تسارعت الإصدارات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الفترة الماضية ففي نوفمبر 2024 وحده أعلنت كل من شركتي جوجل وأوبن إيه آي عن إصدارات مهمة جدًا في هذا المجال، والوتيرة السريعة والنشاط المكثف أدهشا خبراء الذكاء الاصطناعي، فالمنافسة بين الشركتين بدأت بالتصاعد.

أعرب أحد مستخدمي منصة X (تويتر) عن شعوره بالإرهاق نتيجة العدد الكبير من تحديثات الذكاء الاصطناعي خلال فترة زمنية قصيرة، إذ ذكر منشوره جميع الإصدارات الحديثة التي نُشرت في وقت واحد، مثل Gemini Flash 2.0، وميزة مشاركة الشاشة الجديدة لـ Chat GPT، وDeep Research، وPika 2، وSora، ومشاريع ChatGPT، وAnthropic Clio. تركت هذه الإصدارات الناس في حالة من الدهشة في ظل هذا التطور المستمر والسريع.

تنتشر الشائعات بسرعة في عالم الذكاء الاصطناعي بسبب الطبيعة السريعة لتطوره. إذ كان من المتوقع أن تطلق OpenAI مجموعة كبيرة من المنتجات الجديدة في شهر ديسمبر، وقد أثارت في إعلانها عن فعالية (12 يومًا من OpenAI) التوقعات بإصدار سلاسل جديدة من التحديثات. في المقابل، عززت جوجل من جهودها، وبدت وكأنها تحاول التفوق على OpenAI بإطلاق إصدارات تنافسية.

ضجّت منصة X بآراء المستخدمين، ففي تغريدة فكاهية قيل أنّ موظفي الشركتين لا يستطيعون تتبع هذه الإصدارات، وتقول أخرى: الإصدارات السريعة لجوجل تجعل فعالية 12 يومًا وكأنها تمتد إلى 50، وشبّهت أخرى سرعة إصدار الشركتين لابتكاراتهما الحديثة بالشركات الناشئة.

وقد علّق جاستن موور بوصفه أحد المؤثرين في عالم الذكاء الاصطناعي باستخدام ميم (Meme) مشيرًا إلى تبنّي غوغل لمبدأ (فعل الأشياء وحسب) ما جعلها رائدة في إصداراتها المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

اندفاع جوجل في مجال الذكاء الاصطناعي

تستعرض فعالية (12 يومًا من OpenAI) سلسلة من التحديثات والإصدارات المهمة التي تهدف إلى تعزيز منظومتهم الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وتشمل هذه الإصدارات إطلاق النموذج الكامل o1، وهو نسخة محسنة من o1-preview، بالإضافة إلى النموذج o1-pro المصمم للمهام المعقدة المتعلقة بالاستدلال. وقدمت OpenAI أيضًا أداة Sora لتوليد الفيديو، ووسعت وظائف Chat GPT بميزة المشاريع (Projects)، وكشفت عن ميزات صوت متقدمة تتيح بث الفيديو. تعكس هذه التطورات سعي OpenAI لتوسيع عروضها وتقديم أدوات ذكاء اصطناعي أكثر قوة في مجالات متعددة.
ردت جوجل بإعلان سلسلة غير مسبوقة من إصدارات الذكاء الاصطناعي أهمها:

  •  Gemini 2.0 Flash: هو إصدار تجريبي لنموذج الذكاء الاصطناعي من جوجل يركز على السرعة والتفاعل، مصمم للتعامل مع أنواع مختلفة من المدخلات والمخرجات، ما يمكّنه من تقديم استجابات أسرع في سيناريوهات تتطلب تفاعلًا في الزمن الحقيقي.
  •  Veo 2: هو أداة متقدمة لتوليد الفيديو تتيح للمستخدمين إنشاء مقاطع فيديو 4K واقعية مباشرة من النصوص. يوفر خيارات قابلة للتخصيص لزاوية الكاميرا وتقنيات التصوير، ما يجعله مرنًا جدًا للاستخدام في حالات متعددة.
  •  Imagen 3: هو أحدث نموذج من جوجل لتحويل النصوص إلى صور بتفاصيل دقيقة، وإضاءة واقعية، وتركيب مدروس. يستطيع النموذج إنشاء صور بأساليب فنية متنوعة، ما يجعله مرنًا للاستخدامات الإبداعية المختلفة.
  •  Deep Research: هي ميزة متقدمة ضمن نموذج Gemini، مصممة للعمل كمساعد بحث. تساعد المستخدمين بجمع المعلومات وتركيبها حول مواضيع معينة، وإنشاء تقارير مفصلة ومنظمة جيدًا.
  •  Google Gemini Live: يبرز عرض هذه الميزة قدرات نموذج الذكاء الاصطناعي Gemini في التفاعل المباشر. يعرض كيف يمكن للنموذج التفاعل مع المستخدمين باستخدام أنواع متعددة من المدخلات، ومنها مشاركة الشاشة، والفيديو، ومدخلات الصوت.
  •  Whisk: هي أداة مصممة لمساعدة المستخدمين في إنشاء صور مخصصة بناءً على مواضيع، ومشاهد، وأساليب فنية محددة.
  •  تحديثات مشروع أسترا: التي تتعلق بالتحسينات على مساعد الذكاء الاصطناعي الوكيل المعلن عنه سابقًا. يعتمد هذا المساعد على نموذج الذكاء الاصطناعي Gemini 2.0 لتقديم استجابات فورية من خدمات جوجل المختلفة.

تتأثر صناعة الذكاء الاصطناعي كثيرًا ببعض المنتجات الحالية، وتحديدًا Google Deep Research و Veo 2 و Gemini Live. فكل من هذه الابتكارات متقدمة جدًا لدرجة هيمنتها على الأخبار شهرًا كاملًا ما بين التجارب والتغطية الإخبارية والتحليلات. ومع ذلك، أُصدرت بسرعة بدفعة واحدة من الإعلانات، وهذه الاستراتيجية السريعة تعني أن الصناعة ستحتاج إلى وقت لفهم تداعيات هذه المنتجات بالكامل، وستستمر النسخ المتنوعة والمنتجات الفرعية والتقنيات المنافسة في الظهور.

ومع إن الكثير من الناس يوجهون انتباههم إلى الإعلانات من جوجل و OpenAI، فتوجد إصدارات كبيرة أخرى تحدث ضجة مماثلة، خاصة في مجالات توليد الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي وأبحاث الذكاء الاصطناعي. قد يؤدي الحجم الكبير من الأخبار من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى أن تمر بعض التطورات المهمة دون أن يلاحظها أحد أو يغطيها.

باحث مستقل يعبر عن رأيه بجنون الذكاء الاصطناعي

اندهش سايمون ويليسون من الفيض غير المعتاد من الإصدارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في ديسمبر 2024 لأنه كان يتوقع فترة هادئة بسبب موسم العطلات. واعترف في مدونته أنه من الصعب فهم أو إدراك كل هذه الأنشطة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال هذا الشهر المزدحم.

يعتقد سايمون ويليسون أن الإصدارات السريعة للمنتجات في مجال الذكاء الاصطناعي هي في الغالب نتيجة للتنافس الشديد بين OpenAI وجوجل. فغالبًا ما كانت OpenAI تفاجئ الصناعة بإصدار منتجات غير متوقعة قُبيل إعلان جوجل عن منتجاتها من أجل التفوق على جوجل. لكن الوضع تغير الآن، ويبدو أن جوجل هي الرائدة في إصدار المنتجات الجديدة بسرعة، ما يغير الأمور لصالحها بدلًا من OpenAI.

لا تقتصر موجة إصدارات المنتجات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على جوجل و OpenAI فقط. أصدرت ميتا نموذج Llama 3.3 70B-Instruct في 6 ديسمبر، الذي يشير ويليسون إلى أنه يستطيع الآن محاكاة أداء GPT-4 على الأجهزة الاستهلاكية العادية. بالإضافة إلى ذلك، دخلت أمازون سباق الذكاء الاصطناعي في 4 ديسمبر بإصدار عائلة Nova من النماذج متعددة الأنماط بسعر يتنافس مباشرة مع سلسلة Gemini 1.5 من جوجل.

الذكاء الاصطناعي لا يتباطأ

حتى مع كل الشكوك التي أبداها بعض الخبراء حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في عام 2024، ما زالت وتيرة التقدم في هذا المجال تتسارع. أشار إيثان موليك الباحث التكنولوجي، في نشرته الإخبارية (شيء مفيد واحد)، إلى أنّ الشهر الماضي شهد تغييرات كبيرة في مشهد الذكاء الاصطناعي. خصوصًا في الأسبوع الأخير، أطلقت مختبرات الذكاء الاصطناعي سيلًا من المنتجات الجديدة، بعضها ثوري وأخرى تدريجية، ما يجعل مواكبة التطورات السريعة صعبًا على أي شخص.

منذ عام، كان يعد GPT-4 تقدمًا ثوريًا حين قدم لمحة عما قد يحققه الذكاء الاصطناعي في المستقبل. لكن الآن أصبحت قدرات الذكاء الاصطناعي المماثلة متاحة على أجهزة أبسط مثل الهواتف والحواسيب المحمولة. وبحسب تجربة إيثان موليك، النماذج الأحدث مثل o1 لا تتقدم بسرعة فحسب، بل أصبحت قادرة أيضًا على اكتشاف الأخطاء التي قد تفوتها عملية مراجعة الأقران الأكاديمية التقليدية، ما يبرز تطور نماذج الذكاء الاصطناعي وتعقيدها.

يراقب مجتمع الذكاء الاصطناعي اليوم كيف سيكون أثر نشاط شهر ديسمبر غير المعتاد في المشهد التكنولوجي في عام 2025. تشير التقدمات السريعة في الذكاء الاصطناعي القادرة على أداء المحاكمة المنطقية (Reasoning)، خاصة بالانتقال من الأدوات على مستوى المستهلك إلى النماذج الأكثر تقدمًا، لكن الصناعة تتحرك للأمام بوتيرة غير مسبوقة.

اقرأ أيضًا:

شات جي بي تي يدخل عالم الويندوز: تجربة ذكاء اصطناعي بين يديك

باحثون من شركة آبل: الذكاء الاصطناعي في الغالب مُجردّ وهم

ترجمة: آية شميّس

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر