تصميم لقاحات RNA قابلة للبرمجة
قام مهندسون من معهد (MIT) بتطوير نوعٍ جديدٍ من اللقاحات التي تتميز بسهولة تعديلها والتي من الممكن تصنيعها في غضون أسبوع واحد فقط، الأمر الذي يسمح لها بالانتشار السريع خصوصًا في حالات تفشّي مرضٍ ما. وحتى الآن، تمكن هؤلاء المهندسون من تصميم لقاحات ضد كلٍ من الإيبولا وإنفلونزا الخنازير (H1N1)، بالإضافة إلى الطُفيلي الذي يسبب الملاريا والمدعو بـ (Toxoplasma gondii).
ويتألف هذا اللقاح من سلاسل مُكوّنة من المادة الوراثية المعروفة باسم RNA المرسال، والذي يمكن تصميمه بحيث يُشفّر لأي بروتين سواء كان فيروسيًا أو بكتيريًا أو طُفيليًا. وفي المرحلة التالية، يتم توضيب هذه الجزيئات ضمن جزيء يقوم بإيصال RNA إلى الخلايا حيث تُترجَم إلى بروتينات والتي تعمل على تحريض الاستجابة المناعية ضمن جسم الكائن المضيف.
وبالإضافة إلى استهداف الأمراض المُعدِية، فقد استعمل الباحثون هذه الطريقة لصنع لقاحات للسرطان والتي تملك القدرة على تدريب الجهاز المناعي للتّعرف على الأورام وتدميرها.
يقول البروفسور دانيال أندرسون (Daniel Anderson) وهو أستاذ مُساعد في قسم الهندسة الكيميائية موضحًا: «تُتيح لنا هذه الطريقة صنع لقاحات ضد الأمراض الجديدة في غضون سبعة أيامٍ فقط، ممّا يُمكّننا من التعامل مع حالات التفشّي المفاجئة والقيام بعمليات التعديل والتحسين بسرعة».
لقاحات قابلة للتعديل:
تتألف مُعظم اللقاحات التقليدية من شكل مُضعَف من الفيروسات أو من العوامل المُمرضة الأخرى. حيث تستغرق هذه اللقاحات عادًة وقتًا طويلًا عند تصنيعها، كما يمكنها أن تكون خطيرة بالنسبة لبعض الأمراض. وتتكون اللقاحات الأخرى من بروتينات تُنتَج عادًة بواسطة الميكروبات ولكنها غير قادرة على تحفيز استجابة مناعية قوية بشكلٍ دائم. الأمر الذي يدعو الباحثين إلى إيجاد عوامل مساعدة (adjuvant) وهي عبارة عن مواد كيميائية تُعزّز الاستجابة المناعية.
تُعتبر لقاحات RNA مثيرة للاهتمام، فهي تُحفّز الخلايا المُضيفة لإنتاج نسخ عديدة من البروتينات التي تُشفّرها ممّا يؤدي إلى تحريض رد فعل مناعي أقوى ممّا هو عليه عند إدخال البروتينات بشكلٍ منفصل.
إن فكرة استعمال جزيئات RNA المرسال كلقاح كانت حاضرة على مدى ما يُقارب ثلاثين سنة، ولكن إحدى العقبات الرئيسية التي حالت دون تطبيقها تتمثّل بإيجاد وسيلة آمنة وفعالة لإيصال هذه الجزيئات.
وللتغلب على هذه المشكلة، قام أحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة والذي يدعى بُعمر خان (Omar Khan) بتوضيب هذه الجزيئات ضمن جزيء نانوي مصنوع من جزيء آخر مُشتقّ يُعرف باسم ديندريمير (Dendrimer). وتتمثّل الميزة الرئيسية لهذه المادة بقدرة الباحثين على إعطائها شحنة موجبة مؤقتة ممّا يسمح لها بتشكيل روابط قوية مع جزيئات RNA التي تمتاز بشحنتها السالبة. كما يمكن أيضًا التحكم بحجم وشكل الجزيء النهائي. فمن خلال تحريض البنية المتمثّلة بـ Dendrimer-RNA على الالتفاف حول نفسها لعدة مرات، تمكن خان من توليد جزيئات لقاح كروية الشكل يبلغ قطرها حوالي 150 نانومتر، وبالتالي فإن هذا يُعطيها حجمًا مُماثلًا للعديد من الفيروسات ممّا يسمح لها بالدخول إلى الخلايا عبر استغلال البروتينات السطحية ذاتها التي تستخدمها الفيروسات لهذا الغرض.
ومن خلال تعديل تسلسلات RNA، تمكن الباحثون من تصميم لقاحات قادرة على إنتاج أي بروتين مرغوب تقريبًا. كما تحوي جزيئات RNA على التعليمات اللازمة لتضخيم RNA، الأمر الذي يُمكّن الخلية من إنتاج المزيد من البروتين المرغوب.
لقد صُمِّم هذا اللقاح بحيث يُعطى على شكل حقن داخل العضل ممّا يُسهّل عملية تطبيقه. وبمجرد دخول جزيئات اللقاح إلى الخلايا، تتم ترجمة RNA إلى بروتينات تُطلَق في الجسم وتؤدي إلى تحفيز الجهاز المناعي. وقد لُوحِظ أن هذه اللقاحات قادرة على تفعيل كلٍ من ذراعي جهازالمناعة المُتمثلين باستجابة الخلايا التائية واستجابة الأجسام المضادة.
ويعتقد الباحثون أن هذه اللقاحات تُعد أكثر أمانًا من لقاحات DNA، لأنها غير قادرة على الاندماج مع جينوم الخلايا المضيفة وبالتالي فهي لا تسبب حدوث الطفرات على عكس لقاحات DNA.
الانتشار السريع:
تُعتبر القدرة على التصنيع السريع لهذه اللقاحات شيئاً هامًا جدًا خاصًة في حالة الإنفلونزا، حيث إن طريقة تصنيع لقاح الإنفلونزا الأكثر شيوعًا والتي تتطلب تنمية الفيروسات داخل بيوض الدجاج تستغرق شهورًا طويلة. وهذا يعني أنه عندما تظهر سلالة إنفلونزا جديدة وغير متوقعة – كتلك التي ظهرت عام 2009 وسببت وباء إنفلونزا الخنازير H1N1– فمن غير المُمكن إنتاج لقاح مضاد لها بشكلٍ سريع.
ويختم البروفسور روبرت لانغر (Robert Langer) وهو أحد مؤلفي الدراسة قائلًا: «نحن جميعًا مُتحمّسون للغاية بشأن قدرة هذه الطريقة على توفير وسيلة جديدة لتوصيل اللقاح».
إعداد: زينب النيّال.
تدقيق: سارة عمّار.
المصدر