشكلة الأساسية في بروتوكول البيتكوين: التحجيم، ورغم اجتماع آراء معدّني البيتكوين على أهمية حل مشكلة التحجيم، لم يتفقوا بعد على كيفية الحل.
لهذه المشكلة حلان أساسيان:
- إنشاء طبقة ثانوية «خارج السلسلة» للسماح بإجراء تحويلات البيتكوين بسرعة أكبر والتحقق منها بواسطة السجل العام لاحقًا.
- زيادة عدد التحويلات ممكنة التخزين في كل كتلة.
مع بيانات أقل للتحقق من كل كتلة، الحل الأول يجعل التحويلات أسرع وأرخص لمعدّني البيتكوين، في حين يتعامل الحل الثاني مع التحجيم بالسماح بمعالجة المزيد من المعلومات كل 10 دقائق بواسطة زيادة حجم الكتلة.
في يوليو 2017، صوت معدّنو البيتكوين وشركات التعدين التي تمثل ما يقارب 80% إلى 90% من الطاقة الحاسوبية للشبكة على دمج برنامج من شأنه تقليل كمية البيانات اللازمة للتحقق من كل كتلة. يطلق على هذا البرنامج اسم سيغ ويت (SegWit) وهي اختصار (Segregated Witness) أي الشاهد المنفصل. الهدف من هذا البرنامج هو فصل توقيعات التحويلات من كتلة ما ثم إرفاقها بوصفها كتلة ممتدة، وفي حين أن إضافة برنامج واحد إلى بروتوكول البيتكوين قد لا يبدو قادرًا على حل المشكلة، فإن بيانات التوقيع قدرت بما يصل إلى 65% من البيانات المعالجة في كل كتلة من التحويلات.
بعد أقل من شهر، في أغسطس 2017، بدأت مجموعة من معدّني البيتكوين والمطورين بإنشاء عملة جديدة باستخدام نفس شيفرة البيتكوين، ومع أن هذه المجموعة وافقت على إيجاد حل للتحجيم، فإنها عبرت عن قلقها من أن الاعتماد على برنامج سيغ ويت لن يعالج مشكلة التحجيم بالكامل.
في النهاية اعتُمد الحل الثاني، وأُنتجت عملة بيتكوين كاش، التي زادت من حجم السيولة إلى 8 ميغابايت من أجل تسريع عملية التدقيق، للسماح بإتمام نحو مليوني تحويلة باليوم.
اقرأ أيضًا:
اقتصاد سنغافورة: هل كانت نهضة سنغافورة معجزة حقًا؟
ترجمة: مرهف جمعة
تدقيق: مازن النفوري