توجد العديد من التقارير العلمية التي ناقشت التأثير طويل الأمد للتغير المناخي، مثل ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة المتسببة في الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة ومنسوب البحار الذي قد يحدث بحلول عام 2100 . من تلك التقارير على سبيل المثال، التقارير الصادرة عن اتفاقية باريس للمناخ، والتي طالبتنا بالحد من الزيادة في ارتفاع درجات الحرارة لأقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وذلك قبل حلول نهاية القرن.
منذ سنة 1990 بدأت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيير المناخي بتقييم ما أحرزناه حيال التغير المناخي في تقاريرها العلمية، إذ تخضع أبحاثنا الدورية المتعلقة بالأمر إلى التقييم لتظهر لنا أين نحن، وما نحتاج إلى فعله قبل عام 2100 لتحقيق أهدافنا، وماذا قد يحدث إذا لم نحققها.
تحذر تقييمات الأمم المتحدة لتقارير منظمة المساهمات الوطنية من أن متطلبات الحكومات حاليًا ستجعلنا نشهد ارتفاعات خطيرة بدرجات الحرارة، إذ قد تزيد 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2100، وهذا يعني حدوث حرائق لم يشهدها الكوكب من قبل، لا سيما العواصف والفيضانات وجفاف الأراضي، والانخفاضات الأرضية، وتغيرات كثيرة في النظام الإيكولوجي للمسطحات المائية.
لفهم المخطط الزماني والمكاني لتغير المناخ تحت أي سيناريو، بما في ذلك سيناريوهات اتفاقية باريس يجب علينا جميعًا النظر إلى ما بعد عام 2100 وأخذه في الحسبان.
بعد عام 2100:
هل سيتوقف الاحتباس الحراري بحلول عام 2100؟ وإذا لم يحدث ذلك، ماذا سيعني هذا للبشرية ومستقبلها؟ تناولنا الإجابات عن تلك الأسئلة في مقالتنا البحثية المفتوحة في غلوبال تشينج بيولوجي.
بناء على مسارات RCP، صنعنا نماذج توقعية للمناخ العالمي – التي اعتمدت على التغير في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مع الوقت.
إذ وضعنا ثلاثة سيناريوهات بثلاثة مستويات مختلفة: RCP 6.0 يمثل الحد المنخفض من الاحترار، وRCP 4.5 يمثل الحد المتوسط، و RCP2.6 يمثل الحد المرتفع من الاحترار الذي يتوافق مع هدف اتفاقية باريس للمناخ، إذ سيحد من الاحترار إلى ما هو أقل من درجتين مئويتين بحلول عام 2500.
لقد وضعنا أيضًا نماذج تتضمن توزيع الغطاء النباتي، وحالة النمو لنباتات المحاصيل الرئيسية الحالية، للتعرف على التحديات البيئية المستقبلية التي سيواكبها أطفالنا وأحفادهم في الغد بدءًا من القرن القادم إلى ما بعده.
في الأعلى: يوضح الخط الثابت المتوسط العالمي لدرجة حرارة الهواء قرب سطح البحر، بينما يُظهر الخط المنقط متوسط ارتفاع منسوب مياه البحر الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة، اعتمدت نتائج السيناريوهات الثلاثة على قياسات الفترة بين عامي 2000 و2019. توضح المناطق المظللة النطاقات الزمنية المهمة، بينما تظهر المنطقة السفلية من الصورة شذوذات خاصة لمناخات 2100 و2200 و2500 مقارنةً مع الأعوام من 2000 إلى 2019 اعتمادًا على النماذج الثلاثة.
وجدنا في نماذجنا أنه إذا استمر ازدياد الاحترار كما في نموذج RCP 4.5 وRCP 6.0 فقد نواجه نتائج وخيمة بما في ذلك تحرك الغطاء النباتي وأفضل مناطق نماء المحاصيل باتجاه الأقطاب، إذ ستقل المناطق الصالحة لنمو النباتات. قد تصبح المناطق الثرية بتنوع النظام البيئي مثل حوض الأمازون مناطق قاحلة.
علاوةً على ذلك، وجدنا أن درجات الحرارة قد تصل إلى مستويات قاتلة للبشر في المناطق الاستوائية ذات الكثافة السكانية الكبيرة حاليًا. تلك المناطق ربما تصبح غير صالحة للحياة. حتى في نماذج التقليل العالي من ارتفاع الاحترار وجدنا أن منسوب مياه البحار سيستمر بالارتفاع بسبب خلط مياه البحار وتمددها داخل مياه المحيطات الدافئة.
