يُعد الهبوط الناجح لمركبة تشاندرايان-3 نصرًا كبيرًا لبرنامج الفضاء الهندي، وللجهود الدولية المبذولة لاستكشاف القمر.
إن الحفاظ على سلامة المركبة الفضائية خلال الهبوط على سطح القمر يُعد مهمةً صعبةً للغاية. فقبل هذه المهمة بأيام فقط تحطمت مهمة لونا-25 الروسية، ما بدد الآمال في أول رحلة للبلاد إلى القمر منذ عام 1976؛ في الوقت الذي كانت فيه جزءًا من الاتحاد السوفيتي. في أبريل 2023 تحطمت أيضًا مهمة يابانية خاصة على سطح القمر.
هذا أحد الأسباب التي تجعل الهبوط الناجح لمهمة تشاندرايان-3 من قبل منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) أمرًا مميزًا للغاية.
حدث الهبوط في 23 أغسطس بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، ما يجعل الهند الدولة الرابعة فقط -بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والصين- التي تحقق هبوطًا موجهًا على سطح القمر. علاوةً على ذلك، تعد الهند أول من يهبط في مناطق بعيدة عن خط الاستواء القمري، على بعد حوالي 600 كيلومتر عن القطب. وذلك أمر مهم، إذ يُعتقد أن المناطق القطبية تحتوي على جليد يمكن أن يكون مصدرًا مساعدًا لرحلات استكشاف القمر في المستقبل؛ أي مصدرًا لمكونات وقود الصواريخ.
في وقت سابق، أُنزلت الوحدة المعنية بالهبوط للمهمة فيكرام -التي سميت تيمنًا بالفيزيائي فيكرام سارابهاي الذي يُعد مؤسس برنامج الفضاء الهندي- مركبةً جوالةً صغيرةً سوف تدرس الصخور والغبار القمري. ومن المفترض أن تستمر مهمة المركبة التي تعمل بالطاقة الشمسية مدة أسبوعين؛ أي حتى يحل الليل القمري في هذا الجزء من سطحه.
مثلما هو الحال في وكالتَي الفضاء الأميركية والروسية، تعلمت الوكالة الهندية ISRO من مهمات فاشلة سابقة. ففي سبتمبر 2019 تحطّمت مركبة الهبوط تشاندرايان-2 عندما لم يتمكن برنامجها من اكتشاف مشكلة في دوافعها وتصحيحها في أثناء هبوط المركبة على سطح القمر.
لقد أضاف مهندسو ISRO العديد من الأنظمة الاحتياطية إلى تشاندرايان-3، واختبروا بدقة أكبر كيفية استجابة المركبة الفضائية في حال ساءت الأمور.
من المقرر إطلاق عشرات البعثات إلى القمر في السنوات المقبلة. وستنطلق أولى هذه المحاولات في الأيام القليلة المقبلة؛ إذ تهدف اليابان إلى إرسال مركبة فضائية لاختبار تقنيات هبوط دقيقة.
من المثير حقًا، تصوير هذا الاهتمام الكبير بالقمر على أنه سباق فضائي جديد، إذ تتنافس الدول لتكون أول من يصل إلى معالم قمرية محددة. لكن مثلما لاحظ الكاتب عن الفضاء جاتان ميهتا هذا الشهر: «إن هذا ليس عصر الحرب الباردة والميزانيات محدودة، فلا أحد مستعد للمخاطرة بخسارة الأجهزة باهظة الثمن من أجل السفر أولًا والحصول على تفوق بسيط في أحسن الأحوال».
ومع ذلك، يمكن اعتبار رحلات استكشاف القمر بمثابة ميدان اختبار جديدة للعلوم والهندسة. فقد كشفت مهمات ISRO السابقة بالفعل علومًا قمريةً جديدةً.
في العام 2008، أُطلقت أول مهمة هندية إلى القمر، وهي المركبة المدارية تشاندرايان-1، التي ساعدت في تأكيد وجود مياه على القمر من خلال البيانات التي جمعتها أداة تابعة لوكالة ناسا كانت موجودة على متنها. وفي هذه الأثناء، يواصل الجزء المخصص للبقاء في مدار القمر التابع للمركبة تشاندرايان-2 على الرغم من تحطم مركبة الهبوط، يواصل رسم خريطة لسطح القمر بالإضافة لإجراء دراسة عليه. وإذا استمرت تشاندرايان-3 في العمل جيدًا، فسوف تقوم بجمع بيانات عن كيمياء ومعادن سطح القمر.
صرح يوري بوريسوف؛ المدير العام لوكالة الفضاء الروسية روسكوزموس، لوسائل الإعلام الرسمية هذا الأسبوع أن فشل المهمة القمرية الروسية حدث بسبب توقف البرنامج القمري للبلاد لمدة خمسة عقود تقريبًا، ما أدى إلى ضياع الخبرة اللازمة للوصول إلى القمر.
قامت منظمة أبحاث الفضاء الهندية بالبناء على إنجازاتها، إضافةً إلى تعزيز موهبتها الهندسية، على الرغم من أنها رفضت الكشف عن المبلغ أو مدى ضآلة المبلغ الذي أنفقته على تشاندرايان-3.
قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي انضم إلى الملايين من الناس في أثناء مشاهدة الهبوط الأخير: «إن هذا النجاح ملك للبشرية جمعاء، وهو بلا شك إنجاز ممتاز للعلماء والمهندسين في الهند عبر أجيال عديدة».
اقرأ أيضًا:
هل توجد حياة على سطح القمر؟ رحلة ناسا القادمة ستكشف لنا ذلك
لماذا يُعد الهبوط على سطح القمر أمرًا بالغ الصعوبة؟
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: منال توفيق الضللي