أمراض المناعة الذاتية: تعريفها، أنواعها، تشخيصها وعلاجها
مثل باقي الحيوانات في المملكة الحيوانية، يمتلك الإنسان جهازًا مناعيًا مسؤولًا عن الدفاع عن الجسم ضد الجراثيم والعوامل الأخرى الغريبة عنه.
يتكون الجهاز المناعي من خلايا وأعضاء خاصة تتعامل مع العوامل الغريبة عن الجسم والعوامل المسببة للحساسية. حيث تقوم هذه الخلايا بإنتاج الأجسام المضادة لمحاربة العدوى والعوامل الدخيلة الغريبة.
ولكي يتمكن النظام المناعي من الدفاع عن الجسم يجب أن يتعرف على كلٍ من العوامل التي تنتمي للجسم (العوامل الذاتية) وتلك الغريبة عنه (العوامل الغير ذاتية). حيث تحدث أمراض المناعة الذاتية عندما يفشل الجسم في التمييز بين العوامل الذاتية وغير الذاتية. وعندما يحدث هذا فإن الجسم يُنتج أجسامًا مضادة مُوجهة ضد أنسجة الجسم نفسه يطلق عليها اسم “الأجسام المضادة الذاتية”، وهي تقوم بمهاجمة خلايا الجسم الطبيعية عن طريق الخطأ.
عوامل الخطورة:
بعض الأشخاص لديهم احتمالية أكبر بالإصابة بأمراض المناعة الذاتية كالنساء في سن الإنجاب مثلًا. وبشكلٍ عام فإن معظم أمراض المناعة الذاتية تصيب النساء أكثر من الرجال. حيث تبدأ الإصابة عادةً في مرحلة النشاط التكاثري من حياة المرأة.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يملكون تاريخًا عائليًا بالإصابة، فإن احتمال الإصابة بالمرض يزداد عندهم؛ فعلى سبيل المثال، يُعتبر كل من داء الذئبة الحمامية (lupus) وداء «تصلب الأنسجة المتعدد – multiple sclerosis» من الأمراض التي تنتقل بين العوائل.
كما أن بعض الأجناس والأعراق لديها احتمالية إصابة أكبر من غيرها. فعلى سبيل المثال، يُعتبر داء السكري من النمط الأول أكثر شيوعًا لدى الأشخاص ذوو البشرة البيضاء، كما يُصيب داء «الذئبة الحمامية – Lupus erythematosus» الأمريكيين من أصلٍ إفريقي بشدة أكبر من غيرهم.
ويمكن أن تلعب الوراثة دورًا في الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، ولكن هناك العديد من العوامل البيئية التي من الممكن أن تُسبب الإصابة بأمراض المناعة الذاتية كالتعرض للمُذيبات والمواد الكيميائية والعدوى الفيروسية والبكتيرية وأشعة الشمس، …إلخ.
ماهي أنواع أمراض المناعة الذاتية؟
توجد عدة أنواع مختلفة لأمراض المناعة الذاتية التي يمكن أن تُصيب العديد من أعضاء وأجهزة الجسم. نذكر منها ما يلي:
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب أعضاء مختلفة في الجسم:
«الذئبة الحمامية الجهازية – Systemic lupus erythematosus» (SLE): وهو عبارة عن مرض التهابي ذاتي مُزمن أكثر شيوعًا لدى النساء. تتضمن العوامل التي تُساعد على الإصابة به كل من الأشعة فوق البنفسجية والإصابة الفيروسة والتوتر.
مرض نقص المناعة المكتسب الذي يسببه فيروس عوز المناعة البشري (HIV): يُسبب هذا المرض تدمير الجهاز المناعي مما يؤدي إلى أضرار في العديد من الأعضاء والأنسجة في الجسم.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب العيون:
«إلتهاب القزحية الأمامية الحاد – Acute anterior uveitis»: وهو المرض الإلتهابي الأكثر شيوعًا والذي يُصيب حدقة العين.
«متلازمة شوغرن – Sjögren’s Syndrome»: حيث يُصيب الجهاز المناعي الغدد المسؤولة عن إنتاج الرطوبة كالدموع واللعاب.
التهاب المفاصل:
«التهاب الفقرات اللاصق – Ankylosing Spondylit»: يُصيب هذا المرض مفاصل العمود الفقري ومفاصل المنطقة العجزية الحرقفية من الحوض مما يؤدي إلى ألمٍ شديد وتشوه وإعاقة.
«التهاب المفاصل الارتكاسي – Reactive Arthritis» (متلازمة رايتر Reiter): يوجد ثلاثة أعراض تقليدية لهذا المرض هي: التهاب المفاصل الكبيرة (كالركبة وأسفل الظهر) والتهاب العيون الذي يُصاحبه إما الرَّمد أو التهاب القزحية، بالإضافة إلى التهاب الإحليل عند الرجال أو التهاب عنق الرحم عند النساء.
«التهاب المفاصل الروماتيزمي – Rheumatoid Arthritis»: هو مرض يُصيب أنسجة المفاصل مما يؤدي إلى ضرر شديد في غضاريف هذه المفاصل وحدوث الالتهاب.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الأعضاء المنتجة للهرمونات:
«داء السكري من النمط الأول – Diabetes mellitus type 1»: حيث تستهدف الأجسام المضادة الذاتية خلايا بيتا في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين.
التهاب البنكرياس المناعي الذاتي – Autoimmune Pancreatitis»: هو التهاب يصيب البنكرياس.
عوز إنزيم [21 – Hydroxylase]: تصيب هذه الحالة الغدد الكظرية مما يؤدي إلى زيادة في إنتاج الأندروجينات – وهي الهرمونات الجنسية الذكرية.
