أكبر مجرة في تاريخ علم الفضاء، إنها ألسيونيوس؛ المجرة التي تقع على بعد 3 مليار سنة ضوئية وتُشَكِّل أكبر بنيةٍ عُرِفَت بتاريخ المجرات.
يُسَلِّط هذا الاكتشاف الضوء على فهمنا المحدود لهذهِ المجرة، ويطرح سؤالًا مهمًا عن السبب الذي يُحَرِك نموها على هذا النحو المتزايد.
وأيضا يُقدم هذا الاكتشاف مسارًا مهمًا يقودنا إلى فهمٍ أكبر لمجرات الراديو العملاقة وكيفية تكوينها وأيضًا دراسة الوسط الذي يقع بين المجرات وينجرف في فراغات الفضاء المتعاقبة.
تعد مجرات الراديو العملاقة لغزًا من الألغاز الكثيرة في هذا الكون، إذ تتكون من مجرةٍ مضيفة بالإضافة إلى نفاثات ضخمة وفصوص تنبثق من مركز هذه المجرة.
تُعرَف المجرة المضيفة بأنها نواة تحتوي على ثقبٍ أسود فائق الكتلة وتدور حولها مجموعة كبيرة من النجوم.
ينتج الثقب الأسود النشط وفائق الكتلة الذي يقع في مركز هذه المجرة النفاثات الضخمة والفصوص، ويُشار إلى الثقب الأسود بالنشط عندما تُفرز المواد من قرصٍ عملاق من المواد المحيطة بهِ.
تتفاعل هذه النفاثات الضخمة والفصوص مع الوسط بين المجرات، حيث تعمل عمل السنكروترون لتسريع الإلكترونات التي تنتج الانبعاثات الراديوية.
والجدير بالذكر، ليست جميع المواد في القرص المتزايد التي تدور وتتحرك داخل الثقب الأسود النشط ينتهي بها الحال في الفضاء، إذ إن جزءًا صغيرًا من المواد تنتقل بطريقةٍ ما من القرص إلى القطبين فتُدفع بصورةٍ سريعة إلى الفضاء على شكل نفاثات من البلازما الأيونية، إذ يُمكن لهذه النفاثات أن تُسافر مسافاتٍ طويلة للغاية قبل أَن تنتشر داخل فصوص عملاقة باعثة لموجات الراديو.
تُعد هذه العملية طبيعية للغاية، فحتى مجرة درب التبانة تحتوي على فصوصٍ باعثة للراديو، ولكن تبقى الحلقة المفقودة للباحثين هي السبب الذي يدفع هذه المجرات إلى النمو حتى أحجام هائلة لتتحول فيما بعد إلى مجرات راديوية عملاقة!
فإذا كانت خصائص المجرة المضيفة تُمثِل سببًا أساسيًا في نمو المجرات الراديوية العملاقة، فمن المرجح أن تمتلك المجرات المضيفة لأكبر المجرات الراديوية العملاقة هذه الخصائص.
قال الفلكي مارتين أوي: «إن وجود بيئات معينة واسعة النطاق يُساعد كثيرًا على نمو المجرات الراديوية العملاقة، إذ تُشكل هذه البيئات واسعة النطاق مكانًا لاستقرار هذه المجرات الراديوية العملاقة».
بحثَ فريق الاستكشاف في البيانات التي جمعها مركز LOFAR في أوروبا حيث أعادوا معالجة البيانات بواسطة خط أنابيب جديد، وأزالوا أيضًا مصادر الراديو المدمجة من أجل تصحيح التشوه البصري ومن أجل ألا تتداخل في الكشف عن فصوص الراديو المنتشرة.
ويُعَد مركز LOFAR شبكة معلومات لقياس التداخل باستخدام 20,000 لا سلكي هوائي وُزعت على 52 موقعًا حول أوروبا.
مثلت الصور الناتجة عن عملية إعادة معالجة البيانات المجمعة في مركز LOFAR البحث الأكثر حساسية عن فصوص مجرات الراديو، وبهذه الطريقة وجد الفريق مجرة ألسيونيوس تنبثق من مجرةٍ أخرى تبعد عدة مليارات سنة ضوئية.
كانت ألسيونيوس أكبر بنية معروفة صنعتها مجرة واحدة، وبعد قياس العلماء لأبعاد هذه المجرة، استخدموا مسح سلون الرقمي للسماء وذلك لمحاولة فهم المجرة المضيفة على أكمل وجه.
وقد ساعد مسح سلون الباحثين على معرفة خصائص هذه المجرة المضيفة، إذ وجدوا أنها مجرد مجرة إهليليجية تقع ضمن خيوط الشبكة الكونية.
وتدور هذه المجرة المضيفة بمقدارٍ يُقارب 240 مليار مرة من كتلة الشمس وتحتوي على ثقب أسود هائل في مركزها تبلغ كتلتهُ 400 مليار ضعف كتلة الشمس تقريبًا.
وتُعد هاتان الخاصيتان أقل معايير المجرات الراديوية العملاقة، إذ يمكن بهما إتاحة بعض المعلومات والأدلة التي قد تساعد على معرفة أسباب النمو الهائل لهذه المجرات.
وعدّ الباحثون مجرة ألسيونيوس ومجرتها المضيفة مجرتين لا تختلفان كثيرًا عن غيرهما، ولكنهما تملكان بعض ما يثير الانتباه، فقد تبيّن أن إجمالي كثافة اللمعان ذي التردد المنخفض، والكتلة النجمية وكتلة الثقب الأسود جميعها أقل أو تُشابه المجرات الراديوية العملاقة.
وبناءً على ذلك، فإن المجرات العملاقة والثقوب السوداء المركزية ليست بالضرورة أن تكون السبب وراء النمو الهائل لهذه المجرات.
تعددت الأسباب والأسئلة حول هذا النمو المُتزايد للمجرات الراديوية العملاقة، فمن المرجح أن يكون ألسيونيوس متمركزًا في منطقةٍ ما في الفضاء ذات كثافة أقل من المتوسط، ما يُساعد المجرة على الاتساع أكثر فأكثر. وأيضًا فإن تفاعل ألسيونيوس مع الشبكة الكونية يلعب دورًا أساسيًا في تزايد عملية النمو.
وأخيرًا لا يَسعنا القول إلّا إنه مهما كان السبب وراء هذا النمو الهائل فإن ألسيونيوس ما زال ينمو أكثر فأكثر في ظلامِ هذا الفضاء الداكن!
اقرأ أيضًا:
هل صُنع كوننا الحالي في مختبر؟
دراسة جديدة حول توقعات ستيفن هوكنغ عن المادة المظلمة والثقوب السوداء
ترجمة: يزن دريوس
تدقيق: حسين الجُندي
مراجعة: عون حدّاد