مع قدوم الشتاء في نهاية السنة وبداية الجديدة، اعتدنا توقع هطول الثلوج في أجزاء كبيرة من النصف الشمالي للكرة الأرضية، ولكن ماذا لو وسعنا السؤال إلى ما هو أبعد من كوكب الأرض، بدءًا بالكواكب الأقرب إلينا وانتهاءً بالكواكب التي تدور حول نجوم أخرى.

القمر وعطارد

لا يحتوي كل من عطارد والقمر على غلاف جوي الذي يُعد ضروريًا لتساقط الثلوج، فكلاهما حار جدًا في أثناء النهار، ولكن سنكتشف لاحقًا أن هذا ليس عقبة كبيرة كما قد يبدو. إذ يصبح كلاهما شديد البرودة في الليل بسبب استمرارهما في البرد فترات طويلة، وبالنتيجة لو أن لأحدهما غلاف جوي رقيق يحتوي على بخار الماء، فلن تكون الحرارة عقبة بذاتها.

الزهرة

يتميز كوكب الزهرة بغلاف جوي كثيف، لكنه حار جدًا لدرجة لا يحفز تساقط الثلوج. والحرارة على الزهرة شديدة لدرجة أن معادن البيريت تتبخر على سطحه، وقد تشكل صقيعًا معدنيًا على قمم الجبال. قد تكشف البعثات المستقبلية إن كان هذا الصقيع يتساقط مثل الثلج.

المريخ

من المثير للاهتمام إمكانية رؤية الأغطية الجليدية القطبية على كوكب المريخ باستخدام التلسكوبات المتوسطة الحجم خاصة عندما يكون الكوكب قريبًا منا. بل أكثر من ذلك، بوسعنها ملاحظة تزايدها مع الفصول أو تناقصها.

وقد كشفت المركبات المدارية أن الأغطية الجليدية مغطاة بطبقة من ثاني أكسيد الكربون المجمد (الجليد الجاف). وهذا ليس مفاجئًا لأن الغلاف الجوي للمريخ يتكون من 96% من ثاني أكسيد الكربون الذي يتجمد عند -78 درجة مئوية.

وبعكس الماء لا يوجد طور سائل له تحت الضغوط الجوية الأرضية أو المريخية، لذلك لا يوجد مطر من ثاني أكسيد الكربون، وعندما يصبح الجو باردًا بما فيه الكفاية، يتجمد جزء من الغلاف الجوي.

ولحسن الحظ، يحدث ذلك في عملية مشابهة لتكثيف بخار الماء في رقائق صغيرة على الأرض، بدلًا من تكوّن كتل مفاجئة من ثاني أكسيد الكربون الصلب.

يزخر المريخ بكثير من المميزات المشتركة مع الأرض، ومنها فصول السنة واختلاف حلول الشتاء في نصفي الكوكب، وفيه يتساقط ثلج ثاني أكسيد الكربون في القطبين وعلى الأراضي المرتفعة عند خطوط العرض المعتدلة.

تختلف رقاقات الثلج المصنوعة من ثاني أكسيد الكربون عن الثلج الذي نعرفه بسبب امتلاك جزيئات الماء خصائص غير عادية. فرقاقات ثاني أكسيد الكربون أصغر بكثير في أثناء سقوطها وتميل إلى التكتل معًا لتشكيل مكعبات على الأرض. والغلاف الجوي للمريخ رقيق جدًا لدرجة لا يضطر فيها رواد فضاء المستقبل للقلق بشأن تراكم الثلوج. ولكن بحسب تعبير الدكتور سيلفان بيكيو من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: «يوجد ما يكفي من التساقطات بما يتطلب استخدام أحذية الثلج».

تحت طبقة الجليد الجاف، تتكون القمم الجليدية القطبية غالبًا من الماء المتجمد. ومع إن سقوط الثلج هناك حدث منذ وقت طويل جدًا، فإن مركبة الهبوط فينيكس رصدت تساقط الثلوج عبر الغلاف الجوي العلوي للمريخ، وكشفت الأجهزة الليزرية أنه كان ثلجًا مائيًا وليس ثاني أكسيد الكربون. وفي الشتاء أحاط الصقيع والجليد المائي تحت الأرض بالمركبة.

ذاب الثلج في الغلاف الجوي قبل أن يصل إلى فينيكس. لكن الجبال المريخية تمتد إلى ارتفاعات أعلى بكثير من النقطة التي رُصد فيها الثلج، ما يثير التساؤل عن إمكانية استقرار الثلج على سفوح الجبال مثل جبل أوليمبوس.

نعلم بوجود طبقة من الجليد تعود إلى 20 مليون سنة وهي فترة قصيرة إذا ما قورنت بتاريخ المريخ. وعثرنا على دلائل لوجود ثلج مائي منذ 400,000 سنة فقط في أماكن أخرى على المريخ، لذا من الممكن ذلك مستمر حتى الآن.

حزام الكويكبات

كان اكتشاف البراكين الجليدية من أبرز المفاجآت التي حققتها مهمة داون إلى سيريس. ما زلنا لا نفهم ما الذي يحرك هذه البراكين، لكن يُعتقد أن المواد التي تقذفها هي مزيج من الجليد والميثان المتجمد. بعض منتجاتها تتدفق مثل الحمم البركانية، ولكن كما تُطلق البراكين الأرضية الرماد، قد توجد جزيئات جليدية تنطلق بقوة أكبر ثم تستقر ببطء. يبدو أن الكويكبات الأصغر حجمًا أقل احتمالًا لهذا النوع من النشاط، لكننا لم نتوقع ذلك أيضًا بالنسبة لسيريس.

