تتزايد الأدلة التي تشير إلى أن الرجال أكثر عرضةً للإصابة بكوفيد-19 مقارنةً بالنساء، وأن احتمال وفاتهم نتيجة الإصابة أكبر. وكغيره من الأمراض الفيروسية المعدية، فالهرمونات الجنسية قد تؤدي دورًا مفسرًا لآليات الإصابة. منذ تفشي جائحة كورونا، لاحظ العلماء أن خطر الإصابة لدى الرجال أكثر من النساء، وتنوعت التبريرات بين البيولوجية والسلوكية، مثلًا، اقترح أحد التفسيرات أن انتشار التدخين بين الذكور سبّب انتشار العدوى أكثر بينهم. لكن الأدلة الحديثة أشارت إلى الدور المهم الذي قد تؤديه الهرمونات الجنسية.
اقترح بحث حديث أن للدور الدفاعي الذي قد تؤديه الستيرويدات الأنثوية مثل الإستروجين والبروجسترون، عبر خصائصها المضادة للالتهابات، آثارًا إيجابية في الجهاز المناعي، ونشرت مجلة Trends in Endocrinology & Metabolism هذا البحث، الذي أشار إلى دور الستيرويدات التي يفرزها جسم الأنثى في تقليل خطر الإصابة وشدتها لديهنّ مقارنةً بالرجال. ما يفسر أيضًا انخفاض خطر وفاة الحوامل تأثرًا بالإصابة، وذلك لارتفاع نسب الستيرويدات لديهن.
تبلورت هذه الفكرة إثر ملاحظة بينَّا تزايد نسب إصابة الحوامل بعد ولادتهن بكوفيد-19، نتيجةً للتغيرات الهرمونية بعد الولادة، من انخفاض حادّ في مستويات الإستراديول والبروجسترون والألوبريجنانولون، وبحث بينّا في الدور الذي قد تؤديه الستيرويدات الجنسية في التخفيف أو الحماية من كوفيد-19.
أوضح بينّا: «يرتفع تركيز الهرمونات التي تساعد في تثبيت الحمل -مثل البروجسترون- إلى مئة ضعف في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. يقوم كل من الإستراديول والألوبريجنانولون والبروجسترون بوظائف مهمة في الوقاية من الالتهابات، وتشترك الستيرويدات الثلاثة في تهيئة جهاز المناعة، ما يشير إلى أن النساء الحوامل أصبحن أكثر عرضة للأعراض القاسية بعد الولادة، بل إن وضع بعضهنّ تطلب العناية المشددة، تأثرًا بالانخفاض الشديد في مستويات هذه الهرمونات».
من المعروف أن الستيرويدات الجنسية الأنثوية، الإستروجين والبروجسترون، إضافةً إلى مستقلب البروجسترون: الألوبريجنانولون، تحمل خصائص مضادة للالتهاب. تساعد هذه الهرمونات أيضًا الخلايا المناعية وتحفز إنتاج الأجسام المضادة، ما يدعم الاعتقاد أنها السبب الكامن وراء اختلاف استجابة الرجال والنساء للعديد من الأمراض الفيروسية، متضمنةً الإنفلونزا وسارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
تساهم الهرمونات الجنسية الأنثوية أيضًا في التخفيف من حدة أعراض الإصابة بكوفيد-19، لما تمتلكه من خصائص مضادة للالتهاب، وشمول تأثيراتها الجهاز المناعي، كإنعاشها حيوية الخلايا المناعية وإنتاج الأجسام المضادة. تسلط الدراسة الجديدة الضوء على الأدلة الداعمة لدور الهرمونات الجنسية في ترميم الخلايا الرئوية بعد الإصابة بالفيروس، ودورها في تثبيط مستقبلات ACE2، التي تُعد المنفذ الأساسي الذي يستخدمه فيروس سارس كوف-2 للولوج في الخلايا المضيفة.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ما ناقشته الدراسة من احتمال إسهام الهرمونات الجنسية الأنثوية في منع عاصفة السيتوكين، وهي حالة يفرط فيها جهاز المناعة في استجابته محاولًا السيطرة على العدوى، فيطلق العديد من السيتوكينات التي تزيد شدة الالتهاب. وهي من المضاعفات المعروفة للإصابة بكوفيد-19، خاصةً لدى الرجال، ما قد يؤدي إلى تراكم السوائل في الرئتين وتلف الأنسجة وفشل العديد من الأعضاء.
