يؤثر التهاب الجيوب الأنفية المزمن -الذي يسبب انسداد الأنف المستمر والصداع والعديد من الأعراض الأخرى- على 11% من الأشخاص في الولايات المتحدة، وقد أظهرت الأبحاث الحديثة وجود صلة بين هذه الحالة والتغيرات في نشاط الدماغ.
ويأمل الفريق الذي أجرى هذه الدراسة أن يساعد الرابط بين التهاب الجيوب الأنفية المزمن وتغيرات نشاط الدماغ في تفسير بعض الآثار الشائعة الأخرى للالتهاب المستمر مثل صعوبة التركيز ونوبات الاكتئاب وصعوبة النوم والدوار.
قد يكون العثور على علاقةٍ بين المرض الأساسي والاستجابة العصبية التي تحدث في مكان آخر أمرًا أساسيًا في فهم الحالة المزمنة، إلى جانب الجهود المبذولة لإيجاد طرق أفضل وأكثر فاعلية لعلاجها.
قالت أريا جافاري أخصائية الأذن والأنف والحنجرة من جامعة واشنطن: «هذه هي الدراسة الأولى التي تربط التهاب الجيوب الأنفية المزمن بالتغيرات البيولوجية العصبية في نشاط الدماغ». وقد نُشرِت ورقة الفريق في أبريل 2021.
وأضافت جافاري: «نحن نعلم من الدراسات السابقة أن المرضى الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية يقررون طلب الرعاية الطبية لأن المرض يؤثر على كيفية تفاعلهم مع بيئتهم المحيطة، ليس لأنهم يعانون من سيلان الأنف واحتقان الجيوب الأنفية، فهم يعانون من صعوبة التفكير ورداءة النوم وانخفاض القدرة على الإنتاج، الأمر الذي يؤثر على نوعية حياتهم بشكلٍ عام، وهذا يعطينا نظرةً استباقية حول الآلية المحتملة للمظاهر التي نلاحظها سريريًا».
اعتمد الباحثون على بياناتٍ من مشروع الكونيكتوم البشري لإيجاد 22 شخصًا (كمجموعة تجريبية) يعانون من التهاب الجيوب الأنفية المزمن و 22 شخص (كمجموعة ضبط) لا يعانون من التهاب الجيوب الأنفية، ثم تم استخدام البيانات من تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي لمقارنة تدفق الدم ونشاط الخلايا العصبية في الدماغ بين المجموعتين.
رصد الباحثون لدى الأشخاص الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية اتصالًا وظيفيًا أقل في شبكة الدماغ الجبهية الجدارية المُستخدمة في الانتباه وحل المشكلات، واتصالًا وظيفيًا أعلى في شبكة الوضع الافتراضي المرتبطة بالإشارات الذاتية وشرود الدماغ، واتصالًا وظيفيًا أقل في الشبكة البارزة التي تدير المحفزات الخارجية والتواصل والسلوك الاجتماعي.
أشار الفريق إلى أن تلك التغيرات كانت أكثر أهمية لدى الأشخاص الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية الأكثر شدة، وهذه المناطق ذات النشاط الزائد أو المنخفض في الدماغ يمكن أن تفسر الأعراض التي يبلغ عنها الناس.
ومع ذلك فإنّ الأشخاص الـ 22 المصابين بالتهاب الجيوب الأنفية المزمن لم يُظهروا في الاختبارات أيّ علاماتٍ ملحوظةٍ على التدهور المعرفي، لكن الباحثين انتقوا هؤلاء الأشخاص من نطاق أعمارٍ يتراوح بين 22-35 سنة، ويعتقد الباحثون أن هذا النوع من التدهور في وظائف الدماغ المعرفية قد يحدث في وقت لاحق من الحياة، وهو الأمر الذي يمكن اكتشافه من خلال دراسة طولية.
قالت كريستينا سيمونيان أخصائية الأذن والأنف والحنجرة من جامعة هارفارد: «إن الأعراض الذاتية التي يختبرها المصابون بالتهاب الجيوب الأنفية مثل انخفاض الانتباه وصعوبة التركيز واضطرابات النوم قد تكون مرتبطةً بتلك التغيرات الطفيفة في كيفية تواصل مناطق الدماغ التي تتحكم في هذه الوظائف مع بعضها البعض».
العلاجات الحالية لالتهاب الجيوب الأنفية يمكن أن تستغرق عدة سنوات، مع تناوب هجماتٍ من زيادة شدة الالتهاب التي تسبب تثخن أنسجة الجيوب الأنفية بما يشبه الجلد المتقرن، وعلى الرغم من أن الجراحة يمكن أن تساعد في تدبير الحالة، إلا أنها لا تضمن عدم تكرار أعراض المرض.
مع أن هذا البحث الجديد لا يظهر أن التهاب الجيوب الأنفية المزمن يؤثر على نشاط الدماغ بشكلٍ مباشر، فالصلة بينهما قويةٌ بما يكفي لإجراء مزيد من الأبحاث حول الموضوع، فيمكن للأبحاث المستقبلية أن تدرس مثلًا هذه التغيرات في نشاط الدماغ لدى مرضى التهاب الجيوب الأنفية المزمن بعد علاجهم، ويقول الباحثون إنه يجب على المهنيين الطبيين في الوقت الحالي أن يكونوا أكثر وعيًا حول الأعراض الصحية العقلية المرتبطة بأمراضٍ مثل التهاب الجيوب الأنفية الذي درسناه في هذه المقالة وكيف يمكن لتلك الأعراض أن تؤثر في بقية الجسم.
وأوضحت جافاري: «لا ينبغي أن تقتصر رعايتنا على تخفيف الأعراض الجسدية الواضحة، بل يجب أن نولي اهتمامنا لكامل جوانب المرض».
اقرأ أيضًا:
هل مزاجك سيئ دومًا؟ علماء الأعصاب يجدون المنطقة الدماغية المسؤولة عن ذلك
التهاب الجيوب: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
ترجمة: محمد بصل
تدقيق: نايا بطّاح