تشير دراسة نظرية جديدة إلى أن الطبقة العلوية للغلاف الجوي للأرض قد تحتوي على قطعة مفقودة من الكون وهي المادة المظلمة dark matter، ويعتقد أنها تتلاطم فوق كوكبنا مثل الأمواج، ويُحتمل أن ينتج عنها موجات راديوية في الغلاف الجوي للأرض.

يحدث الشفق القطبي في الطبقة الأيونية للغلاف الجوي للأرض بسبب اصطدام الجزيئات الشمسية المشحونة بذرات الغلاف الجوي. يشير بحث جديد إلى أن هذا قد يكون أفضل مكان في الكون للعثور على المادة المظلمة الغامضة.

ذكر في ذلك البحث النظري الجديد أن الأرض ربما تسبح في الفضاء عبر محيط من المادة المظلمة، ومن المحتمل أن تولد الأمواج الموجودة في ذلك المحيط غير المرئي الذي يصطدم بالطبقة العلوية لغلاف كوكبنا موجات راديوية يمكن رصدها، وتسمح لنا أخيرًا بالعثور على هذا المكون المراوغ من الكون.

تشير مجموعة ضخمة من الأدلة الفيزيائية الفلكية والكونية إلى وجود المادة المظلمة، بدءًا من منحنيات الدوران غير المفسرة لبعض المجرات، ونهاية بنمو أضخم التراكيب والبنى في الكون. فشلت كل محاولات استخدام صيغ بديلة للجاذبية لتفسير هذا التنوع الواسع من المشاهدات، لذلك يرى الغالبية العظمى من علماء الفلك أن المادة المظلمة هي شكل غير معروف من المادة التي نادرًا ما تتفاعل مع الضوء أو مع المادة العادية.

لكن ذلك تصور عام جدًا يضم العديد من الاحتمالات. قد تكون المادة المظلمة مكونة من جسيمات ضخمة، لكن لم تتوصل عمليات البحث عن هذا النوع من الجسيمات إلى نتيجة. لذا فإن البديل المثير للاهتمام هو أن المادة المظلمة خفيفة بشكل استثنائي، إما في شكل جسيمات تُعرف نظريًا بإسم الأكسيونات axions، أو في شكل غير مألوف من الفوتونات التي لديها كتلة صغيرة.

يمكن للمادة المظلمة مع هذه الخفة المذهلة، التي هي أخف بملايين المرات من أخف الجسيمات المعروفة، أن تتصرف بطرق شديدة الغرابة، فهي -على وجه الخصوص- بدلًا من الظهور كنقاط فردية كالتي تسببها طلقات الرصاص، ستتصرف المادة المظلمة بشكل أشبه بالموجات الكبيرة التي تتلاطم حول الكون.

في دراسة حديثة نُشرت على خادم arXiv للمقالات العلمية، اكتشف الفيزيائيون نماذج للمادة المظلمة فائقة الخفة التي لم تكن مظلمة تمامًا، ما يسمح لها بالتفاعل مع المادة العادية بطريقة نادرة للغاية، وفي معظم الأحيان بالكاد تسجل هذه التفاعلات، ولا تنتج أي شيء يمكن اكتشافه. لكن تفاعلت المادة المظلمة والمادة الطبيعية في حالات نادرة بما يكفي لإنتاج كمية كبيرة من موجات الراديو.

اقترحت النماذج التي وضعها الفريق أنه قد يحدث هذا التفاعل عندما تصادف المادة المظلمة مادة البلازما، وفي ذات الوقت يتوافق تردد موجات المادة المظلمة مع تردد موجات البلازما، وعندها سيحدث ما يسمى بظاهرة الرنين «resonance»، ما يؤدي إلى تضخيم التفاعل وإنتاج إشعاع على شكل موجات راديو.

تنتشر البلازما في كافة ارجاء الكون، فكل النجوم ترسل البلازما إلى الفضاء على شكل رياح نجمية، لذلك اكتشف العلماء النظريون بالفعل إنتاج موجات الراديو بسبب تفاعل المادة المظلمة مع بعض الأوساط مثل الإكليل الشمسي أو فضاءات ما بين النجوم، لكن اكتشف العلماء في هذا البحث الجديد نقطة تفاعل أقرب بكثير إلى الأرض وهي الطبقة الأيونية ionosphere للغلاف الجوي لكوكبنا.

الطبقة الأيونية هي الطبقة الرقيقة والساخنة من الغلاف الجوي العلوي للأرض، وتتكون من مجموعة غير مترابطة من الجسيمات المتأينة (المشحونة) وهي البلازما، ومن الطبيعي أن تعبرها بعض الموجات. واكتشف الباحثون أن تلك الموجات قد تتفاعل مع موجات من المادة المظلمة الافتراضية التي من الوارد أن تغمر الأرض.

سيكون من الصعب رصد موجات الراديو الناتجة عن هذا التفاعل، لكن وجد الباحثون أنهم قد يستطيعون اكتشاف هذه الموجات إذا ضبطوا بعناية هوائي راديو واستخدموه للبحث عن تردد معين لموجات الراديو على مدار عام.

هذه الفكرة واعدة خصوصًا لأن الطبقة الأيونية للغلاف الجوي للأرض تقدم مزايا عديدة مقارنة بالمصادر الأخرى للموجات الراديوية الناتجة عن المادة المظلمة.
أولاً، تعكس الطبقة الأيونية بشكل طبيعي العديد من موجات الراديو الواردة من الفضاء الأعمق، ما يجعلها خاليًة نسبيًا من الإشارات الأخرى.
ثانيًا، تقع الطبقة الأيونية فوقنا مباشرة، ومن ثم يسهل الوصول إليها، وهي بالفعل موضع مراقبة ودراسة مستمرة.

تعد تلك الدراسة نظرةً عامةً للأمر، فهذا الشكل من المادة المظلمة نظري للغاية، وإجادة تقنية المراقبة للبحث عن موجات الراديو هذه ستستغرق سنوات، إن لم تكن عقودًا، ولكن إذا نجح الأمر، فسيكون بمثابة منجم ذهب، ما يسمح لنا بدراسة أحد أكثر العناصر غموضًا في الكون الموجودة على عتبة باب عالمنا.

اقرأ أيضًا:

وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون

ما هي المادة المظلمة؟

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر