أعلن فريق بحثي تسمية سلف جديد من أسلاف الإنسان، والاسم هو «هومو بودوينسيس». عاش هذا النوع في أفريقيا في أثناء العصر الجليدي الأوسط منذ قرابة نصف مليون سنة، ويُعد السلف المباشر للإنسان الحديث. يأمل العلماء أن يساعدنا هذا النوع على تفسير تحركات السلالات البشرية حول العالم وتفاعلها مع بعضها.
رغم أن البشر المعاصرين (هومو سابينز) السلالة البشرية الوحيدة المتبقية، فإنه كانت توجد أنواع بشرية أخرى تجوب الأرض. فمثلًا، اكتشف العلماء حديثًا أن الجزيرة الإندونيسية «فلورس»، كانت فيما سبق موطنًا لنوع منقرض يسمى «هومو فلوريسيينسيس»، الذي يُعرَف غالبًا باسم «الهوبيت» نظرًا إلى صغر جسمه.
تحديد انتماء مجموعة حفريات بشرية إلى نوع أو إلى آخر، يُعَد في معظم الأحيان مهمة صعبة، وقد تثير الجدل؛ فعلى سبيل المثال، يقترح بعض الباحثين أن الفروقات الهيكلية بين البشر المعاصرين والنياندرتال تعني أنهم كانوا نوعين مختلفين، ولكن يرى باحثون آخرون أنه لا يجب تصنيف النياندرتال نوعًا مستقلًا، نظرًا إلى توفر العديد من الأدلة الوراثية التي تشير إلى أن البشر المعاصرين والنياندرتال تزاوجوا في وقتٍ ما وأنجبوا ذرية سليمة قادرة على الإنجاب.
في هذه الدراسة الحديثة، درس الباحثون حفريات بشرية يتراوح عمرها بين 774,000 و129,000 سنة مضت، أي من العصر الجليدي أو البليستوسيني الأوسط. أشارت دراسات سابقة إلى أن البشر المعاصرين نشؤوا خلال هذه الفترة الزمنية في أفريقيا، في حين انتشر النياندرتال في أوروبا وآسيا.
لأن التطور البشري خلال هذا العصر ليس واضحًا، يلقب علماء التنقيب البشري هذه الفترة الزمنية باسم «الغموض في المنتصف»، ومن المرجو أن الإعلان عن السلف الجديد هومو بودوينسيس سيساعد على إيضاح هذه الفترة الغامضة والمهمة من تاريخ التطور البشري.
أتى اسم السلف الجديد بعد إعادة دراسة حفريات مكتشفة بالفعل في أفريقيا وأوروبا وآسيا، وتنتمي إلى هذه الفترة الزمنية. سابقًا، صُنفت هذه الحفريات إما من هومو هايدلبرغينيسيس أو هومو رودزيينسيس، مع أن كليهما كان مختلفًا عن الآخر في الخصائص الهيكلية الرئيسة والصفات الأخرى.
تقول روكساندك، الكاتبة الرئيسية للدراسة: «إن التحدث عن التطور البشري خلال هذه الفترة الزمنية أصبح مستحيلًا، بسبب قلة المصطلحات المناسبة التي تأخذ الاختلافات البشرية الجغرافية في الحسبان».
في الفترة الأخيرة، أظهرت عينات حمض نووي أن بعض الحفريات الأوروبية، التي صُنفَت من هومو هايدلبرغينيسيس، كانت في الحقيقة تنتمي إلى أوائل النياندرتال، ما يجعل اسم هومو هايدلبيرغينيسيس بلا أهمية. على المنوال نفسه، أشارت تحليلات لحفريات شرق آسيوية عدة إلى أنه لا يجب تصنيفها من الهومو هايدلبرغينيسيس بعد الآن.