الكواكب الغازية العملاقة

يحتوي كوكب المشتري على سُحب من الأمونيا والجليد المائي، وقد تتكثف هذه السحب أحيانًا. مع إن أحد الخبراء يعتقد أن المنتجات الناتجة عنها قد تشبه البرد أكثر من الثلج.

يُعتقد أن كوكبي نبتون وأورانوس يحتويان على نوع من الثلج يتكون من جليد الميثان الذي تبلور حول جزيئات من الضباب الكيميائي. لا يصل الثلج إلى ما يعادل الأرض على هذين الكوكبين، بل يتحول بدلًا من ذلك إلى غاز عند عمق غير معروف حاليًا، ولكن النظر من المدار يؤكد هطول الثلوج هناك.

ويُعتقد أيضًا أن الألماس قد يتساقط من سماء أورانوس ونبتون، ويُشار إلى هذا باسم مطر الألماس، لكن بما أن بلورات الكربون صلبة وليست سائلة، فإنه من الأدق القول إن ثلوج الماس تتساقط هناك.

الأقمار الجليدية

معظم أقمار المشتري وزحل وغيرها مغطاة بالجليد دائمًا، لكن هل يسقط الجليد من سماواتها فعلًا؟ يندر وجود الغلاف الجوي الدائم، ولكن البعض قد يكون له غلاف جوي مشابه.

تنفث السخانات الشهيرة في قمر إنسيلادوس جزيئات من الجليد، ويفلت بعضها من الجاذبية الضعيفة لتشكيل حلقة زحل E، بينما تنجرف البقية نحو الأسفل ببطء، وبهذا تتكون ظروف تشبه ثلجًا غير موسمي في معظم القمر الصغير.

حتى في الأماكن التي قد لا يتساقط فيها الثلج، يُحتمل أن تكون بعض أسطح هذه الأقمار ناعمة جدًا لدرجة تشبه الثلج المتساقط حديثًا.

يوجد في قمر أوروبا ظاهرة مختلفة قليلًا وهي الثلج تحت الماء أو ما يُعرف بالجليد الفقاعي. يتساقط هذا الثلج عبر المياه المالحة تحت الأرفف الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، ومن المحتمل أن يحدث ذلك على أوروبا وأقمار جليدية أخرى ذات محيطات داخلية.

الأقمار الخاصة: آيو وتيتان

براكين آيو نشطة جدًا وهي ليست جليدية بل حقيقية، وتبدو أجزاء من سطحه وكأنها مغطاة بالثلج، لكن في الواقع هي ثاني أكسيد الكبريت وبعض المركبات الغنية بالكبريت.

والغلاف الجوي لآيو رقيق وقائم على الكبريت، وينهار هذا الغلاف كلما مر آيو في ظل المشتري، ما يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة بنحو 20 درجة مئوية لتتساقط على شكل شيء شبيه بالثلج.

أما تيتان فيتكون غلافه الجوي من النيتروجين والميثان ودرجة حرارته الوسطية 179.5، ما يعني هطول أمطار الميثان التي يُعتقد أنها تسبب تشكل الهيدروكربونات بحالة صلبة ربما ما يعطي ثلجًا أسود.

بلوتو

يُعد بلوتو شديد البرودة فهو مغطى بجليد النيتروجين مع بعض الميثان المتجمد وأول أكسيد الكربون. وغلافه الجوي رقيق ويتكون أساسًا من النيتروجين. يتحول بعض الجليد إلى غاز في النصف الصيفي ولكن سرعان ما يبدأ تساقط الثلج عندما يبرد النصف الشتوي. ومن المتوقع أن يبدأ الثلج بالتساقط على النصف الجنوبي من بلوتو بين عامي 2035 و2050.

ما بعد النظام الشمسي

من المؤكد وجود كواكب شبيهة بالأرض يكون الثلج المائي فيها سمة مشتركة، لكننا لم نؤكد أي منها بعد. فمعظم الكواكب الخارجية التي درسناها تشمل الكواكب الغازية والعوالم الصخرية القريبة من نجومها ما يجعلها شديدة الحرارة. لكننا نحتاج إلى مراقبة كواكب أبرد للعثور على الثلج المائي، ودراسة ذلك أصعب.

خارج مجرة درب التبانة

يسهل مراقبة الغلاف الجوي للكواكب الغازية العملاقة، وقد اكتشفنا بعضها التي تحتوي على مواد غير عادية تتساقط من الغلاف الجوي عندما تحملها الرياح إلى الجانب المظلم من الكوكب.

تشمل هذه المواد ثاني أكسيد التيتانيوم، الذي يُستخدم في واقيات الشمس ويتساقط على شكل ثلج. وفي حالات أخرى، تتساقط مواد أخرى على شكل أمطار، مثل الحديد والياقوت. كل هذه الكواكب شديدة الحرارة بحيث لا يمكننا زيارتها أبدًا حتى لو سافرت البشرية إلى النجوم.

اقرأ أيضًا:

وكالة ناسا ترسل الطائرات نحو العواصف الثلجية لمراقبة الطقس!

أشكال الثلج عندما يذوب في درجات حرارة مختلفة

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر