أيهما يسلك في الغرافين بشكل أفضل، الضوء أم الإلكترونات؟
تأخذ الإلكترونات سلوك الضوء في الغرافين لكن بطريقة أفضل
تمكن فريق علمي بقيادة كوري دين وهو أستاذ مساعد في الفيزياء بجامعة كولمبيا، ويرافقه في الفريق كل من افيك غوش أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب بجامعة فرجينيا، وجيمس هون، وانغ فونغ-جين أساتذة الهندسة الميكانيكية بجامعة كولمبيا- من ملاحظة الانكسار السلبي للإلكترونات التي تمر عبر الحدود بين منطقتين في مادة موصلة وبشكلٍ مباشرٍ لأول مرة.
وقد تم توقع هذه الظاهرة في سنة 2007، ولكن كان من الصعب التأكد منها بشكل تجريبي. وقد تمكن الباحثون من ملاحظة الظاهرة في الغرافين، مبينين أن الإلكترونات تأخذ سلوكًا يشبه سلوك أشعة الضوء وذلك في المواد ذات الجزيئات الرقيقة، والتي يمكن التلاعب بها عن طريق أجهزةٍ معينة كالعدسات والمواشير. وهذه النتائج التي نشرت في عدد 30 سبتمبر من مجلة العلوم، يمكنها أن تؤدي إلى تطوير أنواع جديدة من محولات الإلكترونات، مستندة على مبادئ البصريات بدلًا من الإلكترونات.
يقول دين: «القدرة على التحكم في الإلكترونات في مادة موصلة مثل أشعة الضوء يفتح الطريق أمام أساليب جديدة للتفكير حول الإلكترونيات». فعلى سبيل المثال، المحوّلات التي تمكن شرائح الحاسوب من الاشتغال أو الإيقاف، وهذا يستهلك طاقة لا يستهان بها. استخدام العدسات لتوجيه الإلكترون بين الإلكترودات يمكن أن يكون أكثر كفاءة، في حل واحدة من المشاكل الحرجة لتحقيق طريقة أسرع وأكفأ في استخدام الطاقة في الإلكترونيات.
ويضيف دين: «هذه النتائج يمكن أن تفتح الطريق أمام تجارب أخرى. فمثلًا، استخدام العدسات في توجيه الإلكترونات يمكن أن يساعد بإصدار متطوّر من مجهر إلكتروني، مع القدرة على أداء التصوير والتشخيص على المقياس الذري. بالإضافة إلى مكوّنات أخرى مستوحاة من البصريات، مثل مقسم الأشعة والتداخل، يمكنها إضافة دراسات جديدة حول الطبيعة الكمية للإلكترونات في الحالة الصلبة.
في حين أن الغرافين تم استغلاله على نطاق أوسع في دعم سرعة الإلكترونات، فمن الصعب إيقاف الإلكترونات دون الإضرار بقدرتها على الحركة.
يقول غوش: «المتابعة الطبيعية هي رؤية ما إذا كنا قادرين على خلق تيار قوي في الغرافين مع تقاطعات متعددة الزوايا. وإذا ما حدث ذلك فسيكون بين أيدينا محوّل منخفض الطاقة فائق السرعة لكل الأجهزة الإلكترونية سواء التناظرية أو الرقمية منها، مع احتمالية تخفيف العديد من التحديات التي نواجهها مع التكلفة العالية للطاقة والميزانية الحرارية للإلكترونيات في يومنا هذا.
يتغير اتجاه الضوء -أو ينكسر- عندما يمرّ من مادة إلى أخرى، وهي العملية التي تسمح لنا باستخدام العدسات والمواشير لتركيز وتوجيه الضوء. وهناك كمية معروفة باسم معامل الانكسار تحدّد درجة الانحناء عند الحدود، وهي موجبة في المواد التقليدية كالزجاج.
ومع ذلك من خلال هندسة ذكية، فمن الممكن أيضًا إنشاء مواد بصرية مصنعة لا توجد في الطبيعة مع معامل سلبي، حيث زاوية الانكسار أيضًا سلبية. «هذا يمكن أن تكون له عواقب غير عادية ومثيرة»، تقول ملاحظات هون. وأضاف: «هذه المواد البصرية المصنعة سوف تمهد الطريق أمام تقنيات غريبة ومهمة كالعدسات الفائقة، والتي يمكنها التركيز خارج حدود الحيود، والعباءات البصرية، مما يجعل الأشياء غير مرئية عن طريق انحناء الضوء من حولها».
الإلكترونات التي تسافر من خلال الموصلات النقية يمكنها أن تنتقل في خطوط مستقيمة مثل الأشعة الضوئية، مما يسمح للظواهر البصرية بالظهور.
في المواد، تلعب كثافة الإلكترونات دورًا مماثلًا لمعامل الانكسار، وتنكسر الإلكترونات عندما تمرّ من منطقة كثافة معينة إلى أخرى مختلفة. وعلاوة على ذلك، ناقلات التيار في المواد يمكنها التصرّف كأنها مشحونة سلبيًا (الإلكترونات) أو مشحونة إيجابيًا (ثقوب)، اعتمادًا على ما إذا كانت تعيش في نطاق التوصيل. وفي الواقع، الحدود بين نوع الثقب ونوع الإلكترون في الموصلات، والمعروفة باسم تقاطعات بي ان (إيجابي، سلبي)، تشكل الأسس لبناء الأجهزة الكهربائية كالصمامات الثنائية والترانزستورات.