شرح بينّا هذا قائلًا: «يمنع البروجسترون والألوبريجنانولون فرط استجابة الجهاز المناعي والإصابة بالالتهاب، بوضع حد لعاصفة السيتوكين».
توصل بينّا إلى نتائجه بعد تأكيد أهمية الملاحظات السريرية في تحديد مستوى نجاح العلاج الهرموني بالبروجسترون والألوبريجنانولون لدى المصابين من الرجال والنساء الذين يعانون أعراضًا حادّة.
في يناير، أفاد منشور حول مرضى فيروس كورونا في ووهان بالصين أن 3 من كل 4 مرضى أُدخِلوا المستشفى كانوا من الذكور. ومنذ ذلك الحين، أكدت البيانات الواردة من مختلف أنحاء العالم الخطر المحدق بالرجال، سواء خطر الإصابة أو الوفاة جراء التقاط العدوى بكوفيد-19 مقارنةً بالنساء، ولم تتناول هذه الدراسات الأطفال. شرع العلماء الآن بالتحقيق في آليات عمل الفيروس القاتل، التي تتلخص في تحفيز الهرمونات الذكورية، ومنها الأندروجين والتستوستيرون، دخول الفيروس إلى الخلايا.
تدعم البيانات هذه الفرضية، متضمنةً نتائج أبحاث كوفيد-19 للرجال المصابين بسرطان البروستات، والدراسات المخبرية حول كيفية تنظيم الأندروجينات للجينات الرئيسية. تشير الملاحظات الأولية من إسبانيا إلى إدخال عدد متفاوت من الرجال المصابين بالصلع الذكري -المرتبط بنسبة عالية من الأندروجينات- المستشفيات تأثرًا بالإصابة بكوفيد-19. يعكف الباحثون الآن على اختبار العقاقير المثبطة لتأثيرات الأندروجينات، لاستخدامها في المراحل الأولى من الإصابة، سعيًا لإبطاء الانتشار الفيروسي وكسب بعض الوقت، ليستعيد الجهاز المناعي عافيته وقدرته على مهاجمة الفيروس.
وقد وثقت البيانات الوبائية من مختلف أنحاء العالم نتائج التقارير المبكرة حساسية الذكور للإصابة. ففي لومباردي-إيطاليا، مثلًا، شكل الرجال 82% من بين 1591 مريضًا أُدخلوا وحدات الرعاية المركزة في الفترة 20 فبراير – 18 مارس، وفقًا لتقرير دورية الجمعية الطبية الأمريكية. وتجاوز معدل الوفيات بين الذكور معدل الوفيات بين النساء لكل فئة عمرية بالغة في دراسة أخرى أجرتها الجمعية الطبية الأمريكية، التي شملت 5700 مريض بكوفيد-19 في مدينة نيويورك.
أفاد بحث بزيادة نسبة الرجال المصابين بالصلع من مرضى كوفيد-19 في المستشفيات. ويرتبط هذا النوع من الصلع بمستويات عالية من (ديهيدروتستوسترون-DHT)، وهو مستقلب رئيسي من التستوستيرون، في فروة الرأس. وفي دراسة أجريت في شهر إبريل، شملت 41 رجلًا من الرجال الإسبان الذين أُدخِلوا المستشفى للعلاج من كوفيد-19، تبين أن نسبة 71% منهم مصابون بالصلع، ووفقًا للتقديرات فإن 31-53% منهم من ذوي البشرة البيضاء.
قدمت عالمة الأحياء فاراناك فتحي، اختصاصية الخلايا الجذعية من جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية المزيد من الأدلة، إذ وجد فريقها رابطًا قويًا بين نسبة الأندروجينات النشطة في الدم وشدة الإصابة بكوفيد-19 ، في بيانات استخلصوها من مئات المرضى الذكور في المملكة المتحدة، ولم يجدوا هذا التأثير -الرابط- لدى النساء.
اقرأ أيضًا:
هل الاختبارات السريعة للكشف عن الأجسام المضادة لكوفيد-19 دقيقة ويمكن الوثوق بها؟
دور الميلاتونين في علاج كوفيد-19
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: حنين سلَّام
مراجعة: أكرم محيي الدين