وما يزيد من تشويش القصة أن الحفريات الأفريقية، التي تنتمي إلى هذه الفترة، صُنفَت أحيانًا من هومو هايدلبرغينيسيس، وصُنفَت في أحيان أخرى من هومو رودزيينسيس؛ ولكن النوع هومو رودزيينسيس ليس محددًا بوضوح، إضافةً إلى أن الاسم لم يحظَ بقبول واسع، نظرًا إلى ارتباطه بالإمبريالي الإنجليزي المثير للجدل «سيسيل رودز» والجرائم الشنيعة التي ارتُكبَت في أثناء الحكم الاستعماري في أفريقيا.
اشتق اسم السلف الجديد من جمجمة يبلغ عمرها 600,000 سنة وُجدَت في بودو دار في إثيوبيا عام 1976، وسيشمل هذا الاسم حفريات عدة كانت مصنفة سابقًا من الهومو هايدلبيرغينيسيس أو الهومو رودزيينسيس. يقترح الباحثون أن السلف الجديد هومو بودوينسيس كان السلف المباشر للهومو سابينز، وأن النوعين يشكلان فرعًا من شجرة العائلة البشرية مختلفًا عن الفرع الذي أسفر عن النياندرتال وإنسان الدينيسوفان الغامض، الذي بيّنت حفريات من التيبت وصربيا أنه عاش تقريبًا في الوقت نفسه الذي عاش فيه قريبه النياندرتال.
وفقًا لكريستوفر باي، أحد كتاب الدراسة: «إن الإعلان عن هذا السلف الجديد يهدف إلى حل معضلة المصطلحات، ويسمح لنا بالتحدث عن هذه الفترة المهمة من التطور البشري بوضوح».
يقول بريدراغ رادوفك، كاتب آخر للدراسة: «ينبغي أن تكون المصطلحات العلمية واضحة لتسهيل التواصل أو الحديث عنها، ولا يجب أن نعدها مسميات مطلقة لا يمكن تغييرها عندما تتعارض مع السجل الأحفوري».
توافقه روكساندك بقولها: «إن تسمية نوع جديد تُعد مسألة كبيرة، إذ إن المجلس العالمي للمصطلحات الحيوانية لا يسمح بتغيير المصطلحات إلا تحت قواعد محددة شديدة الصرامة. نحن واثقون من أن اسم هومو بودوينسيس سيستمر مدة طويلة».
وتقول: «إن إعطاء اسم جديد لنوع ما يثير الجدل دائمًا، ولكنه يستمر عندما يبدأ الناس باستخدامه».
حسب هذا التصنيف، سيتضمن السلف الجديد معظم الحفريات البشرية من أفريقيا وشرق المتوسط التي تنتمي إلى العصر الجليدي الأوسط، أما الحفريات الأوروبية التي تنتمي إلى الفترة الزمنية نفسها، فسيعاد تصنيفها من النياندرتال. نتيجة لذلك، سيختفي الاسمان هومو هايدلبيرغينيسيس وهومو رودزيينسيس. أما حفريات شرق آسيا فستحصل على اسم جديد بعد إجراء مزيد من البحوث.
تضيف روكساندك: «لا نزعم إعادة كتابة تاريخ التطور البشري. عوضًا عن ذلك، يسعى الباحثون إلى ترتيب التنوع الذي نراه في البشر القدامى بطريقة تجعل التحدث عن مصدره وما يمثله ممكنًا. قد تساعدنا هذه الفروقات على فهم تحركات سلالات البشر وتفاعلها مع بعضها».
في المستقبل، يرغب العلماء بالبحث عن عينات من العصر الجليدي الأوسط تنتمي إلى هومو بودوينسيس في أوروبا، وفقًا لروكساندك.
اقرأ أيضًا:
هل مارس الإنسان الحديث الجنس مع النياندرتال؟
لم يكن النياندرتال شريك التزاوج الوحيد للبشر
هل يمكننا تتبع أصل الإنسان المعاصر إلى أي نقطة مفردة من الزمان أو المكان؟
لماذا انقرضت كافة الأنواع البشرية ولم يبق سوى نوعنا؟
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: دوري شديد
مراجعة: حسين جرود