تتحرك الصفائح التكتونية الموجودة على كوكبنا ببطء أو تتدافع وتنزلق على طول حدود تسمى الصدوع، ونتيجة هذا الاحتكاك؛ قد تلتصق صفيحتان ببعضهما في مناطق معينة على طول الصدع، وعند تزايد الضغط وتراكمه على مدار سنوات أو عقود أو حتى قرون؛ يؤدي إلى انهيار الصدع فجأة فتنزلق الصفيحتان وتسببان الزلازل.
تنطلق الموجات الزلزالية إلى الخارج في جميع الاتجاهات، وعندما تصل إلى سطح الأرض تتسبب باهتزازات عنيفة واهتزاز جميع المباني بقوة، وقد تتسبب في انهيارها إذا كان الزلزال قويًا وقريبًا بما يكفي، مثل ما حدث في الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير عام 2023 وأعقبه هزات ارتدادية كبيرة في اليوم نفسه.
تسببت هذه الزلازل في مقتل أكثر من 45000 شخص، لقي عديد منهم حتفهم تحت الأنقاض.
مع أنه لا نستطيع منع حدوث الزلازل أو التنبؤ بها، فإن العلم لديه بعض الطرائق لحماية المباني والقاطنين فيها.
تحدثت مجلة العلوم الأمريكية مع عديد من الخبراء في هندسة الزلازل لمعرفة مزيد من المعلومات حول كيفية إنشاء مبان ومنازل ومكاتب ومنشآت أخرى بطريقة صحيحة مقاومة للحركات المتقلبة للأرض.
ماذا يحدث للمبنى في أثناء الزلزال؟
مثلًا، عندما تتوقف سيارة فجأة في أثناء سيرها، بينما يضغط السائق على الفرامل فإن الأشياء الموجودة على المقعد المجاور أو أي شيء غير مربوط بإحكام ستتطاير في الهواء بجهة السيارة وسرعتها نفسها، هذا بسبب مبدأ العطالة، هو ميل جسم للبقاء في حالة سكون أو الحفاظ على سرعة ومسار محددين ما لم تؤثر فيه أي قوى أخرى، الأمر ذاته هو ما يعرض المباني تمامًا للخطر في أثناء الزلازل.
تتحرك الأرض أسفل المبنى بسرعة ذهابًا وإيابًا في أثناء الزلزال، ولأن المبنى له كتلة فإنه يخضع لمبدأ العطالة.
يقول أرطغرل تاشير أوغلو مهندس مدني في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: «تهتز الأرض بسبب الزلازل ويحاول المبنى البقاء ثابتًا».
لكن فور حدوث الزلزال وبدء المبنى بالتحرك فإنه يستمر في السير باتجاه حركة الزلزال، ويكون دومًا متأخرًا عن حركة الأرض.
يولد هذا التباطؤ قوى عطالة أفقية على المبنى؛ ما يتسبب في تشوه أي أعمدة وجدران عمودية بزاوية (تنشأ على شكل متوازي الأضلاع من وجهة نظر مشاهد جانبي ينظر إلى مبنى مستطيل الشكل).
عندما يتألف المبنى من عدة طوابق فإن كل طابق يحمل ثقل الطابق الأعلى؛ ما يعني أن الطوابق السفلية يجب أن تتحمل قوى عطالة أكبر من الطوابق العليا، وإذا لم تُصمم الجدران والأعمدة بدقة أو تُدعّم جيدًا، فقد لا تكون قادرة على تحمل الوزن الذي كانت تحمله من قبل.
كلما كانت الزلازل أكبر وأقرب إلى السطح وكان المبنى أقرب إلى مكان تمزق الصدع، زادت قوى العطالة المؤثرة على هذا المبنى في أثناء الزلزال.
قد تؤدي أيضًا نوعية الأرض الموجود عليها البناء دورًا مهمًا في ثبات المبنى.
تزيد التربة اللينة من الحركات الأرضية مقارنة مع الصخور الصلبة.
