أظهرت سلسلة جديدة من التجارب النفسية أن الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية نسبيًا أكثر عرضةً لأن يتجاهل الآخرون إحساسهم بالألم. حتى أن المختصين الطبيين لا يبدو أنهم يأخذون معاناة الآخرين على محمل الجد إذا كانوا فقراء أو غير متعلمين، ويصل الأمر إلى وصف أدوية أقل لهذه الفئة.
تفسر النتائج جزئيًا سبب ميل المرضى الذين يتمتعون بمستويات أعلى من التعليم والدخل والحالة الاجتماعية إلى تلقي رعاية طبية أفضل فيما يتعلق بمجموعة متنوعة من الحالات. لا شك بوجود بعض المشكلات الهيكلية، مثل الضعف الشديد في الوصول إلى الرعاية الطبية لفئات معينة، إلا أن الصور الثقافية النمطية لها دور أيضًا.
يشكل الألم أحد الأعراض ذات الصعوبة الشديدة في تفسيرها والتعبير عنها. في حين تشكل المعاناة تجربة عالمية، فإن قياسها يتم على أساس شخصي يخضع لكثير من التحيزات البشرية.
أظهر بحث موثق أن آلام الأمريكيين السود لا تُشخَّص أو تُعالج بطريقة منهجية. أظهرت دراسات أخرى تبحث الفروق بين الجنسين أن ألم الإناث يُقلَّل من شأنه باستمرار أيضًا. ويشكل كلا العاملين تأثيرًا إضافيًا يظهر عند تفسير ألم النساء السود.
يتداخل الوضع الاجتماعي والاقتصادي بدرجة كبيرة مع هذه العوامل، وتُعد الدراسة الحالية إحدى أُوَل الدراسات التي تبحث هذه الفكرة بالتفصيل.
بالنظر إلى عشر تجارب تتضمن أكثر من 1500 مشارك، وجد الباحثون باستمرار اختلافًا في كيفية نظر الناس إلى آلام الآخرين وتعاملهم معها اعتمادًا على مستوى تعليمهم ومهنهم ودخلهم. مثلًا يُنظر إلى النادل عادةً بوصفه أقل عرضةً للألم من المحامي، وقد ثبت أن هذه الظاهرة موجودة بصرف النظر عن جنس المريض أو عرقه.
يقول كيفن سامرز عالم النفس من جامعة دنفر: «إن معرفة الحالة الاجتماعية والاقتصادية لصديق أو شخص غريب –وهو أمر قابل للاستنتاج بسهولة بواسطة الإشارات الشفهية وغير الشفهية- قد تؤثر في مقدار الألم الذي يُنسب إليهم، من ثم مقدار الدعم المقدم إليهم. مثلًا قد يتجاهل أحد المارة شخصًا ذا حالة اجتماعية واقتصادية متدنية وقع على الرصيف، وقد يقترح شخص أن صديقه صاحب الحالة الاجتماعية والاقتصادية المتدنية يتعامل مع إصابة معينة دون طلب العناية الطبية، وقد يمنح المدير إجازة أقصر أو يدفع تعويضات أقل للموظف المصاب إذا كان ذا خلفية اقتصادية واجتماعية متدنية«.
تلك أمثلة واقعية، في حين أُجريت الدراسة ذاتها في المختبر. ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحديد كيفية ترجمة هذه التجارب البسيطة إلى أحداث طارئة وزيارات فعلية للطبيب، إلا أن النتائج تعطينا إشارة واضحة على وجود تحيزات.
بدأت الدراسة باختبار بسيط لمعرفة كيف يحكم الإنسان على ألم إنسان آخر حين يكون على علم بوضعه الاجتماعي والاقتصادي. تضمنت التجربة الأولى 126 مشاركًا شاهدوا الألم وصنفوه ضمن 18 سيناريو للألم لـ 20 شخصًا من الذكور البيض، ممثلين بصور محايدة لوجوههم إضافةً إلى معلومات عن وظائفهم.
