يسوء حال مرضى السرطان الذين يخضعون للمعالجة المناعية وتقل استجابتهم للعلاج، إذ تقل فرص نجاتهم بشكل عام إن استخدموا المضادات الحيوية مؤخرًا. تأتي هذه النتائج من دراسة شملت حوالي 200 مريض بالسرطان في المملكة المتحدة، يأخذ هؤلاء المرضى نوعًا من العلاج المناعي يدعى مثبطات نقاط التفتيش checkpoint inhibitors، وهو جزء من مسار العلاج النموذجي في الخدمات الصحية الوطنية.
وجد الباحثون أن المرضى الذين أخذوا مضادات حيوية واسعة الطيف في شهر بدء العلاج؛ كانت لديهم استجابات أسوأ بشكل ملحوظ للعلاج المناعي.
ارتبط العلاج بالمضادات الحيوية قبل العلاج المناعي بانخفاض عام في نسب النجاة، إذ كان السرطان أكثر قابليةً للتقدم لدى المرضى بالمقارنة مع المرضى الذين أخذوا المضادات الحيوية جنبًا إلى جنب مع العلاج المناعي، أو المرضى الذين لم يأخذوا أية مضادات حيوية.
يقول الدكتور ديفيد بيناتو من قسم الجراحة والسرطان في الجامعة الملكية والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة: «تنهار نسب نجاة المرضى ومعدلات استجابتهم للعلاج المناعي عند التعرض للمضادات الحيوية قبل بدء العلاج».
يقترح الباحثون أن السبب هو أن المضادات الحيوية تُخل بتوازن البكتيريا والميكروبات في الأمعاء المسمى الميكروبيوم the microbiome، الذي يؤثر بدوره على النظام المناعي.
توضح الدراسة -التي قادها باحثون من الكلية الملكية في لندن ونُشرت في صحيفة JAMA للأورام- أهمية توقيت العلاج بالمضادات الحيوية والحاجة إلى دراسات أكثر لفهم الآليات المتعلقة بالموضوع.
يقول الباحثون أن النتائج لها القدرة على التأثير على طرق العلاج السريرية، ويشمل ذلك رفع عتبة إعطاء المضادات الحيوية لمرضى السرطان الذين يخضعون للمعالجة المناعية.
يقول الدكتور ديفيد: «يمكن أن تكون المعالجة المناعية للسرطان ناجحةً عند حوالي 20% من المرضى، ولكن من الصعب جدًا توقع أي من المرضى سيستجيب، وتضيف هذه الدراسة المزيد من الأدلة على أن المضادات الحيوية لها تأثير في ذلك. أظهرنا أن استجابة المرضى للعلاج المناعي ونسب نجاتهم تنهار عند التعرض للمضادات الحيوية قبل بدء العلاج».
الاستجابة المناعية
راقب الفريق في هذه الدراسة 196 مريضًا يتلقون العلاج المناعي لكونه جزءًا من العناية الروتينية في الخدمات الصحية الوطنية، وتعالجوا في الكلية الملكية للرعاية الصحية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية في تشيلسي وويستمينستر.
شملت الأمراض الرئيسية لهؤلاء المرضى سرطان الرئة غير صغير الخلايا وسرطان الجلد وسرطان الرأس والعنق والسرطانة وأنواعًا أخرى من السرطان. عولج كل المرضى بمثبطات نقطة التفتيش المناعية، يعرقل هذا العلاج قدرة الخلايا السرطانية على إخفاء نفسها ما يمكّن خلايا الجسم المناعية من استهداف الأورام وتدميرها.
راقبت الدراسة المرضى الذين عولجوا بمثبطات نقطة التفتيش المناعية، يعرقل هذا العلاج قدرة الخلايا السرطانية على إخفاء نفسها ما يمكّن خلايا الجسم المناعية من استهداف الأورام وتدميرها. (في الصورة تهاجم خلية فاتكة طبيعية natural killer (باللون الأحمر) خلية سرطانية (باللون الأزرق).
صنف الباحثون المرضى إلى مجموعتين: مجموعة أخذت مضادات حيوية واسعة الطيف في الثلاثين يومًا التي تسبق بدء العلاج المناعي، ومجموعة أخذت المضادات الحيوية خلال فترة العلاج، مع كون التهابات الجهاز التنفسي هي السبب الأشيع لوصف المضادات الحيوية.
تلقى ما مجموعه 26 مريضًا المضادات الحيويّة قبل بدء العلاج، بينما تلقى 68 مريضًا المضادات الحيوية خلال فترة علاجهم، وكان المتوسط الإجمالي للبقاء على قيد الحياة بعد العلاج 14.6 شهر.
وعلى كلٍ، فقد أظهر تحليل البيانات أن المرضى الذين أخذوا المضادات الحيويّة قبل بدء العلاج المناعي كان متوسط فترة بقائهم شهرين فقط، مقارنةً بأولئك الذين لم يأخذوا المضادات الحيويّة قبل العلاج، إذ كان متوسط فترة بقائهم 26 شهرًا. شوهد نفس التأثير في جميع أنواع السرطان.
بدا أن المرضى الذين أخذوا المضادات الحيوية قبل العلاج كانوا أقل استجابةً للعلاج المناعي، وتضاعفت إمكانية تقدم المرض الرئيسي لديهم. أظهرت الدراسة أيضًا أن هذا التأثير كان مستقلًا عن نوع المضاد الحيوي المستخدم.
شملت المضادات الحيويّة في هذه الدراسة مضادات بيتا-لاكتام beta-lactams، والكوينولون quinolones، الماكروليد macrolides، والسلفوناميد sulphonamides، والتتراسيكلين tetracyclines، وأمينوغليكوزيد aminoglycosides، ونيترو إيميدازول nitroimidazole.
التوقيت الحرج
وفقًا للباحثين، هناك حاجة ملحة للمزيد من العمل لفهم الآلية خلف الانهيار العام لفرص البقاء والاستجابة للعلاج. يعتقد الباحثون أن المضادات الحيوية واسعة الطيف قبل العلاج المناعي تُخل بتوازن الميكروبات في الأمعاء المعروف باسم الميكروبايوم، ما يقلل من تنوع الجراثيم الموجودة ويؤثر بقوة على الاستجابة المناعية للجسم.
وأضاف الدكتور بيناتو: «نعلم أن إعطاء المضادات الحيوية للمرضى يؤثر على الميكروبايوم الخاص بهم، وتظهر الأدلة بشكل متزايد أنه يؤثر على نتائج العلاج».
يعتقد الباحثون أن المضادات الحيوية قبل بدء العلاج المناعي للسرطان تُخل بتوازن الميكروبات في الأمعاء المعروف باسم الميكروبايوم ما يقلل من تنوع الجراثيم الموجودة ويؤثر بقوة على الاستجابة المناعية للجسم. في الصورة بكتيريا E.coli -عصوية الشكل- التي تشكل جزءًا من ميكروبيوم الأمعاء.
ووضح أيضًا: «من المهم أن يتلقى المرضى -الذين يحتاجون المضادات الحيوية لعلاج الإصابات البكتيرية- العلاج الذي يحتاجونه» « لكن تحثنا هذه النتائج على المزيد من الحذر في عملية اتخاذ القرار لبعض المرضى».
يثير هذا الأمر تساؤلاتٍ عما إذا كنا بحاجة إلى رفع عتبة إعطاء المضادات الحيوية لمرضى السرطان من أجل تلقي العلاج المناعي»
يسلط الفريق الضوء على بعض مشكلات البحث، منها عدد المرضى الصغير، وغياب المراقبة المباشرة لتغير ميكروبايوم الأمعاء. يضيف الباحثون أيضًا أنه من المستحيل حساب التأثير الكامل للحالات الطبية الأخرى التي قد تكون لدى المرضى -الاعتلال المشترك أو التواكب المرضي- وكذلك تأثيرها على فرص بقائهم. أيضًا يوضحون أنهم ما زالوا واثقين من وجود الرابط ومن الحاجة للمزيد من الدراسات للتوسع في هذه النتائج.
يهدف الباحثون الآن إلى إجراء المزيد من الدراسات لرؤية أي تأثير (إن كان موجودًا) لاستعمال المضادات الحيوية قبل العلاج على ميكروبايوم المرضى، في دراسة سريرية تحقيقية لاحقة ممولة من مركز الأبحاث الطبية البيولوجية الملكي NIHR. ويضيف الباحثون أن الدراسات في المستقبل يمكن أن تبحث فيما إذا كانت إعادة توازن الميكروبايوم أو زيادته يمكن أن يحسنا من نتائج المرضى.
اقرأ أيضًا:
المضادات الحيوية وعلاقتها بالحساسية
هل تسبب المضادات الحيوية الإجهاض؟
مقاومة الأدوية : هل يؤثر استخدام المضادات الحيوية في الحيوانات على صحة الإنسان ؟
ترجمة: عمار عبيد
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: أحلام مرشد