كيف تُشيّد المباني حتى لا تنهار في أثناء الزلازل ؟
من أجل الحفاظ على سلامة المبنى في أثناء حدوث الزلازل يجب تشييده لمقاومة قوى العطالة الأفقية، ويعتمد ذلك على مواد البناء المستخدمة، إذ يوجد نوعان هما الأكثر شيوعًا: الأسمنت والحديد، وهما مادتان مستخدمتان بكثرة في المباني في المنطقة المتضررة في تركيا.
يُعد الأسمنت مادة قوية في الظروف الطبيعية لتحمل وزن المبنى لأنها مقاومة للضغط كما يرى المهندسون.
قد يصمد المبنى الأسمنتي لعقود إذا كان مدعمًا جيدًا ويتحمل وزنه فقط. مع ذلك، فإن قوى العطالة الناتجة عن الزلازل، التي تؤدي إلى تمايل الجدران والأعمدة العمودية، تعرّض الأسمنت للإجهاد على عكس قوة الضغط. مع أن القوى تحاول جعل الأسمنت يتمدد فإن ذلك لا يحدث.
يقول بيري أديبار، مهندس مدني في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا: «لا تسمح الزلازل للمبنى بالتحرك ولكنه يقاوم وتتولد قوى عطالة كبيرة».
قد تتصدع الأعمدة والجدران الأسمنتية المجهدة وتنهار في النهاية؛ لأنها لم تعد قادرة على تحمل الوزن فوقها.
لا يزال الأسمنت أكثر مواد البناء المستخدمة في العالم؛ لأنه رخيص ومتوفر ولديه القدرة على تحمل وزن البناء.
لجعل الأسمنت مناسبًا أكثر للمناطق النشطة زلزاليًا؛ يضيف المهندسون الفولاذ (على شكل حديد مسلح) لمرونته الكبيرة.
يقول أديبار: «يجب أن نضيف الفولاذ في المكان المعرض للإجهاد».
يكون الفولاذ أكثر مرونة عند تعرضه للإجهاد، مثلًا: عندما نشد سلك حامل الملابس ونتركه فنراه يعود الى شكله الأصلي قبل الشد.
يوضح أديبار أنه عند تعرض الفولاذ لإجهاد أكبر كما في حالة الزلازل القوية جدًا، فإن الفولاذ يصبح مثل البلاستيك ويتشوه.
مثلًا، عندما نشد سلك حامل الملابس بقوة أكبر فإنه سوف ينحني، وفي حالة وجود مبنى في أثناء الزلزال، فإن الفولاذ المشوه سوف يمتص قوى العطالة مع إمكانية تحمل الوزن أيضًا.
هل يعني هذا تضرر المبنى؟
في حالة الزلازل الكبيرة فإن المباني سوف تتضرر، وستتعرض المباني الأسمنتية المسلحة إلى أضرار جسيمة لدرجة أنها قد لا تصبح صالحة للاستخدام بعد الزلزال، وهذا يتعلق بطريقة وضع الحكومات لقوانين البناء التي تبين للمهندسين كيفية تصميم مبنى يتحمل حدًا معينًا من الاهتزاز في أثناء الزلزال.
تتطلب هذه القوانين بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة وتركيا أن يحقق المبنى ما يسمى (سلامة الحياة) في أثناء حدوث أبعد زلزال متوقع في منطقة ما.
تقول سيسي نيكولاو، مهندسة وباحثة في الزلازل في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا: «قوانين بناء الزلازل الموجودة حاليًا تحقق الحد الأدنى من المتطلبات، نحن نريد أن تمنحنا هذه المباني فرصةً للخروج منها على قيد الحياة، على الأقل عند حدوث الزلازل بفرض أنها قد تتعرض لأضرار جسيمة».
نستطيع تشبيه ذلك بحالة سيارة تتعرض لحادث، فإنها تمتص التأثير لحماية الركاب وتبقى مجمعة قطعة واحدة.
بالتأكيد يوجد معايير مختلفة للمباني أو البنية التحتية الأخرى الحساسة التي تحتاج إلى الاستمرار في العمل بعد الزلزال مثل المستشفيات.
