كان عصر الفايكينغ يعج بالملوك الأقوياء، و لكن يعتقد الباحثون أن نساء الفايكينغ كذلك امتلكنَ مقدرة كبيرة على الحكم و بالأخص امرأة تدعى ثايرا.
كُرِّمَت الملكة ثايرا بتخليد أثرها على المنحوتات أكثر من أي شخصٍ آخر في عهد الفايكينغ في الدانمارك.
فكّ الباحثون رموز أربعة من الحجارة الرونية حديثًا وجميعها ذكرت اسم ثايرا، وُصِفَت فيها على أنها تمثل قوة وخلاص الدانمارك.
ربط الباحثون باستخدام المسح ثلاثي الأبعاد بين المنحوتات على الحجارة الرونية واحتدم نقاشهم على أن جميع هذه الصفات تصف الملكة ثايرا نفسها، ما يجعلها اسمًا رنانًا وعَلَمًا في تاريخ الفايكينغ.
لم يُذكَر أحد آخر في عصر الفايكينغ في الدانمارك على الأحجار الرونية -رجلًا كان أو امرأة- بنفس قدر الملكة ثايرا. حتى زوجها الملك غورم، وابنها الملك هارالد بلوتوث -الذي اعتقد الباحثون في البداية بدوره في تأسيس دولة الدانمارك- ليسا استثناءً.
وجود اسم الملكة ثايرا على أربعة أحجارٍ رونية يوضح أنها احتلت مكانة ونفوذًا سياسيًا بارزين بالإضافة إلى لعبها لدور أكبر من المتوقع في تأسيس الدانمارك.
دراسة الآثار:
امتدَّ عصر الفايكنغ من عام 800 إلى 1050 بعد الميلاد، وسَّع الملاحون الاسكندنافيون خلالها وجودهم في أوروبا بواسطة التجارة والغزو.
خلال هذه الحقبة نصبَ الفايكينغ أحجارًا رونية كبيرة لتخليد ذكرى الأشخاص المهمين الذين ماتوا. رسمهم الحرفيون على الصخور بألوان براقة ووضعوها في مناطق يتسنى للجميع رؤيتهم فيها. يوجد في الدانمارك قرابة 250 حجرًت رونيًا من عصر الفايكينغ.
يقع عرش الدانمارك الأول في بلدة جيلينغ، وهناك وجد علماء الآثار حجرين رونيين يذكران الملكة ثايرا التي عاشت خلال القرن العاشر الميلادي، ويوضح النَّص المكتوب على الحجر الروني الأول أن زوجها هو من أمر بصنعه، إذ ذكر فيه: «الملك غورم أعد هذا النصب التذكاري تخليدًا لذكرى زوجته ثايرا، قوة الدانمارك وخلاصها».
أما الحجر الروني الثاني فقد أنشأه ابنها هارالد عن والذي نسب الباحثون إليه في البداية تأسيس الدانمارك في حدود عام 965 ميلادي.
يقول النص على الحجر الروني: «أمر الملك هارالد ببناء هذا النصب تخليدًا لذكرى والده غورم ووالدته ثايرا، وقد امتلكَ هارالد جميع مناطق الدانمارك والنرويج وجعل سُكان الدانمارك يعتنقون المسيحية».
بالإضافة إلى هذا وجد علماء الآثار حجرين أثريين إضافيين في بلدتي باك ولابورج الدانماركيتين، ذُكرَ فيها اسما ثايرا ونحات الحجارة الرونية رافنونغ- تو. ذكرت حجارة لابورغ إن النحات رافنونغ- تو نحتَ الحجارة تخليدًا لذكرى ثايرا وقد وصفها بسيدته وملكته.
اختلف العلماء في مسألة إن كانت ثايرا المذكورة على حجارة باك ولابورج هي نفسها الملكة ثايرا المذكورة على حجارة مدينة جيلينغ، ولكن نشرت صحيفة إنتيكويتي في علم الآثار أن الباحثين تمكنوا باستخدام الماسح ثلاثي الأبعاد من تأكيد أن رافنونغ- تو هو على الأرجح نفسه نحات حجارة جيلينغ الرونية.
ناقش الباحثون فكرة أن ثايرا المذكورة في الحجارة الرونية الأربعة جميعها هي نفسها وأنها قد امتلكت منصبًا ونفوذًا لا يستهان به في عصر الفايكينغ في الدانمارك.
قوة الملكة ثايرا:
حقيقة إن ثايرا قد ذُكرت في حجارة رونية أكثر من أي أحدٍ آخر في عصر الفايكينغ في الدانمارك- وهذا يشمل ابنها الشهير- تدل على أنه كان لها دور أكبر مما نتخيل في تأسيس الدانمارك.
قالته ليزبيث إم. إيمير، باحثة خبيرة تعمل في المتحف الوطني للدانمارك والمؤلفة الأساسية للبحث الجديد: «لطالما ترأسَ الرجال الحياة الإدارية والسياسية في عصر الفايكينغ، لكن يبدو أن بعض النساء كذلك قد امتلكن القوة».
وأضافت: «لذلك، عوضًا عن النظر إلى مجتمع الفايكينغ كمجتمع ذكوري علينا أن نأخذ بعين الاعتبار النساء البارزات أو النبيلات ونضيفهم إلى المجموعات القوية».
يصعب تحديد دور ثايرا بالضبط نظرًا لقلة المصادر الأساسية، فالأحجار الرونية التي ذكرت ثايرا هي المصدر الوحيد المعروف من عصر الفايكينغ الذي يذكر الملكة.
قالت إيمير: «ذكر مؤرخو الدانمارك في القرن الثالث عشر ثايرا، وقد وصفوها ملكةً حكيمةً وذكية، على الأرجح بناءً على ما تناقلوه شفهيًا عن حياة ثايرا مما نجهله حاليًا».
وتابعت: «صوَّرتها كتب التاريخ الدانماركي في القرن التاسع عشر بطلةً، وكانت كالأم في عين الأُمّة».
نَسَبَ مؤرخا القرن الثاني عشر الراحلين: سفين أغيسين وساكسو غراماتيكوس إلى الملكة ثايرا فضل تأسيس الدانيفيرك، وهي سلسلة من التحصينات تدافع عن حدود الدانمارك الجنوبية. مقارنة بذلك، وصف هذان المؤرخان الملك غورم -الذي لم يخلده التاريخ بشيء سوى حجرٍ روني بناهُ الملك هارالد لوالديه- ملكًا ضعيفًا وكسولًا.
يشير الدليل على شهرة الملكة ثايرا إلى احتمالية أن نساء أخريات من الفايكينغ قد تقلدن مناصب سياسية بارزة، فقد قالت إيمير فيما يخص دراسة عصر الفايكينغ: «يجب ألّا نستبعد احتمالية أن النساء استطعن الحصول على القوة بمجهودهن».
اقرأ أيضًا:
تاريخ الفايكنغ.. حقائق وأساطير
لماذا اختفى الفايكنغ من غرينلاند
ترجمة: زينب العزاوي
تدقيق: حسام الدين طلعت