صُنِّف ذوو مستويات التعليم الأقل ومن يعملون في وظائف ذات دخل منخفض عمومًا بوصفهم يشعرون بألم أقل مقارنةً بمن امتلكوا ظاهريًا وظائف مرتفعة الدخل ومستويات أعلى من التعليم، حتى حين قيل إنهم تعرضوا للأذى بالطريقة ذاتها تمامًا.
بإدخال تغيير بسيط على التجربة، حيث لم تُعرض أي صورة بل قُرءَت القصة فقط مع تحديد الصفات، مثل إناث ذوات بشرة بيضاء وحالة اجتماعية واقتصادية منخفضة، وجد 248 مشاركًا أن الأفراد ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض يُعَدون أقل حساسية للألم مقارنةً بذوي الحالة الاجتماعية والاقتصادية الأعلى، حتى حين كانت الإصابات الموصوفة ذاتها تمامًا.
تضمنت التجارب اللاحقة عوامل مثل الجنس والعرق، لمعرفة كيف تؤثر هذه المتغيرات في النتائج. وجد الباحثون أن المرضى السود والإناث تكون آلامهم أكثر عرضة للتجاهل مقارنةً بالمرضى الذكور وبيض البشرة، أيضًا فإن الوضع الاجتماعي يجب تصنيفه ضمن هذه التحيزات.
أجرى الباحثون تجربة رابعة بواسطة 111 مشاركًا، لمعرفة السبب الذي يجعل الحالة الاجتماعية والاقتصادية للشخص ذات تأثير كبير في كيفية تعامل الآخرين مع ألمه.
مرة أخرى عُرضت صور للمشاركين، لكن هذه المرة كان على المتطوعين تقييم حساسية المريض للألم إضافةً إلى تجاربه ومتاعبه الحياتية. لتحديد ذلك طُرحت أسئلة عدة على المشاركين، مثل: ما مدى صعوبة حياته/حياتها برأيك؟
أظهرت النتائج أن الناس يعتقدون أن مصاعب الحياة تجعل من أصحاب الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية المتدنية أشخاصًا أقوى، ما يجعلهم أكثر مناعة ضد الألم. لا يقتصر الأمر على أننا نشخص آلامهم بدرجة أقل، بل تقترح الدراسة أننا أيضًا نعامل هذه الفئة باهتمام أقل.
أظهرت تجارب أخرى -قارنت بين الأشخاص العاديين والمختصين الطبيين- أن كلتا المجموعتين ستصف أدوية أقل للألم لمن ينتمون إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية.
كتب الباحثون: «مرة أخرى وجدنا أن الناس يعتقدون أن ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني يحتاجون إلى علاج أقل للألم مقارنةً بمن ينتمون إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية أعلى، وكان هذا التأثير نتيجةً لتصوراتهم عن حساسية الأشخاص المستهدفين للألم. أي أنهم قيموا الأفراد من خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية بأنهم يشعرون بألم أقل مقارنةً بمن ينتمون إلى خلفيات أعلى، لذلك هم بحاجة إلى علاج أقل لتخفيف الألم«.
أُجريت الدراسة في المختبر مع صور للوجوه، وهو ما يشكل ظروفًا مختلفة عن عيادة الطبيب، حيث تمكن رؤية المريض وجهًا لوجه. قد يكون لهذا تأثير في قرار الطبيب في وصف مسكنات الألم. مع ذلك فإن نتائج الدراسة الحالية مقلقة، إذ إن مقدمي الخدمات الطبية يشاركون مباشرةً في علاج آلام المريض.
من المقترح أن تحيز الأطباء هو أحد الأسباب التي تجعل الأشخاص من خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية يتلقون باستمرار رعاية لآلامهم دون المستوى المطلوب في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا:
ست طرق للتغلب على الألم الاجتماعي
لماذا نشاهد المعاناة على الإنترنت، وغالبًا لا نفعل شيئًا للمساعدة؟
ترجمة: وائل المشنتف
تدقيق: إيناس خير الدين