بخلاف الحدس الشائع أن الزمن يتحرك من الماضي إلى المستقبل، يعتبر الفيزيائيون أن حركة الزمن في اتجاهٍ واحدٍ من المعضلات الصعبة.
قد يبدو مزيجٌ من الكلوروفورم والأستيون مجالًا مستبعدًا للبحث عن حقيقة الزمن، لكنَّ العلماء استخدموا هذا المزيج لخلق ظروفٍ يمكن أن تجعل الزمن يبدو وكأنه يتحرك إلى الوراء.
من المعروف أنَّ الكون يتحرك دائمًا في اتجاهٍ واحدٍ من الزمن، التجربة الأخيرة التي قام بها فريقٌ دوليٌّ من الفيزيائيين ركزت على السمة الرئيسية التي غالبًا ما نستخدمها لتحديد حركة الزمن وهي حركة الطاقة.
“الإنتروبيا” هي التي تمنع الزمن من التأرجح ذهابًا وإيابًا في الأنظمة المعزولة، وبكسب طاقةٍ إضافيةٍ من مصدرٍ خارجيّ تميل الأشياء للتحول من النظام إلى العشوائية كما يُعاد توزيع الطاقة بشكلٍ متوازنٍ.
ينطبق هذا المثال على كوننا، فعند وضع جسمٍ ساخنٍ في غرفةٍ باردةٍ لن يزداد الجسم سخونةً وتزداد الغرفة برودةً، لكنَّ ما يحدث هو العكس تمامًا، وبالتالي تعطينا الديناميكا الحرارية اتجاهًا محددًا للزمن حتى لو لم تخبرنا عن السبب.
لقد أظهرت التجارب المختلفة حتى على المستوى الكموميّ، أن الجسيمات تتصرف وفق الظروف الابتدائية – لتجربةٍ على سبيل المثال – ما يعني أن الزمن يتحرك دومًا إلى الأمام.
هل هناك حدٌّ لهذا التعميم؟ يبدو هذا وفقًا لنتائج هذه التجربة الجديدة.
رصد فريقٌ من الباحثين جزيء الكلوروفورم المكون من ذرة كربون متصلة بذرة هيدروجين وثلاث ذرات كلور.
استخدم الباحثون مجالًا مغناطيسيًا قويًا ليضعوا نوى الكربون والهيدروجين على صفٍ واحدٍ حينما علقت الجزيئات في الأسيتون، ومن ثم تلاعبوا في خاصية (الدوران المغزلي) الخاص بهذه الجزيئات، إنَّ هذا الأمر سمح لهم بمراقبة سلوكها بينما كانوا يسخنون أنوية الذرات باستخدام الرنين النوويّ.
يكشف لنا الجدول الزمنيّ للتجربة ما يحدث حينما تنقل واحدةٌ من تلك الذرات حرارتها إلى الذرة المجاورة حتى تتعادل الذرتان في درجة الحرارة، وهو نمطٌ شائعٌ في حالات انتقال الطاقة الحرارية المشابهة، لكنّ الباحثين وجدوا استثناءً غريبًا عندما كانت الجسيمات مترابطة.
هذا بالتالي يعني أن بعض الاحتمالات أصبحت مرتبطةً ببعضها البعض حتى برغم المسافات بين الذرات، وبفضل التفاعلات السابقة بدت وكأنها النسخة الأبسط من ظاهرة التشابك الكموميّ.
إن ارتباط الجسيمات صنع اختلافًا واضحًا في الكيفية التي توزعت فيها الطاقة بين الجسيمات – ذرات الهيدروجين الساخنة صارت أكثر سخونةً في حين أن ذرات الكربون الباردة المرتبطة بها صارت أكثر برودة.
هذا يعني أننا استطعنا عكس اتجاه الزمن (أو ما يعادله في الديناميكا الحرارية) خلال هذا الجزء الفائق الدقة من الكون.
يقول فريق الدراسة « لقد رُصد تدفقٌ عفويٌّ للحرارة من النظام البارد إلى النظام الساخن»، وقد نُشر البحث على موقع “”arxiv.org (المخصص لما قبل المراجعة العلمية)، ذلك يعني أننا بحاجةٍ إلى كثيرٍ من الحذر في تفسير النتائج.
يُظهر هذا البحث أنَّ اتجاه الزمن ليس مطلقًا، كما أنه يقدم ما يمكن أن يُسمى تداخلًا بين العالم الكموميّ والديناميكا الحرارية وهو ما يبدو واعدًا.
على المستوى العمليّ، فإنه يُظهر إمكانية توجيه الحرارة بطريقةٍ غير تقليديةٍ باستخدام قواعد الفيزياء الكمومية، وقد يكون له بعض التطبيقات المهمة.
ولكن أن تنتقل هذه النتائج من النطاق الميكروسكوبيِّ الدقيق إلى النطاق الكونيّ فهو أمرٌ محلُّ تجربةٍ وبحثٍ في المستقبل، وعلى أي حال قد يساعدنا في فهم سبب تحرك الزمن إلى الأمام دائمًا
- ترجمة: مصطفى العدوي.
- تدقيق: تسنيم المنجّد.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر