الميتوكوندريا هي بنيات متخصصة تتواجد في خلايا الحيوانات ، والنباتات ، والفطريات. وتعتبر بمثابة بطاريات تعمل على تشغيل الوظائف المختلفة للخلية والكائن ككل، كما تحتوي على مجموعة خاصة من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA . وعلى الرغم من أن الميتوكوندريا هي جزء لا يتجزأ من الخلية، فإن الأدلة تظهر أنها تطورت في الخلية حقيقية النواة عن البكتيريا البدائية.
البداية:
لجميع الكائنات الحية بنية أساسية واحدة، وهي الخلية. تشكل الخلية الواحدة كائنًا بأكمله في بعض الحالات. تحتوي الخلايا على مواد جينية -(الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA)، و(الحمض النووي الريبوزي – RNA)- وتقوم بوظائف أساسية مثل التمثيل الغذائي (الأيض أو الاستقلاب) وتصنيع البروتين. كما أن الخلايا قادرة أيضًا على التكاثر الذاتي . ولكن مستوى تنظيم هذه العمليات يتغير عبر الأنواع المختلفة للكائنات الحية. وبناءً على هذه الاختلافات، تنقسم الكائنات إلى مجموعتين: (حقيقيات النواة – Eukaryotes) و(بدائيات النواة – Prokaryotes).
النباتات، والحيوانات، والفطريات كلها حقيقية النواة، إذ تُغلف المواد الوراثية ضمن (النواة المركزية – Nucleus)، بالإضافة لوجود مكونات خلوية متخصصة تدعى (العضيات – Organelles) تقوم كل منها بتنفيذ مهمة محددة. ومن هذه العضيات الميتوكوندريا، الشبكة الإندوبلازمية الداخلية الخشنة، وأجهزة غولجي، والتي تقوم مجتمعةً بمهام توليد الطاقة وتصنيع البروتينات وتجميعها ونقلها لأجزاء مختلفة داخل الخلية الخلية وخارجها. كما أن النواة والعضيات في الخلايا حقيقية النواة محاطة بأغشية تنظم دخول وخروج البروتينات والإنزيمات والمواد الخلوية الأخرى من العضية وإليها.
أما بدائيات النواة، فهي كائنات وحيدة الخلية مثل البكتيريا و(العتائق – archaea)، تكون أقل تنظيمًا من الخلايا حقيقية النواة. تتواجد المادة الوراثية حرة داخل الخلية، كما أنها تفتقر للعديد من العضيات المحددة بالأغشية الموجودة في الخلايا حقيقية النواة. وهكذا لا تحتوي بدائيات النواة على الميتوكوندريا.
التركيب – Structure:
في مراجعة أجرتها مجلة بيولوجيا الخلية عام 1981 لتاريخ الميتوكوندريا، لاحظ المؤلفان لارس إرنستر وغوتفريد شاتز أن أول رؤية للميتوكوندريا كانت من قبل ريتشارد ألتمان في عام 1890، عندما وصفها بأنها «بيوبلاست – bioblasts»، ثم أُعطيت الاسم من قبل كارل بيندا في عام 1898 استنادًا إلى ملاحظاته في تطور الحيوانات المنوية، فاستطاع منح توصيف بصري دقيق للميتوكوندريا.
و«الميتوكوندريا» مشتقة من كلمتين يونانيتين: «ميتوس – mitos» وتعني الخيط، و«الكوندر – chondor» تعني الحبيبة. وكما وصفتها كارين هالز أستاذة علم الأحياء في كلية دافيدسون في مجلة Nature Education، فإن هذه العضيات ديناميكية وتندمج باستمرار لتشكل سلاسل ثم تتفكك.
تكون الميتوكوندريا الفردية على شكل كبسولة بغشاء خارجي وغشاء داخلي متموج على شكل طيات غشائية تسمى (الأعراف – cristae) وتساعد على زيادة المساحة الكلية للغشاء. يكون الغشاء الخارجي أكثر مسامية وأقل انتقائية للمواد التي يسمح بدخولها. و(الماتريكس – matrix) يعتبر الجزء المركزي للعضية ويكون محاطًا بما يدعى (الأعراف – cristae)، كما أنه يحتوي على الإنزيمات و الحمض النووي الميتوكوندري.
تختلف الميتوكوندريا عن معظم العضيات -باستثناء الصانعات الخضراء النباتية- في أنها تمتلك مجموعة خاصة بها من (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين – DNA) والجينات التي ترمز لبروتيناتها.
لوحظت الميتوكوندريا النباتية لأول مرة من قبل فريدريك ميفز في عام 1904. وفي حين أن الميتوكوندريا النباتية والحيوانية لا تختلفان في بنيتيهما الأساسيتين، فإن مورثاتهما مختلفة تمامًا كما أنهما تختلفان في الحجم والبنية.
ويبلغ حجم الجينوم الميتوكوندري في معظم النباتات المزهرة حوالي 100,000 زوج قاعدي، ويمكن أن يصل إلى 10 ملايين زوج قاعدي، في حين يتراوح حجم الجينوم الميتوكوندري لدى الثدييات بين 15 إلى 16 ألف زوج قاعدي.
الوظيفة – Function:
تتمثل المهمة الرئيسية للميتوكوندريا في استقلاب أو تحطيم الكربوهيدرات والأحماض الدهنية من أجل توليد الطاقة. تستخدم الخلايا حقيقية النواة الطاقة على شكل جزيء كيميائي يسمى (أدينوسين ثلاثي الفوسفات – ATP).