التهاب الغدة الدرقية الناتج عن المناعة الذاتية: تؤدي هذه الحالة إلى التهاب خلايا الغدة الدرقية وتدميرها مما يؤدي بدوره إلى نقص نشاط الغدة الدرقية.
«داء جريفز – Graves’ disease»: وهو مرض يُصيب الغدة الدرقية مما يؤدي إلى فرط نشاطها.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الجلد:
«تصلُّب الجلد – Scleroderma»: يُصيب هذا المرض الأنسجة الضامة في الجلد والأوعية الدموية والعضلات والأعضاء الداخلية للجسم.
«التهاب الجلد والعضلات – Dermatomyositis»: تؤدي هذه الحالة إلى التهاب العضلات بالإضافة إلى الطفح الجلدي.
«الصدفية – Psoriasis»: في هذا المرض يزداد نمو الخلايا الجديدة التي تقع في طبقات الجلد السفلى.
«البُهاق – Vitiligo»: يؤدي هذا المرض إلى تدمير الخلايا التي تُنتج الصبغة الجلدية مما يؤدي بدوره إلى تشكل البقع البيضاء على الجلد.
«الثَّعلبة – Alopecia areata»: حيث يُهاجم الجهاز المناعي بُصيلات الشعر أو جذوره.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الأعصاب:
«التصلُّب المُتعدد -Multiple sclerosis»: يُصيب هذا المرض كلاً من الدماغ والأعصاب، حيث تُهاجم خلايا الجهاز المناعي غمد النخاعين الذي يُعتبر غلافًا واقيًا يحيط بالخلايا العصبية.
«الوهن العضلي – Myasthenia gravis»: حيث يهاجم الجهاز المناعي كلًا من الأعصاب والعضلات مما يؤدي إلى ضعف ووهن شديد.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الدم والأوعية الدموية:
«التهاب الشرايين العُقدي – Polyarteritis Nodosa»: يعتبر من الأمراض الشديدة التي تصيب الشرايين الصغيرة والمتوسطة الحجم مما يؤدي إلى التهابها وتلفِها.
«متلازمة الأجسام المضادة للدهون الفوسفاتية – Antiphospholipid syndrome»: والتي تؤدي إلى إحداث ضرر في الأوعية الدموية.
«فقر الدم الانحلالي – Hemolytic anemia»: يحدث هذا النمط من فقر الدم عندما تقوم الخلايا المناعية بتدمير خلايا الدم.
«نقص الصفيحات الأساسية – Idiopathic Thrombocytopenic Purpura»: يؤدي هذا المرض إلى تدمير الصفيحات الدموية التي تعتبر ضرورية في تشكيل الجلطات الدموية.
أمراض المناعة الذاتية التي تُصيب الجهاز الهضمي:
«التهاب الكبد الناتج عن المناعة الذاتية – Autoimmune hepatitis»: يحدث هذا المرض عندما تهاجم الخلايا المناعية خلايا الكبد.
«الداء البطني – Coeliac disease»: يحدث عندما تُصدر الأمعاء رد فعل تجاه الأطعمة التي تحتوي على مادة الغلوتين (مثل القمح).
متلازمة التهاب الأمعاء: يؤدي هذا المرض إلى التهاب حاد ومُزمن في الجاز الهضمي، ويعتبر كل من داء كراون والتهاب الكولون التقرحي من أشكال هذه المتلازمة الأكثر شيوعًا.
«تليُّف الكبد الصفراوي الأولي – Primary Biliary Cirrhosis»: حيث يُدمر الجهاز المناعي القنوات الصفراوية الكبدية ببطء.
تشخيص وعلاج أمراض المناعة الذاتية:
يوجد العديد من الاختبارات المختلفة التي تُستخدم لتشخيص أمراض المناعة الذاتية، ويمكن أن تكون هذه الاختبارات خاصة بكل نوع من أنواع هذه الأمراض.
وتوجد عدة أدوية يمكن استخدامها لعلاج أنواع معينة من أمراض المناعة الذاتية. وتهدف بعض هذه الأدوية إلى تخفيف الأعراض كالألم والالتهاب، بينما تستهدف أدوية أخرى العملية الإمراضية ذاتها.
إن بعض أمراض المناعة الذاتية كالتهاب الغدة الدرقية والسكري تُصعِّب عملية تصنيع بعض المكونات الحيوية. فعلى سبيل المثال، يتميز مرض السكري بنقص إنتاج الأنسولين، وبالتالي هناك حاجة لإيجاد بديل من مصدر خارجي لهذا الهرمون.
كما أن استبدال هرمون الغدة الدرقية يُساعد على استعادة المستويات الطبيعية لهذا الهرمون عند الأشخاص الذين يُعانون من نقص نشاط الغدة الدرقية.
وتُستخدم «الكورتيكوستيرويدات – Corticosteroids» لتثبيط الجهاز المناعي ومنع الاستجابة المُبالغ فيها. ويمكن للعوامل الأخرى كالأدوية «المضادة للتنخُّر – Anti-TNF» أن تمنع حدوث الالتهاب أيضًا، حيث تُستخدم لعلاج التهاب المفاصل الناتج عن المناعة الذاتية بالإضافة إلى مرض الصدفية.
هناك عدة تغييرات في نمط العيش والتي يمكن الإعتماد عليها بالتوازي مع علاج أمراض المناعة الذاتية. وتتضمن هذه التغييرات اتباع نظام غذائي صحِّي ومتوازن، القيام بنشاط بدني منتظم، الحفاظ على وزن صحي، نيل قسطٍ وافرٍ من الراحة والحد من التوتر… الخ.
ترجمة: زينب النيّال
تدقيق: المهدي الماكي