التقط العلماء صورة للمجرة الأبعد على الإطلاق (GHZ2/GLASS-z12)، تلك المجرة تبعد عنا نحو 13.5 مليار سنة ضوئية، أي أن الضوء الصادر منها لا يصل إلينا إلا بعد تلك المدة، وقد ثبت أنها أقدم مجرة رُصدت حتى الآن.
بدراسة الأكسجين الصادر من تلك المجرة، بواسطة مرصد مصفوفة أتاكاما المليمتري الكبير، اختصارًا «ألما»، استطاع الفلكيون تأكيد أن تلك المجرة نشأت بعد 367 مليون عام من الانفجار العظيم، حين كانت الإشعاعات الأولى في الكون منتشرة في الفضاء حولها.
تؤكد النتائج التي حصلنا عليها من مرصد «ألما» ما رصده تليسكوب جيمس ويب، وتمنحنا معلومات جديدة عن الكون المبكر، تلك التي تُطلعنا على أصل العناصر في الكون.
صرح الفلكي توم باكسيك من جامعة نوغويا في اليابان: «أظهرت الصور الأولى لتليسكوب جيمس ويب العديد من المجرات المبكرة، ويتعين علينا اختبار نتائجه باستخدام أفضل المراصد على الأرض. كان الأمر مثيرًا للغاية عندما تمكنَّا من تتبع ما رصده تليسكوب جيمس ويب، واختبار نتائجه في الوقت المناسب».
المجرة (GHZ2/GLASS-z12) رصدها تليسكوب جيمس ويب للمرة الأولى في يوليو الماضي، بعد فترة قصيرة من إطلاقه ورصده للأشعة تحت الحمراء في كوننا.
أفاد بحث نُشر في نوفمبر الماضي بأن تلك المجرة تعود إلى نحو 350 مليون عام بعد الانفجار العظيم ، أي إنها تطلعنا على حال الكون منذ 13.8 مليار عام.
كان الأمر رائعًا، لكنه ظل بحاجة إلى التأكيد بواسطة أداة أخرى.
لجأ فريق -بقيادة توم باكسي وجورجي زافالا من المرصد الفلكي الوطني الياباني- إلى مرصد ألما لمعرفة المزيد عن تلك المجرة القديمة.
بتوجيه مرصد ألما نحو المجرة، بدأ البحث عن البصمة الطيفية في الطيف الراديوي للأكسجين.
نظرًا إلى أن الأكسجين لا يستغرق الكثير من الوقت ليتكون، فمن الشائع استخدامه لمعرفة المزيد عن المجرات في الكون المبكر. عندما يتخلل الضوء الأكسجين، يُعاد إشعاعه في نطاق طول موجي محدد، فينتج الخط الأكثر إشراقًا في هذا الجزء من الطيف.
للكشف عن طيف انبعاث الأكسجين بالقرب من المجرة، شُغلت جميع الهوائيات الراديوية الخاصة بألما، البالغ طولها 12 مترًا وعددها 66 هوائيًا. أثبتت التحليلات والاختبارات الإحصائية أن الإشارة كانت حقيقية ومرتبطة بالمجرة.
أوضح باكسي: «في البداية كنا قلقين من الاختلاف البسيط الناشئ بين موقع انبعاث طيف الأكسجين وموقع رصد تليسكوب جيمس ويب للمجرة، لكن الاختبارات التفصيلية التي أجريناها أكدت النتائج».
قد تشير الاختلافات الطفيفة بين المجرة وانبعاث الأكسجين إلى انفجارات أو تفاعلات عنيفة تجعل المجرة تبعث كميات كبيرة من غازاتها، ما يؤدي إلى تطايرها في الفضاء بين المجرات.
أثبتت البيانات التي رصدها الفريق أن المجرة تعود إلى نحو 367 مليون عام بعد الانفجار العظيم، واعتمادًا على شدة إضاءة خط طيف الانبعاث، استطاعوا استنباط أن المجرة سريعًا ما كونت كميات كبيرة من عناصر أثقل من الهيدروجين والهيليوم.
في الكون المبكر قبل تكون النجوم، كان معظم الكون يتكون من الهيدروجين وكمية مماثلة من الهيليوم. وبعد نشأة النجوم، تكونت في أنويتها الساخنة الكثيفة العناصر الأثقل نتيجة اندماج الذرات معًا.
تظل تلك العناصر حبيسة داخل النجوم، إلى أن تموت النجوم وتنفجر فيما يسمى بالمستعرات العظمى، حينها تنتشر تلك العناصر في الفضاء.
يعطينا وجود الأكسجين مبكرًا في الكون بعض الأدلة حول تطور النجوم الأولى في الكون، تلك التي لم نتمكن بعد من رؤيتها مباشرةً.
صرح زافالا: «ذلك الرصد العميق الذي أثبته مرصد ألما، يؤكد أن المجرات قد نشأت بالفعل في غضون مئات ملايين السنين من نشأة الكون، وتؤكد صحة ما رصده تليسكوب جيمس ويب، الذي بدأ العمل لتوه، وقد عدَّلنا نماذجنا لكيفية نشأة المجرات في الكون المبكر ليطابق ما رصدناه. العمل التعاوني بين تليسكوب جيمس ويب ومرصد ألما يمنحنا الثقة للمضي قدمًا نحو معرفة الكون المبكر».
اقرأ أيضًا:
تلسكوب جيمس ويب يكسر الرقم القياسي لرصد أبعد مجرة في تاريخ البشرية
تلسكوب جيمس ويب يحطم رقمه القياسي، ويصور أبعد مجرة معروفة في التاريخ مجددًا!
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: أكرم محيي الدين