يحدث توليد أدينوسين ثلاثي الفوسفات داخل مصفوفة (ماتركس) الميتوكوندريا، رغم أن الخطوات الأولية لعملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات (الجلوكوز) تحدث خارج العضية (الميتوكوندريا). وفقًا لجيفري كوبر في كتاب «الخلية: نهج جزيئي» عام 2000، فإن الجلوكوز يحول في البداية إلى (بيروفات – pyruvate) ثم ينقل إلى الماتركس، في حين أن الأحماض الدهنية تدخل الميتوكوندريا دون تغيير.
ينتج أدينوسين ثلاثي الفوسفات عبر دورة من ثلاث خطوات مرتبطة ببعضها البعض. أولًا، تحول البيروفات والأحماض الدهنية إلى معاون إنزيمي يعرف باسم أسيتيل CoA باستخدام الإنزيمات الموجودة في المصفوفة. ليصبح ذلك بعد الأستيل CoA مادة البدء للتفاعل الكيميائي الثاني المعروف باسم دورة حمض الستريك أو دورة كريبس.
وتنتج هذه الخطوة الكثير من ثاني أكسيد الكربون وجزيئين إضافيين هما (ثنائي نيوكلوتيد الأدينين وأميد النيكوتين المختزل – NADH) و(ثنائي نيوكلوتيد الفلافين والأدينين المختزل – FADH2) وهما غنيان بالإلكترونات. ثم ينتقل الجزيئان إلى الغشاء الداخلي للميتوكوندريا وتبدأ الخطوة الثالثة: الفسفرة التأكسدية. وفي هذا التفاعل الكيميائي الأخير يعطي (ثنائي نيوكلوتيد الأدينين وأميد النيكوتين المختزل – NADH) و(ثنائي نيوكلوتيد الفلافين والأدينين المختزل – FADH2) الإلكترونات إلى الأكسجين، مما يهيئ الظروف لتشكيل ATP.
كما أن هناك وظيفة ثانوية للميتوكوندريا، هي تصنيع البروتينات التي تحتاجها، فتعمل بشكل مستقل وتقوم بنسخ من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين إلى الحمض النووي الريبوزي، وترجمة الحمض النووي الريبوزي إلى الأحماض الأمينية -اللبنات الأساسية للبروتين- دون استخدام أي من مكونات الخلية.
أصول الميتوكوندريا: نظرية Endosymbiont أو التعايش الداخلي:
في الورقة البحثية «حول أصول تخليق الخلايا» عام 1967 التي نشرت في مجلة علم الأحياء النظري اقترحت العالمة لين مارغوليس نظرية لشرح كيفية تشكيل خلايا حقيقية النواة مع عضياتها. واقترحت أن الميتوكوندريا والصانعات الخضراء النباتية كانت خلايا بدائية النواة حرة ثم ابتلعتها خلية حقيقية النواة بدائية.
تعرف الآن فرضية مارغوليس باسم (نظرية التعايش الداخلي). حين تبدأ خليتان بالعيش معًا ويتبادلان نوعًا من الركائز أو المستقلبات -ناتج التمثيل الغذائي، مثل ATP- بحيث تصبحان مجبرتين على العيش معًا، ولا تستطيع الخلية المضيفة العيش بشكل منفصل.
ووفقًا لمقالة عام 2012 عن تطور الميتوكوندريا كتبها مايكل غراي في مجلة Cold Spring Harbour Perspectives in Biology، اعتمدت مارغوليس في فرضيتها على اثنين من الأدلة الرئيسية، أولهما احتواء الميتوكوندريا على الحمض النووي الخاص بها، والثاني استطاعة هذه العضيات ترجمة الرسائل المشفرة في جيناتها إلى بروتينات دون استخدام أي من موارد الخلية حقيقية النواة.
ولقد أثبت تسلسل الجينوم وتحليل الحمض النووي للميتوكوندريا أن مارغوليس كانت محقة حول أصل الميتوكوندريا، فقد اكتشف نسب العضية إلى سلف بكتيري بدائي يعرف باسم alphaproteobacteria (α-proteobacteria).
على الرغم من تأكيد توارث الميتوكوندريا من البكتيريا فإن نظرية endosymbiont لا تزال قيد البحث. أحد أكبر الأسئلة في الوقت الحالي هو «من هي الخلية المضيفة التي استضافت تلك البكتيريا؟»، وكما لاحظ غراي في مقالته، فإن السؤال الآن في ما إذا كانت الميتوكوندريا نشأت بعد أن نشأت الخلية حقيقية النواة -كما افترضت في نظرية endosymbiont- أو أن الميتوكوندريا والخلية المستضيفة قد ظهرتا معًا في الوقت نفسه.
اقرأ أيضًا:
- هل يؤدي تطور المتقدرات لظهور أنواع جديدة من الكائنات؟
- لماذا تمتلك المتقدرات حمضا نوويا خاصا بها ؟
- دراسةٌ قلبت المفاهيم: يمكن للحمض النووي الميتوكوندري أن يورَّث من الأب لأبنائه
- إنجاز هائل: العلماء يعكسون الشيخوخة في خلايا بشرية نمت بالمختبر
ترجمة: أحمد علي.
تدقيق: علي فرغلي.