مع أن النتائج المذكورة آنفًا اعتمدت على نموذج مناخي واحد، فإنها تشترك مع الآخرين في الكثير من التوقعات التي قد تحدث اعتمادًا على النماذج الأخرى في الكثير من الأشياء، وهذا يساعد على الكشف عن الاحتمالات الأوسع للاضطرابات المناخية عبر نطاقات زمنية أطول.
لتصور حقيقة ما يمكن أن يكون عليه العالم في خضم درجات حرارة مرتفعة وأخرى منخفضة، استخدمنا خبراتنا التي أضافها التغيير الحالي للمناخ وتوقعاتنا لما هو قادم في تصور لتسع لوحات تغطي ألف سنة (1500، 2020، 2500) دُمجت في ثلاثة مناظر طبيعية لثلاث مناطق رئيسية (حوض الأمازون، ووسط غرب الولايات المتحدة، وشبه القارة الهندية).
ركزت صور عام 2500 على توقعات نموذج PCR 6.0 وتضمنت بعض التطورات التقنية ولكن يمكن التعرف عليها من تقنيات عصرنا.
الأمازون:
تظهر في أعلى الصورة قرية لسكان تقليديين وسط الغابات المطيرة عام 1500 ميلادي، يزود النهر القرية بالماء، وتظهر مغطاةً بالمحاصيل الزراعية. بينما يظهر في وسط الصورة حاضرنا، في حين أننا نستطيع اعتبار أسفل الصورة منظرًا طبيعيًا للغابات المطيرة في عام 2500، حيث تظهر قاحلة نتيجةً لتراجع الغطاء النباتي، ونرى بنيةً تحتيةً متدهورةً ونشاطًا بشريًّا متدنيًّا
وسط غرب الولايات المتحدة
تظهر في أعلى الصورة مجتمعات ومدن سكان حقبة ما قبل الاستعمار، مع الزراعات المختلفة القائمة على الذرة بمثابة محصول رئيسي. بينما تُظهِر الصورة الثانية نفس المنطقة في حاضرنا، حيث يُزرع محصول واحد فترات طويلة. أما عن الصورة الأخيرة، فتُظهِرُ التكيف الزراعي مع مناخ شبه استوائي حار ورطب، مع تخيل الغابات الزراعية شبه الاستوائية معتمدةً على زيوت أشجار النخيل والعصارات القاحلة. ويجري الاعتناء بالمحاصيل عبر طائرات آلية مع انخفاض الوجود البشري.
شبه القارة الهندية:
يظهر في أعلى الصورة منظر طبيعي لحقل زراعي مزدحم بالأرز المزروع، وأشكال الحياة الاجتماعية، وقد اعتُمد استخدام المواشي حينها. تظهر الصورة الثانية حاضرنا الحالي حيث يوجد خليط من زراعة الأرز التقليدية والبنية التحتية المعاصرة الموجودة في العديد من مناطق العالم الجنوبية. بينما تظهر أسفل الصورة تقنيات التكيف مع الحرارة مستقبلًا، متضمنةً الزراعة الآلية مع انخفاض في وجود النشاط البشري بسبب الاحتياج الدائم إلى معدات التكيف والحماية.
هل يحمل الأمازون المستقبل المجهول؟
ما بين عام 1500 واليوم، لقد قمنا بثورات صناعية واستعمرنا الكثير من المناطق إلى أن وُجدت الدول الحديثة ووجدت معها هوياتنا ومؤسساتنا، وقد اشتركنا جميعًا في استهلاك الوقود الأحفوري بكميات كبيرة، وما ارتبط به من ارتفاع عالمي في درجات الحرارة.
إذا أخفقنا في وقف الاحتباس الحراري، سينتهي عالمنا خلال 500 عام، إذ ستتغير الأرض نحو الأسوأ بطريقة لن تسمح لقدراتنا أن تحد منها أو مواكبتها، ولن نستطيع الحفاظ على أساسيات العيش.
ستتغير الأرض للأسوأ وفقًا لما استندت عليه نتائجنا، في أثناء التكيف مع انبعاثات الاحتباس الحراري، يجب علينا العمل على نحو طارئ لتخفيض الانبعاثات، وإلا فعلينا البدء من الآن برؤية كوكبنا يمضي نحو الأسوأ.
اقرأ أيضًا:
يقول العلماء عن تغير المناخ: توقفوا عن استخراج الوقود الأحفوري
هل سيؤدي تغير المناخ إلى تدمير قبو سفالبارد العالمي للبذور؟
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: عبد الرحمن داده
مراجعة: نغم رابي