اجتمع أعضاء من منظمات الفضاء حول العالم في هولندا في نوفمبر 2022، واتفقوا على حاجتهم لإيجاد منطقة زمنية مناسبة للقمر، وهو الوقت المشترك دوليًا على سطح القمر ليُستخدم في جميع المهمات المستقبلية للاتصال والتنقل بسهولة.
يقول يورغ هان بوصفه مستشار وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) لمشروع حفظ الوقت القمري: «سيتزايد استكشاف القمر في الحقبة القادمة مع العديد من المهمات المخطط لها خلال العقد القادم» ولكي تتمكن تلك المهمات من التنسيق والتواصل مع بعضها فإن القمر «يحتاج إلى ساعة مشتركة … ونظام توقيت مشترك».
وفقًا لمسؤولي ESA، لا يوجد للقمر نظام مستقل لحفظ الوقت حاليًا، وبدلاً من ذلك استخدمت المهمات القمرية السابقة توقيتها من الأرض، وكان رواد الفضاء يزامنون توقيتهم مع هيوستن أو موسكو أو أي منطقة زمنية يوجد فيها مقر المهمة. ولكن مع المزيد من المهام الفضائية المخطط لها على سطح القمر من وكالات الفضاء حول العالم، فإن هذا النظام لن يعمل. ومثلما أُسِس على الأرض نظام معياري لضبط الوقت ونظام ملاحة بالنتيجة، يجب تأسيس نفس الشيء للقمر.
كل شي قديم جديد مرة أخرى
هذا الموضوع ليس جديدًا على الإطلاق، بل إن عالم الفلك الأمريكي المشهور كينيث إل. فرانكلين (1923-2007) نظر فيه لأول مرة قبل أكثر من خمسة عقود، ولم يقتصر عمله على وضع منهجية لقياس الوقت على القمر فقط، بل استنادًا إلى حساباته طورت إحدى الشركات المصنعة للساعات المعروفة حينئذ ساعة يد تعطي الوقت الدقيق على سطح القمر.
وفي أبولو عام 1970 خلال ذروة برنامج الهبوط القمري لأمريكا، طور الدكتور فرانكلين صيغة خاصة لقياس الوقت على سطح القمر. وفي مؤتمر صحفي عُقد في نادي الصحافة الأجنبية في نيويورك في أبريل أعلن الدكتور فرانكلين ما يلي:
«في المستقبل القريب، سيكون لدينا قواعد دائمة إلى حد ما على القمر، وسيرغب الأشخاص الذين يديرون هذه القواعد في نظام زمني يتوافق مع موقع الشمس في مكان وجودهم. لذلك، نحتاج إلى نظام زمني قائم على دوران القمر».
ويبدو هذا الاقتراح مشابهًا لما اقترحه منظمو الفضاء في خريف 2022. بالطبع كانت تنبؤات الدكتور فرانكلين عام 1970 بعيدة عن الواقع، إذ كانت آخر مهمة مأهولة إلى القمر في ديسمبر 1972 وحينها لم تظهر بعد القواعد الدائمة على القمر، ولكن إذا كان علماء الفضاء الحاليون على حق، فربما ستطبق هذه القواعد القمرية أخيرًا في المستقبل غير البعيد.
ساعة فريدة من نوعها
رأت شركة هيلبروس فرصة لاستغلال الاهتمام الكبير ببرنامج أبولو في نهاية الستينيات، إذ كانت تعاني انحدارًا حينها وأرادت زيادة شهرتها. وفي نفس المؤتمر الصحفي في أبريل 1970 عرضت نموذجًا أوليًا لساعة يد قمرية، ابتكرها مديرها الفني روس سي كاسكل بتطبيق حسابات الدكتور فرانكلين.
تختلف ساعة القمر تلك عن الساعات التي يعتمد عليها الناس هنا على الأرض كليًا، وذلك بسبب اعتمادها على الشهر القمري، وبينما يدور القمر حول الأرض يدور أيضًا حول محوره، ويستغرق دوران كامل نفس الوقت المستغرق في دورة واحدة متوسطها 29.530589 يومًا هنا على الأرض.
قسم الدكتور فرانكلين الفترة الزمنية للقمر إلى 30 جزءًا متساويًا وأطلق عليها اسم (لون lune)، إذ يستمر كل جزء تقريبًا مثل يوم واحد على الأرض. ثم قسم كل واحد إلى 24 (لونور lunour) أو ساعات القمر التي تستمر قرابة ساعة واحدة على الأرض. ولكن بدلًا من الدقائق والثواني استخدم النظام العشري لتقسيم كل لونور إلى 100 سنتيلونور وكل منها يتكون من 10 ميليلونور.
لذلك عند رؤية ساعة هيلبروس للقمر تبدو وكأنها ساعة معصم عادية، ولكن عند التدقيق فيها نرى أنها تعطي أوقات القمر باللونور وسنتيلونور و ميليلونور.
وبينما تعرض الساعة العادية يوم الشهر الأرضي في نافذة على الجانب الأيمن، فإن ساعة القمر ستعرض رقم لون بدلًا من ذلك، ووفقًا للنظام الذي طوره الدكتور فرانكلين، يتوافق القمر الجديد (بداية الشهر) مع اللون صفر، ويتوافق الربع الأول عند اللون 7 و12 لونور، ويحدث القمر الكامل في 15 لون، ويتزامن الربع الأخير من القمر مع 22 لون 12 لونور.
ولكي تعوض هذه الساعة عن الفارق في مقياس الوقت بين الشهر القمري والشهر المقاس على الأرض، تدور عقاربها بسرعة أكبر بمقدار 1.6% تقريبًا من سرعة دوران عقارب ساعة الأرض.
لقد كان الدكتور فرانكلين سابقًا لعصره بكثير، فقد توصل عام 1970 إلى نفس النتيجة التي توصل إليها علماء الفضاء في هولندا في نوفمبر 2022:
«الوقت القمري المشار إليه في ساعة هيلبروس يطلق عليه (الوقت الشمسي المُقدّر بالقمري) أو (L.T)، ويُشبه الوقت العالمي (U.T) الذي يُعرف بغرينتش لدى علماء الفلك الناطقين بالإنجليزية، حُسب L.T لخط الطول الصفري على القمر الذي يمر عبر جيب ميدي، وفقًا لنظام الإحداثيات القمري الذي يعتمده الاتحاد الفلكي الدولي (IAU) منذ 1961. وعليه نقترح تقسيم القمر إلى مناطق زمنية محلية مشابهة للمناطق الزمنية القياسية هنا على الأرض، ستستند هذه المناطق إلى خطوط الطول 12 درجة مركزها خط الطول الصفري، وستُسمى بما لا لبس فيه بطريقة (المنطقة الزمنية بدرجة 36 شرقًا).
أفكار أخيرة
بعد تقديم الساعة اليدوية القمرية نالت الفضول الذي أملته هيلبروس، حتى أن الوقت القمري الصحيح كان يُعلن أربع مرات يوميًا على 549 محطة إذاعية تابعة لشركة ABC. وقد عُرضت ساعة قمرية في علبة زجاجية طوال عدة سنوات في الطابق الثاني من متحف هايدن للفلك، يُفترض النموذج الأولي وبجانبها رسالة شكر للدكتور فرانكلين من الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون، إذ يبدو أن هيلبروس قد رتبت تقديم ساعة قمرية خاصة للرئيس.
مع مرور الزمن قل الاهتمام بالساعة وهذا أدى إلى تلاشي هيلبروس أيضًا، وبعد سنوات من عمليات الشراء والبيع والاستحواذ المختلفة توقف إنتاج هذه الساعات نهائيًا. وعدد ساعات المعصم القمرية ليس معروفًا بالضبط، وللأسف يبدو أن الناس نظروا إلى الساعة الفريدة بوصفها تحفة فنية أكثر من أنها جهاز علمي مفيد.
من المؤكد أن أيًا من العلماء الذين شاركوا في اجتماع نوفمبر 2022 في هولندا للتفكير في توقيت القمر سيكونون مهتمين جدًا بفحصها الآن، لكن للأسف مكان النموذج الاولي غير معروف.
وقد أشار نعي الدكتور فرانكلين الذي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز في 21 يونيو 2007، إلى أنه «ابتكر ساعة لمن يمشون على القمر، تقيس الوقت بما يسمى الأشهر القمرية وهي المدة التي يستغرقها القمر للدوران حول الأرض … ولم تصبح مبيعات الساعة ضخمة حتى الآن».
اقرأ أيضًا:
هل حقًا هبطنا على سطح القمر؟ وما دليل ذلك؟
ترجمة: حمداش رانية
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: لبنى حمزة