في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين، انتشر فيروس نقص المناعة (الإيدز) في الولايات المتحدة والعالم أجمع، على الرغم من أن الفيروس موجود قبل عقود. يوجد اليوم أكثر من 70 مليون مصاب بالفيروس، وتوفي 35 مليونًا بسببه منذ بداية انتشاره حسب المنظمة العالمية للصحة.
ما فيروس نقص المناعة أو الإيدز؟
فيروس نقص المناعة، هو فيروس يهاجم نظام المناعة في جسم الإنسان، وخاصًة الخلايا التائية.
ينتقل الفيروس عن طريق سوائل الجسم، مثل الدم والنطاف والسوائل المهبلية والسوائل الشرجية وحليب الثدي.
تاريخيًا، يُعرَف أن الفيروس ينتشر بممارسة الجنس دون حماية، ومشاركة الإبر المستخدمة في تعاطي المخدرات، وأيضًا الولادة.
بعد مرور الوقت، يستطيع الفيروس تدمير الكثير من الخلايا التائية، ما يجعل الجسم غير قادر على محاربة العدوى والأمراض، ويؤدي في النهاية إلى أشد أنواع الإصابة بفيروس نقص المناعة: متلازمة العوز المناعي المكتسب أو الإيدز.
المصاب بالإيدز شديد العرضة للإصابة بالسرطان والعدوى التي تهدد الحياة مثل الالتهاب الرئوي.
على الرغم من عدم وجود علاج لفيروس الإيدز، فإن المصاب الذي يتلقى العلاج مبكرًا، يمكنه العيش نفس مدة حياة الشخص غير المصاب بالفيروس. أظهرت دراسة في مجلة لانسيت (Lancet) الطبية عام 2019 أن العلاج المضاد للفيروس استطاع إيقاف انتشار الفيروس بقدر كبير.
من أين أتى فيروس نقص المناعة؟
تتبع العلماء أصل الفيروس إلى الشمبانزي وفيروس نقص المناعة الخاص بالقردة، وهو فيروس يشبه فيروس الإيدز لكن يهاجم نظام المناعة الخاص بالقردة.
في عام 1999، حدد الباحثون سلالةً من فيروس نقص المناعة الخاص بالقردة الذي سُميَ فيروس نقص المناعة الخاص بالشمبانزي، وكان تقريبًا مماثلًا لفيروس نقص المناعة البشرية.
اكتشف العلماء لاحقًا، أن الشمبانزي يصطاد ويأكل سلالتين أصغر من القردة -قردة المنجبي المطوق وقردة غينون بيضاء الأنف كبيرة الحجم- الحاملة للفيروس وأصابت الشمبانزي بسلالتين من فيروس نقص المناعة الخاص بالقردة.
تندمج هاتان السلالتان فتشكلان فيروس نقص المناعة الخاص بالشمبانزي، الذي يستطيع الانتشار بين البشر والشمبانزي.
يرجح الباحثون أن الفيروس انتقل إلى البشر عندما تناول الصيادون لحم الشمبانزي المصاب بالعدوى، أو دخل دم الشمبانزي المصاب إلى جروح الصيادين.
يعتقد الباحثون أن التحول الأول من فيروس نقص المناعة الخاص بالشمبانزي إلى فيروس نقص المناعة البشرية، الذي أدى فيما بعد إلى الجائحة العالمية، حدث عام 1920 في مدينة كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية.
بدأ انتشار الفيروس على الأغلب، من كينشاسا على طول طرق البنى التحتية (الطرق وسكك الحديد والأنهار)، بواسطة المهاجرين وتجار الجنس.
في الستينيات، انتقل الفيروس من أفريقيا إلى هاييتي والبحر الكاريبي عندما عاد المهنيون الهاييتيون من جمهورية الكونغو إلى وطنهم. انتقل بعد ذلك الفيروس من منطقة الكاريبي إلى نيويورك في السبعينيات، ولاحقًا إلى سان فرانسيسكو في نفس العقد، وقد ساعدت الرحلات الدولية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى بقية الدول، على انتشار الفيروس إلى بقية العالم.
بداية جائحة الإيدز
على الرغم من وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، فلم يلقى الفيروس انتباه العامة حتى بداية الثمانينيات.
عام 1981، نشرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تقريرًا عن خمسة رجال مثليي الجنس أصحاء سابقًا، بعدما أُصيبوا بالتهاب الرئة الذي تسببه فطريات غير ضارة عادةً، تسمى المكسيرات الهوائية الجيروفيسية.
وحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن هذا النوع من الالتهابات الرئوية لا يؤثر على الإنسان الذي يمتلك نظام مناعة سليم.
في السنة التالية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا تنبيهيًا عن اضطراب نظام المناعة الجديد، الذي بحلول ذلك الوقت كان قد أدى إلى وفاة 136 شخصًا من أصل 335 مصابًا بالفيروس.
لأن هذا المرض أصاب في بادئ الأمر المثليين، أطلق المسؤولون عليه اسم مرض نقص المناعة المتعلق بالمثليين، على الرغم من أن المراكز اكتشفت كل الطرق الرئيسية لانتقال الفيروس، واكتشفت أيضًا إمكانية إصابة الإناث اللاتي على علاقة مع الرجال المصابين بالإيدز.
عام 1983، نظر الناس إلى الإيدز على أنه مرض يُصيب المثليين، وسُمي الفيروس (طاعون المثليين) لسنين عديدة لاحقة.
في سبتمبر 1984، أطلقت المراكز تسمية فيروس نقص المناعة البشرية أو الإيدز لوصف المرض لأول مرة، وفي نهاية العام أُبلغ عن حالات الإيدز في العديد من الدول الأوروبية.
