منذ نحو 350 ألف سنة سار الإنسان العاقل على كوكب الأرض بأيدي الرئيسيات وأدمغتها التي ورثناها عن أسلافنا، وبفضولنا الذي تجاوز حدود سمائنا الزرقاء، استطعنا الآن اكتشاف مناطق لا يمكن تخيلها من الفضاء الشاسع.
لقد كانت اكتشافاتنا على مدى آلاف السنين مذهلة، فقد أوقفنا الزمن وحدقنا في بقايا الإشعاعات منذ نشأة الكون، واستطعنا صياغة نظريات تصف رياضيًّا كل شيء في المجال المادي، نحن نعرف الآن بدقة كيف تتحرك النجوم في الفضاء، وما هو موجود في أعماق الكوكب.
يثبت هذا صحة مقولة إننا نقف على أكتاف العمالقة، فالاكتشافات حاليًا أفضل من أي وقت مضى، لأننا استغللنا كل ما لدينا من اكتشافات سابقة لبناء معارفنا الخاصة.
قد يكون القرن الحادي والعشرين الوقت الأمثل لمحاولة فهم الكون، بسبب للمعرفة التراكمية التي اكتسبناها حتى الآن، وقدرنا نحن البشر إننا موجودون في هذا الكون الآن، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار العظيم.
الكواكب الخارجية exoplanets
افترض علماء الفلك لقرون وجود كواكب خارجية، أي خارج نظامنا الشمسي، ولكننا لم نمتلك ما يكفي من التكنولوجيا لاكتشافها.
لكن في يناير 1992 اكتشف الفلكيان ألكسندر وولشن وديل فرايل كوكبًا خارج مجموعتنا الشمسية، يدور حول نجم نابض يبعد 2300 سنة ضوئية ويُسمىPSR B1257 +12 .
منذ ذلك الحين، رُصد أكثر من 4000 كوكب خارج المجموعة الشمسية في مجرة درب التبانة، إضافةً إلى أكثر من 5000 مرشح إضافي (لم يُرصد أي كوكب خارج المجرة بعد، لكنها مسألة وقت).
إضافةً إلى كواكب مجموعتنا الشمسية: العمالقة الغازية المشتري وزحل، والكواكب الجليدية نبتون وأورانوس، والكواكب الصخرية الأرض والمريخ وعطارد والزهرة، اكتُشفت أنواع أخرى من الكواكب الخارجية غير الشائعة في مجموعتنا الشمسية، مثل نبتون الصغير mini-Neptune، والمشتري الحار hot Jupiters أو ما يُسمى العمالقة الغازية التي تدور دورانًا غير مستقر بالقرب من نجومها.
طورت هذه الاكتشافات المتتالية إلى حد كبير فهمنا للأنظمة الكوكبية، وتعمقت معرفتنا بكوكبنا الذي دعم تطور الحياة لمليارات السنين.
تُرصد حاليًا كواكب جديدة بفضل التقنيات المتطورة مثل الجيل الجديد من تكنولوجيا TESS التي أُطلقت العام الماضي، وCHEOPS الذي أُطلق في ديسمبر 2019 الماضي، إضافةً إلى مشروع PLATO المُزمع عام 2026.
القمر يحجب الشمس
هل لاحظت في أثناء كسوف الشمس إنه رغم ضخامة الشمس وضآلة حجم القمر مقارنةً بها، فإن القمر يحجب الشمس بدقة؟ إنه شيء مثير للدهشة بالفعل.
تكمن الإجابة في فرق الحجم والمسافة بين الجرمين، إذ يبلغ قطر الشمس نحو 400 ضعف قطر القمر، وتبعد عن الأرض 400 ضعف المسافة بين الأرض والقمر كذلك!
لذلك يبدو الشمس والقمر متماثلان في الحجم، لكن ليس دائمًا، لأن مدار القمر حول الأرض بيضاوي الشكل، ما يعني أنه يقترب من الأرض أحيانًا ويبتعد عنها أحيانًا أخرى، هذا اختلاف يُقدر بـ50 ألف كيلومتر.
يؤدي هذا إلى نوعين من الكسوف الشمسي: الكسوف الكلي total eclipse إذ يحجب القمر الشمس تمامًا لأنه يبدو أكبر منها قليلًا، والكسوف الحلقي annular eclipse وهو الأكثر شيوعًا، إذ تظهر الشمس كأنها حلقة حول حواف القمر.
ولأن القمر يحجب سطوع قرص الشمس تمامًا في الكسوف الكلي، يتيح لنا رصد أجرام جديدة لا يمكننا رؤيتها عادةً بسبب سطوع الشمس.
لماذا نحن محظوظون؟ يبتعد القمر عن الأرض بمعدل 3.80 سم سنويًّا، أي إنه بعد 600 مليون سنة لن يحدث كسوف كلي للشمس، لأن القمر سيكون أصغر من أن يحجبها.
رصد ثقب أسود
سنة 1783 اقترح عالم الرياضيات الإنجليزي جون ميشيل فرضية وجود الكتلة نظريًّا بكثافة هائلة إلى درجة عدم السماح للضوء بسرعته الرهيبة بالهرب منها، ومنذ ذلك الحين كانت الثقوب السوداء مجرد فكرة نظرية.