يقول هون: «خلافًا لما حدث في المواد البصرية، يشكّل إنشاء معامل سلبي تحديًا هندسيًا كبيرًا، فانكسار الإلكترونات السلبية يحدث بطريقة طبيعية في المواد ذات الحالة الصلبة في أي تقاطع بي ان».
مكّن تطوير طبقات ثنائية الأبعاد في أشباه الموصلات عالية النقاء مثل الجاليوم في العامين 1980 و1990 الباحثين من إثبات الإلكترونات البصرية بما في ذلك آثار الانكسار والعدسات. ومع ذلك، تسافر الإلكترونات في هذه المواد دون تبعثر عند درجات حرارة منخفضة جدًا، مما يحدّ من التطبيقات التكنولوجية. بل أبعد من ذلك، فإن وجود فجوة الطاقة بين نطاق التوصيل والتكافؤ يبعثر الإلكترونات في واجهات ويمنع مراقبة الانكسار السلبي في مجال شبه موصلات تقاطعات بي ان. في هذه الدراسة، استخدم الباحثون الغرافين، مادة ثنائية الأبعاد مع أداء غير مسبوق في درجة حرارة الغرفة ودون وجود فجوة الطاقة، تغلّبت على كل هذه القيود.
تم اقتراح إمكانية الانكسار السلبي في تقاطعات بي ان في الغرافين لأول مرة سنة 2007 من قبل علماء نظريين يشتغلون بكل من جامعة لانكستر وجامعة كولمبيا. ومع ذلك، مراقبة هذا التأثير يتطلب أجهزة نظيفة للغاية، بحيث تستطيع الإلكترونات السفر مثل القذيفة، دون تشتت ولمسافات طويلة.على مدى العقد الماضي، قام فريق متعدّد التخصصات في جامعة كولمبيا بما في ذلك هون ودين، جنبًا إلى جنب مع كينيث شيبرد، لاو فاميلي أستاذ الهندسة الكهربائية والهندسة الطبية الحيوية، ابهاي باسوباثي، أستاذ مشارك في الفيزياء، وفيليب كيم، أستاذ الفيزياء في ذلك الوقت (الآن في هارفارد)، بالاشتغال على تقنيات جديدة لبناء أجهزة غرافين نقية للغاية. وتوّجت هذه الجهود سنة 2013 بعرض لسفر قذيفة على نطاق يزيد عن 20 ميكرون. ومنذ ذلك الحين، بدأت محاولة تطوير عدسة فيسلاجو، والتي تركّز الإلكترونات في نقطة واحدة باستخدام الانكسار السلبي. لكنهم كانوا غير قادرين على ملاحظة مثل هذا التأثير ووجدوا النتائج محيرة.
في سنة 2015، ذكرت مجموعة من جامعة بوهانغ للعلوم والتقنيات في كوريا الجنوبية ان اول دليل على التركيز في جهاز فيسلاجو. ومع ذلك، كانت الاستجابة ضعيفة، والتي تظهر في مقسم الإشارة. قرر فريق كولمبيا أنه لكي يفهموا تمامًا لماذا كان التأثير بعيد المنال جدًا، يجب عليهم عزل وتعيين تدفق الإلكترونات عبر التقاطع. وقد استعملوا تقنية متطورة تدعى “التركيز المغناطيسي” لحقن الإلكترونات في تقاطع بي ان. عن طريق قياس الانتقال بين الأقطاب الكهربائية على الأطراف المعاكسة للتقاطعات بصفتها وظيفة من كثافة الناقل تمكنوا من رسم مسار الإلكترونات على كلا الجانبين من مفترق بي ان كما أن زاوية الحادثة تم تغييرها عن طريق ضبط الحقل المغناطيسي.
كان الدعم النظري المقدّم من طرف فريق غوش من جامعة فرجينيا حاسمًا لجهود فريق جامعة كولمبيا، حيث أنهم طوروا تقنيات محاكاة مفصلة لنمذجة قياسات فريق كولمبيا. وشمل ذلك حساب تدفق الإلكترونات في الجرافين تحت مختلف المجالات الكهربائية والمغناطيسية، باحتساب الاهتزازات المتعددة على الحواف، ونفق ميكانيكا الكمّ عند التقاطع. وقد وضّح التحليل النظري لماذا كان من الصعب جدًا قياس فيسلاجو بطريقة جيدة، والمجموعة بصدد تطوير أجهزة متعددة التقاطعات على أساس هذه الدراسة. البيانات التجريبية والمحاكاة النظرية أعطت الباحثين صورة حول الانكسار، ومكنها من أن تكون أول من يتأكد كميًا من العلاقة بين الحادث والزوايا المنكسرة (المعروف بقانون سنيل في البصريات)، وكذلك تمّ التأكد من حجم الكثافة المتنقلة بصفتها وظيفة من زاوية (والمعروفة بمعامل فرينل). يقول غوش: «من عدة أوجه، شدة التنقل عامل مهم للغاية، لأنه يحدّد احتمالية مرور الإلكترونات للحاجز، بدلًا من مجرد زواياها المنكسرة. يحدّد الانتقال في النهاية الكثير من مقاييس الأداء للأجهزة المستندة على هذه الآثار، مثل معامل الاشتغال والإغلاق (on-off) في المحوّل، على سبيل المثال.
إعداد : رشيد العناية.
تدقيق : حسين احمد
المصدر