بدأ الخبراء مثل نيكولاو في إعادة النظر بمعيار سلامة الحياة بحيث نستطيع استخدام مزيد من المباني بعد الزلزال، قد يؤدي ذلك إلى تفادي الحالات التي تتسبب بإخلاء الناس منازلهم لأشهر أو لسنوات.
يواجه عديد من الأشخاص في تركيا الآن هذا المصير، إذ يُظن أن عشرات الآلاف من المباني معرضة للانهيار نتيجة الزلزال في 6 فبراير 2023.
يوجد طرائق للحفاظ على المباني صالحة للسكن بعد الزلازل، تتطلب هذه الطرائق تصميمات ذكية مع استخدام مواد معروفة مثل الأسمنت المسلح، إضافة إلى مزيد من الأنظمة التكنولوجية، مثل: عزل القاعدة، بحيث لا يربط المبنى كاملًا بأساساته؛ أي يتوضع فوق هياكل مرنة تفصله عن الأساسات، وعن الأرض المهتزة.
هذا النوع من الأنظمة يزيد من تكاليف البناء، مع ذلك قد يرغب مالكو المباني بتحمل التكاليف.
استُخدم هذا النظام في الولايات المتحدة لحماية المباني المهمة مثل المستشفيات، وإدخال تعديلات على المباني التاريخية مع المحافظة على هندستها المعمارية الأصلية.
بعض المستشفيات في تركيا كان لديها أنظمة عزل القاعدة، وقاومت أمام الزلازل الأخيرة هناك.
لماذا قد ينهار المبنى حتى لو بُنِي على النحو الصحيح؟
صُمِمت المباني لتتحمل مستوى معينًا من الاهتزاز، وبناءً على المخاطر الزلزالية في موقعها.
مثلًا، سيُشيّد مبنى في لوس أنجلوس لتحمل زلزال أكبر من زلزال قد يحدث في مدينة نيويورك، لكن علماء الزلازل لا يعرفون دائمًا حجم الزلزال بالضبط الذي قد ينتجه الصدع.
يقول تاشير أوغلو: «تكمن الصعوبة الرئيسية في التصميم الهندسي في عدم التنبؤ بالزلازل المستقبلية؛ لأننا لا نعرف ما الذي سيحدث بالضبط».
كلما كان حجم الزلزال أكبر، كان حدوث الزلزال نادرًا؛ لأنها تحدث كل بضع مئات أو آلاف من السنين فقط، لكن القياسات الزلزالية الحديثة تعود إلى بضعة عقود فقط.
ظن كثير من علماء الزلازل أن صدع شرق الأناضول الذي تسبب في الزلازل في تركيا وسوريا قد ينتج عنه زلازل بقوة أقصاها 7.4 أو 7.5 لكن زلزال 6 فبراير 2023 كان بقوة 7.8، أي أكبر بنحو أربع مرات على المقياس اللوغاريتمي لقياس شدة الزلزال.
لذلك قد تكون بعض المباني التي بُنِيت وفق قوانين الزلازل في تركيا قد تعرضت ببساطة لقوة أكبر من المتوقع كما يقول تاشير أغلو.
تتطور قوانين البناء مع زيادة الوعي لمخاطر الزلازل والتغير الهندسي؛ لذلك قد لا يفي المبنى المنشأ في السابق بالمعايير الحديثة، وغالبًا ما يكون تعديل مثل هذه المباني مكلفًا جدًا، ويرجح تاشير أوغلو هذا السبب لتضرر عديد من المباني في تركيا بشدة وانهيارها.
قد يؤدي الخطأ البشري دورًا أيضًا ما بين التزوير لتحقيق أرباح غير مشروعة أو أخطاء حقيقية في مرحلة ما من عملية التصميم أو البناء، ولا تُكشف ما لم يحدث شيء مثل زلزال هائل.
اقرأ أيضًا:
هل استطاعت جوجل التنبؤ بحدوث زلزال قبل وقوعه؟
ترجمة: عمرو أحمد حمدان
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: عبد المنعم الحسين