وصول فحص مرض نقص المناعة البشرية
عام 1984، حدد العلماء أخيرًا سبب مرض نقص المناعة البشرية، فيروس الإيدز، ورخصت إدارة الدواء والطعام الأميركية فحص الدم الخاص بالإيدز عام 1985.
توجد اليوم العديد من الفحوصات الطبية لاكتشاف الإيدز، التي تعمل بالكشف عن الأجسام المضادة لفيروس الإيدز. يمكن القيام بالفحص من طريق الدم أو اللعاب أو البول، على الرغم من أن الفحص عن طريق الدم تكشف فيروس الإيدز في وقت أقصر بسبب ارتفاع مستويات الأجسام المضادة لفيروس الإيدز.
عام 1985، أصبح الممثل روك هدسون أول حالة وفاة رفيعة المستوى بسبب الإيدز.
سنت إدارة الدواء والطعام الأميركية قوانين تمنع الرجال المثليين من التبرع بالدم. وراجعت الإدارة قوانينها في 2015 للسماح للرجال المثليين بالتبرع بالدم إذا بقوا بدون علاقة لمدة سنة، ومع ذلك فإن بنوك الدم تختبر الدم بشكل روتيني من أجل الكشف عن الإيدز.
بحلول نهاية عام 1985، كان هناك 20000 إصابة مؤكدة بفيروس الإيدز، وحالة واحدة على الأقل في كل منطقة في العالم.
تطوّر دواء أزيدوثيميدين
عام 1987، أصبح أول علاج مضاد لفيروسات النسخ العكسي من أجل الإيدز (أزيدوثيميدين) متوفرًا.
تتوفر في هذه الأيام الكثير من الأدوية الخاصة بالإيدز، وتستخدم هذه الأدوية مع بعضها فيما يسمى العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي أو العلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي عالي الفعالية.
يقوم عمل العلاج على منع الفيروس من التكاثر وإعطاء نظام المناعة فرصة للشفاء ومحاربة العدوى والإيدز والسرطانات المتعلقة به.
يقلل العلاج أيضًا من خطر انتقال عدوى الفيروس بما في ذلك بين الأم المصابة وجنينها.
عام 1988، صرّحت منظمة الصحة العالمية أن يوم الأول من ديسمبر من كل عام هو يوم عالمي للإيدز. في نهاية الثمانينيات سُجلت 100 ألف حالة في الولايات المتحدة الأمريكية، و400 ألف حول العالم.
مرض نقص المناعة البشرية أو الإيدز في التسعينيات وبداية القرن الحالي
في 1991، أصبح الشريط الأحمر الرمز العالمي للتوعية من الإيدز.
في تلك السنة، أعلن لاعب كرة السلة ماجيك جونسون إصابته بالفيروس، ما ساعد على زيادة الوعي بالنسبة للقضية والابتعاد عن الفكرة المتعارف عليها أن هذا الفيروس يصيب المثليين فقط.
بعد ذلك بفترة قصيرة، أعلن فريدي ميركوري المغني الرئيسي في فرقة كوين، إصابته بالفيروس وتوفي في اليوم التالي.
عام 1994، وافقت إدارة الدواء والطعام الأميركية على استخدام فحص للإيدز من طريق الفم وليس الدم، وبعد سنتين وافقت على الفحص المنزلي والفحص الأول للكشف عن الإيدز من طريق البول.
بدأت حالات الوفاة الناتجة عن فيروس الإيدز والإقامة في المشفى للعلاج في البلدان المتقدمة بالانخفاض بشدة عام 1995 بفضل الأدوية الجديدة والعلاج المضاد لفيروسات النسخ العكسي.
مع ذلك، بحلول عام 1999 كان الإيدز المسبب الرابع للوفاة على صعيد العالم، والمسبب الأول للوفاة في أفريقيا.
تطورات علاج الإيدز
في 2001، بدأ مصنعو الأدوية النوعية ببيع الدول النامية نسخًا مخفضة من أدوية الإيدز الحاصلة على براءة اختراع، ما أدى إلى قيام العديد من الشركات المصنعة للأدوية بتخفيض أسعار أدوية الإيدز لديهم.
أعلن البرنامج المشترك بين الأمم لمحاربة الإيدز، أن الإيدز هو إلى حد بعيد السبب الرئيسي للوفاة في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.
في عام 2009، رفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحظر الأمريكي عام 1987 الذي يمنع المصابين بالإيدز من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وافقت إدارة الدواء والطعام الأميركية على العلاج الوقائي لغير المصابين بالإيدز في عام 2012، وعند تناوله يوميًا قد يقلل خطر الإصابة بالإيدز من ممارسة الجنس بنسبة 90٪، ومن تعاطي المخدرات بالحقن الوريدي بنسبة 70٪، حسب ما قالت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
أظهرت دراسة رئيسية انتهي منها عام 2019 أن أكثر من 750 رجلًا مثليًا يخضعون للعلاج المضاد للفيروسات لم ينقلوا الفيروس إلى شركائهم.
«تقدم نتائجنا دليلًا قاطعًا أن خطر انتقال فيروس الإيدز من طريق الجنس الشرجي عندما يُقمع الحمل الفيروسي لفيروس نقص المناعة، هو صفر فعليًا». حسب ما ذكر التقرير في مجلة لانسيت الطبية.
في نهاية عام 2019، كان هنالك 38 مليون شخص يعيشون مع فيروس الإيدز حول العالم. وتوفي 940 ألف شخص في نفس العام من الأمراض المتعلقة بالإيدز، وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية.
ما تزال منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الأكثر تضررًا بوجود نحو ثلثي إصابات الفيروس في العالم.
اقرأ أيضًا:
تطور النظام المصرفي عبر التاريخ
ترجمة: بديع عيسى
تدقيق: روان أحمد أبوزيد