سنة 1978 صمم عالم الرياضيات الفرنسي جان بيير لومينيت محاكاةً رياضية استنادًا إلى النسبية العامة، صور فيها نموذجًا يحاكي ثقبًا أسود، ومنذ ذلك الوقت أصبحت عمليات محاكاة الثقوب السوداء في تزايد مستمر.
وفي العام الماضي، توصل مشروع Event Horizon Telescope إلى أول صورة مباشرة للثقب الأسود الهائل الواقع في وسط المجرة M87، على بعد 55 مليون سنة ضوئية.
أثبت ذلك صحة محاكاة لومينيت وتوقعات أينشتاين، إذ توضح الصورة أن الضوء المتجه إلينا أكثر سطوعًا من الضوء المتجه بعيدًا، ما يؤكد وجود مادة تدور حول الثقب الأسود.
حلقات زحل
لو عدنا في الزمن نحو 4.5 مليار عام، أي إلى وقت تشكل مجموعتنا الشمسية، سنلاحظ اختلافات يمكن رصدها تجريبيًّا. وفقًا لبيانات كاسيني فإن الحلقات المحيطة بكوكب زحل تمطر عليه بوتيرة تتسارع بدرجة مذهلة، يقول الفلكي جيمس أودونوغو من مركز جودارد للفضاء التابع لناسا: «يستنزف هذا المطر الدائري حلقات زحل، تستطيع هذه الأمطار ملء حوض سباحة أولمبي في نصف ساعة، وبهذا المعدل ستختفي الحلقات بالكامل في غضون 300 مليون سنة، أما الحلقات الإضافية التي رصدتها كاسيني قرب خط استواء زحل فعمرها أقل من 100 مليون سنة».
يعني هذا أنها تكونت في العصر الطباشيري، لكن هذه السنوات الطويلة لا تتجاوز طرفة عين في عمر الكون.
يعتقد العلماء أن المشتري كان لديه سابقًا حلقات كثيفة مثل زحل، لكنها اتحدت معًا لتشكل أقمار غاليليو، وليس لديه الآن سوى بضع حلقات رقيقة شاحبة.
لا نعرف بالضبط كيفية تشكل حلقات الكواكب، ولكن وجودنا على الأرض في هذا الوقت، بينما ما تزال مراحل متعددة من عمر الحلقات في النظام الشمسي، يتيح لنا دراسة أسرارها بتمعن.
أمواج الجاذبية (الأمواج الثقالية)
توقع ألبرت أينشتاين في نظريته النسبية العامة سنة 1915 أن التصادمات الفائقة بين الأجسام فائقة الكتلة تسبب موجات تنتشر عبر نسيج الزمكان، مثلما تنتشر تموجات الماء على سطح البركة نتيجة رمي صخرة.
وبعد 100 عام، في 14 سبتمبر 2015، اكتُشفت للمرة الأولى موجات الجاذبية الناتجة عن تصادم ثقبين أسودين، لا يثبت ذلك وجود موجات الجاذبية فحسب، بل يثبت وجود الثقوب السوداء أيضًا.
فتح الاكتشاف المذهل مجالًا جديدًا في علم الفلك، ورُصد العديد من تصادمات الثقوب السوداء، إضافةً إلى تصادم مذهل بين نجمين نيوترونيين، وتصادم نجم نيوتروني وثقب أسود، ما يؤكد فرضية وجود أنظمة ثنائية من نجم نيوتروني وثقب أسود، ويعطينا المزيد من المعلومات حول سلوكها وطريقة تشكلها.
يبحث الفلكيون بشغف الآن عما يُسمى الفجوة الكتلية mass-gap، إذ تبلغ كتلة النجم النيوتروني 2.5 ضعف كتلة الشمس بحد أقصى، وتبلغ كتلة الثقب الأسود 5 أضعاف كتلة الشمس بحد أدنى، فماذا يوجد بينهما؟ لكنه ما زال مشروعًا مستقبليًّا.
الغوص في الزمن واستكشاف الفضاء
يبدو مستقبل مجال تكنولوجيا الفضاء مشرقا جدًا، وسيتاح للأجيال القادمة العديد من التقنيات الحديثة الفضائية والأرضية، مثل مرصد أمواج الجاذبية LISA، وتلسكوبJames Webb Space ، وغيره من المراصد الحديثة، وتلسكوب ماجلان العملاق وتلسكوب Square Kilometer Array، إضافةً إلى هابل.
هذا إلى جانب بعثات استكشاف الكويكبات، ومشروع ناسا المستقبلي لإرسال مسبار إلى القمر يوروبا بحثًا عن علامات حياة محتملة. أيضًا من المخطط عودة البشر إلى القمر قريبًا، وإرسال البعثات البشرية إلى سطح المريخ.
نحن الآن مثل طائر في مرحلة تعلم التحليق، الفضاء من حولنا شاسع ونحن نمتلك الطموح والقدرات الكافية لاكتشاف أعماقه.
اقرأ أيضًا:
فوياجر 2 توشك على الخروج من النظام الشمسي للسفر بين النجوم
تلسكوبات ناسا تكتشف الغلاف الجوي الغريب لكوكب خارج المجموعة الشمسية
ترجمة: ياسمين نصر الله
تدقيق: بدر الفراك
مراجعة: أكرم محيي الدين