إسطنبول هي كبرى مدن تركيا وواحدة من كبرى 15 مدينة في العالم. تقع على مضيق البوسفور وتمتد على كامل منطقة القرن الذهبي، وهي ميناء طبيعي. وبسبب مساحتها الكبيرة، تمتد مدينة إسطنبول بين قارتي أوروبا وآسيا، وهي المدينة الوحيدة في العالم التي توجد في أكثر من قارة واحدة. مدينة إسطنبول مهمة جغرافيًا ولها تاريخ طويل يشمل صعود وانهيار كبرى الإمبراطوريات في العالم. وبسبب خضوعها لهذه الإمبراطوريات، خضع اسم المدينة لتغييرات مختلفة.
بيزنطة
مع أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ 3000 قبل الميلاد، لم تصبح مدينة إلا بعد وصول المستعمرين اليونان إلى المنطقة في القرن السابع قبل الميلاد. قاد الملك بيزاس هؤلاء المستعمرين واستقروا هناك بسبب الموقع الاستراتيجي للمدينة على طول مضيق البوسفور. سمى الملك بيزاس المدينة باسم بيزنطة نسبةً إليه.
الإمبراطورية الرومانية (330–395)
أصبحت بيزنطة جزءًا من الإمبراطورية الرومانية نحو عام 300. خلال هذه الفترة، أعاد الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير بناء المدينة بأكملها. كان هدفه إبراز المدينة وإعطاءها الطابع الروماني. سنة 330، أعلن قسطنطين المدينة عاصمةً للإمبراطورية الرومانية بأكملها وأطلق عليها اسم القسطنطينية، بعد ذلك نمت المدينة وازدهرت.
الإمبراطورية البيزنطية/ الرومانية الشرقية (395-1204، 1261–1453)
بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول عام 395، حدثت اضطرابات هائلة في الإمبراطورية أدت إلى انقسامها. أصبحت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية نحو عام 400. أصبحت المدينة يونانية بوصفها جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية، على عكس هويتها الرومانية السابقة. ونظرًا إلى امتداد المدينة بين قارتين، أصبحت مركزًا تجاريًا وثقافيًا وسياسيًا ونمت نموًا كبيرًا. سنة 532، اندلعت ثورة نيكا المناهضة للحكومة في المدينة ودمرتها. بعد ذلك، شُيّد العديد من المعالم البارزة في المدينة في أثناء إعادة بنائها، ومن بينها كنيسة أيا صوفيا، وأصبحت القسطنطينية مركزًا للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
الإمبراطورية اللاتينية (1204–1261)
مع ازدهار القسطنطينية ازدهارًا ملحوظ خلال العقود التالية لانضمامها إلى الإمبراطورية البيزنطية، جعلتها العوامل التي أدت إلى نجاحها هدفًا للغزو. لمئات السنين، هاجمت قوات من جميع أنحاء الشرق الأوسط المدينة. حتى أن الحملة الصليبية الرابعة سيطرت عليها بعض الوقت بعد استباحة المدينة عام 1204.
بعد ذلك، أصبحت القسطنطينية مركزًا للإمبراطورية اللاتينية الكاثوليكية.
مع استمرار المنافسة بين الإمبراطورية اللاتينية الكاثوليكية والإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية اليونانية، تأثرت القسطنطينية وتدهورت تدهورًا كبيرًا. وأفلست وانخفض عدد سكانها وأصبحت عرضة لمزيد من الهجمات؛ إذ انهارت المواقع الدفاعية للمدينة. سنة 1261، في خضم هذه الاضطرابات، استعادت إمبراطورية نيقية القسطنطينية، وأُعيدت إلى الإمبراطورية البيزنطية. في الفترة ذاتها تقريبًا، بدأ الأتراك العثمانيون بغزو المدن المحيطة بالقسطنطينية، وعزلوها عن أكثر المدن المجاورة لها.
الإمبراطورية العثمانية (1453-1922)
غزا العثمانيون القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الثاني في 29 مايو 1453، بعد حصار دام 53 يومًا. خلال الحصار، توفي قسطنطين الحادي عشر آخر إمبراطور بيزنطي، في أثناء الدفاع عن المدينة. وأُعلنت القسطنطينية عاصمةً للإمبراطورية العثمانية وتغيَّر اسمها إلى إسطنبول.
سعى السلطان محمد إلى تجديد مدينة إسطنبول بعد سيطرته عليها. أنشأ البازار الكبير -أحد أكبر الأسواق المغطاة في العالم- وأعاد الفارين من الكاثوليك والأرثوذكس اليونانيين. واستقدم عائلات مسلمة ومسيحية ويهودية لتأسيس مجتمع مختلط. بدأ السلطان أيضًا ببناء الصروح والمدارس والمستشفيات والحمّامات العامة والمساجد الكبرى.
في الفترة 1520-1566، حقق السلطان سليمان القانوني العديد من الإنجازات الفنية والمعمارية التي جعلت المدينة مركزًا ثقافيًا وسياسيًا وتجاريًا رئيسيًا. بحلول منتصف القرن السادس عشر، نما عدد سكانها إلى نحو مليون نسمة. وظلت إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية حتى سقطت في أيدي الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
جمهورية تركيا (1923 حتى الآن)
بعد الحرب العالمية الأولى، اندلعت حرب الاستقلال التركية، وأصبحت إسطنبول جزءًا من جمهورية تركيا سنة 1923. لم تكن إسطنبول عاصمة الجمهورية الجديدة، وأُهملت خلال السنوات الأولى؛ إذ ذهبت الاستثمارات إلى العاصمة الجديدة ذات الموقع المركزي، أنقرة. في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، عادت إسطنبول للبروز من جديد. شُيِّدت ساحات وشوارع وطرق عامة جديدة وهُدم أكثر المباني القديمة. في السبعينيات، ازداد عدد سكان إسطنبول بسرعة، ما أدى إلى توسع المدينة على حساب القرى والغابات المجاورة، فأصبحت مدينة عالمية كبرى.
إسطنبول اليوم
أُضيفت العديد من المناطق التاريخية في مدينة إسطنبول إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي سنة 1985. ونظرًا إلى مكانتها بوصفها قوة صاعدة، وتاريخها وأهميتها الثقافية في كل من أوروبا والعالم، اختيرت إسطنبول عاصمةً للثقافة الأوروبية عام 2010.
اقرأ أيضًا:
أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية
كل ما تود معرفته عن الحملات الصليبية
ترجمة: وراد الحمادة
تدقيق: أكرم محيي الدين