يولد تمرير الكهرباء عبر قطعة من بلور الكوارتز نبضة تُستخدم فعليًا لضبط ساعة اليد. بالمثل، اصهر بلورةً زمنيةً وقد تنبض بأعمق أسرار الكون. أظهر فريق من الباحثين في اليابان أن الركائز الكمومية للجسيمات المرتبة بشكل بلورة زمنية يمكن نظريًا -عند تفكيكها- استخدامها لتمثيل بعض الشبكات المعقدة إلى حد ما، من الدماغ البشري حتى الإنترنت. تقول مارتا إستاريلاس مهندسة الحوسبة الكمومية من المعهد الوطني للمعلوماتية في طوكيو: «في عالمنا التقليدي سيكون ذلك مستحيلًا، إذ سيتطلب قدرًا هائلاً من موارد الحوسبة. نحن لا نقدم فقط طريقةً جديدةً لتمثيل العمليات الكمومية وفهمها، لكننا نقدم أيضًا طريقةً مختلفةً لرؤية الحواسيب الكمومية».
منذ وضع الحائز على جائزة نوبل فرانك ويلتشيك نظريتها لأول مرة سنة 2012، شكلت البلورات الزمنية تحديًا لأساسيات الفيزياء.
تبدو رؤيته لهذه الحالة الجديدة للمادة على نحو مثير للريبة مشابهةً للحركة الدائمة، وفيها يُعاد ترتيب الجسيمات دوريًا دون استهلاك للطاقة أو إهدارها، وتتكرر في أنماط عبر الزمن تمامًا كما تفعل البلورات العادية عبر المكان، لأن الطاقة الحرارية التي تتشاركها الذرات المكونة لها لا يمكن أن تستقر بدقة في توازن مع خلفيتها.
يشبه ذلك تناول فنجان من الشاي الساخن، الذي يظل أسخن قليلًا من درجة حرارة الغرفة مهما كانت المدة التي يقضيها على مكتبك. إذ لا يمكن استخدام الطاقة الموجودة في كتل المادة النابضة هذه للعمل في مكان آخر، لذا فإن نظرية البلورة الزمنية لا تنتهك أي قوانين فيزيائية.
نجح علماء الفيزياء التجريبية منذ بضع سنوات في ترتيب سلسلة من أيونات اليتربيوم بطريقة معينة تجعل تدوير إلكترونهم المتشابك يخرج عن التوازن بهذه الطريقة عند تسليط الليزر على السلسلة.
لوحظت سلوكيات مماثلة في مواد أخرى، ما يوفر رؤى جديدة حول الطريقة التي قد تتطور بها التفاعلات الكمومية في أنظمة الجسيمات المتشابكة.
إن معرفة أن السلوكيات الشبيهة بالبلورات الزمنية موجودة أمر جيد، السؤال التالي هو هل بإمكاننا تسخير نشاطها الفريد في شيء عملي؟
تتضمن الدراسة الجديدة استخدام مجموعة من الأدوات الموجودة في نظرية الرسم البياني لرسم خارطة للتغيرات المحتملة في ترتيب بلورة زمنية، أظهر الباحثون كيف أن تفكك ترتيب البلورة الزمنية المنفصلة -أو انصهاره- يماثل فئة من الشبكات عالية التعقيد.
كتب الباحثون في تقريرهم: «هذا النوع من الشبكات، بعيدًا عن كونه منتظمًا أو عشوائيًا، يحتوي على بنى طوبولوجية غير بديهية موجودة في العديد من الأنظمة الحيوية والاجتماعية والتقنية».
قد تستغرق محاكاة مثل هذا النظام شديد التعقيد على حاسوب فائق زمنًا طويلًا وقدرًا كبيرًا من الأجهزة والطاقة، وهذا غير عملي، هذا إن أمكن تحقيقه بالأساس.
تعتمد الحوسبة الكمومية على طريقة مختلفة تمامًا لإجراء العمليات الحسابية، وهي طريقة تستخدم رياضيات الاحتمالات ضمن حالات من المادة تُسمى «الكيوبتات» قبل قياسها.
قد تمثل التركيبة الصحيحة من الكيوبتات -المرتبة مثل بلورات زمنية تتأرجح ذهابًا وإيابًا لأجل غير مسمى- إشارات تتحرك عبر شبكات واسعة من الخلايا العصبية، أو العلاقات الكمومية بين الجزيئات، أو الحواسيب التي يراسل بعضها بعضًا حول العالم.
قال عالم الفيزياء النظرية كاي نيموتو من المعهد الوطني للمعلوماتية: «باستخدام هذه الطريقة مع عدة كيوبتات، نستطيع محاكاة شبكة معقدة بحجم شبكة الإنترنت العالمية».
إن تطبيق ما نتعلمه من البلورات الزمنية على هذا النمط البارز من التكنولوجيا قد يمنحنا طريقةً جديدةً كليًا لرسم خارطة ونمذجة أي شيء من الأدوية الجديدة إلى وسائل الاتصالات المستقبلية.
نستكشف لأول مرة الإمكانات الكامنة لهذه الحالة الجديدة للمادة، وبناءً على بحث كهذا، نستطيع أن نكون واثقين من أن الوقت في صالحنا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمستقبل الحوسبة الكمومية.
اقرأ أيضًا:
فيزيائيون يتحكمون في تفاعل البلورات الزمنية للمرة الأولى
وجد الفيزيائيون مؤخرًا بلورات زمكان موجودةً في مواد متوفرة يمكنك شراؤها من متجر الألعاب
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: أكرم محيي الدين