يصيب مرض السل عادةً الرئتين، ولكن اكتشف الباحثون وجود سلالة قديمة من بكتيريا السل متخصصة بإصابة العظام وتدميرها من الداخل. اكتُشِف سابقًا تلف في عظام العمود الفقري ناتجٌ عن مرض السل في مومياوات مصرية يبلغ عمرها 9000 عام، بيد أن نسبة حالات مرض السل التي تعاني تلفًا عظميًا أو ما يسمى «مرض بوت» نادرة في العالم الحديث حاليًا.
لم تتعدَّ نسبة الإصابة بمرض بوت في الولايات المتحدة الـ2%، ولكن حدث أمر غير متوقع في أثناء جائحة مرض السل خلال منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في ولاية كارولينا الشمالية؛ كان مصدر تلك الجائحة شخص أصيب بمرض السل في فيتنام ثم نقل العدوى في مكان عمله إلى عدد من الأشخاص، ومن ضمن الحالات الست التي انتشر فيها مرض السل خارج الرئتين، انتشر المرض إلى العظام لدى أربع حالات منهم.
يقول الطبيب المختص بالأمراض المعدية جيسون ستاوت من جامعة دوك الأمريكية: «تفوق هذه الأعداد نسبة الـ2% بكثير. رغم أنني عالم أوبئة واختصاصي دراسات سريرية، فقد شعرت بالحيرة، إذ كانت احتمالية حدوث ذلك عشوائيًا شبه معدومة».
شغلت الحادثة تفكير ستاوت طوال عدة سنوات حتى سنحت له فرصة اللقاء مع عالم الوراثة الجزيئية ديفيد توبين من جامعة دوك؛ إذ عرض عليه توبين أن يفحص بعض العينات المأخوذة من أشخاص تعرضوا إلى الإصابة بمرض السل خلال تلك الجائحة.
اكتشف العلماء سابقًا أن البكتيريا التي تسبب مرض السل «المتفطرة السلية» تنتقل في أرجاء الجسم عبر غزو الخلايا البلعمية الكبيرة، وهي الخلايا المناعية التي تبتلع الكائنات الدخيلة. كان هدف توبين وستاوت اكتشاف السبب الذي يجعل بعض أنواع بكتيريا السل أكثر ميلًا إلى التنقل في أرجاء جسم الإنسان مقارنة بغيرها.
لذا قارن الباحثان التسلسل الجيني لسلالة بكتيريا السل التي تسببت بجائحة كارولينا الشمالية مع 225 سلالة أخرى من البكتيريا ذاتها.
اكتشف الباحثان أن سبب الجائحة كان السلالة 1 من بكتيريا مرض السل، وهي من أقدم سلالات البكتيريا في العالم.
تعد السلالة 1 مسؤولةً عن عدد كبير من حالات مرض السل في الوقت الحاضر، إلا أن النطاق الجغرافي للحالات محصور في البلدان التي تحاذي المحيط الهندي.
وجد الباحثان أن جينًا معينًا يحمل شفرة بروتين (المتحور EsxM) كان مكتملًا في سلالة بكتيريا السل التي تسببت بجائحة كارولينا الشمالية، ولكنه كان منقوصًا في سلالات بكتيريا السل الحديثة (السلالة 2 و3 و4).
أشارت دراسة سابقة من المملكة المتحدة شملت أكثر من 1600 شخص إلى أن السلالة 1 من بكتيريا السل كانت مرتبطة بمعدلات أعلى من مرض السل العظمي مقارنة بالسلالات الحديثة.
لإثبات أن الجين المكتمل من المتحور EsxM كان ضروريًا وكافيًا لتنقل الخلايا البلعمية الكبيرة المصابة ببكتيريا السل وانتشارها خارج الرئتين، أصاب الباحثان سمك الدانيو المخطط بالسلالة التي سببت جائحة كارولينا الشمالية ثم فحصا المسافة التي تحركتها الخلايا البلعمية الكبيرة.
أصابا بعدئذ مجموعةً منفصلة من سمك الدانيو المخطط بسلالة تحمل نسخة مطفرة من الجين EsxM، ووجدا أن الخلايا البلعمية الكبيرة المصابة بالسلالة المطفرة تحركت مسافةً أقصر بضعفين من المسافة التي تحركتها الخلايا المصابة بالسلالة التي تحمل النسخة المكتملة من الجين.
أظهر الباحثان أيضًا أن الخلايا البلعمية الكبيرة المصابة بالسلالة غير المطفرة كانت أسرع انتقالًا إلى جرح في زعنفة الذيل لدى سمك الدانيو المخطط مقارنة بالخلايا التي لم تحمل الجين المكتمل.
فضلًا عن ذلك، سلسل الباحثان 3,236 سلالة مختلفة من بكتيريا السل واكتشفا أن جميع السلالات الحديثة تحمل النسخة غير المكتملة من الجين EsxM، ما يعني أن الطفرة لديها ميزة تطورية قوية.
يرجح الباحثان أن ذلك يرجع إلى أن الطفرة تحصر بكتيريا السل في داخل الجسم، وأنها تتيح للسلالات الحديثة الانتشار على نطاق أوسع بين الأشخاص عبر حصر البكتيريا في الرئتين، ما يزيد مقدارها في بلغم الشخص المصاب وإفرازاته التنفسية ويعزز قدرتها على الانتشار في الهواء بتركيز أكبر.
اقرأ أيضًا:
السل الرئوي: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
الجهاز المناعي: الأمراض والاضطرابات والوظيفة
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: أسعد الأسعد
مراجعة: نغم رابي