لأكثر من عقد كامل تحير العلماء مما أطلقوا عليه التدفقات الراديويّة السريعة (FRBs)، التي عُرّفت بأنّها موجات راديويّة فوق صوتية لها ومضات قصيرة مُشعّة تحدثُ في السماء على مدار اليوم دون معرف مسبباتها.
ورغم الغموض الذي يدور حولها، تبقى إمكانية إعطائها معلومات عن المجرّات المجاورة لدرب التبانة واردة.
قدم علماء الفلك من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech في المؤتمر الأميركي للمجتمع الفلكي رقم 241 طريقة قياس كتلة مجرة التبانة بالاعتماد على التدفقات الراديوية السريعة (FRBs)، وعليه استُنتج وزنها وكان أقل مما هو متوقع.
إضافةً إلى ذلك، بنى العلماء محطات رصد سُميّت شعاع سينوبتيكي عميق (DSA)، وهي مجموعة من 110 محطة راديو هوائية تمركزت في وادي أوينز وسط كاليفورنيا؛ وذلك لتحسين دقة قياسات الـFRB عن طريق تحديد مواقع تمركزهم والمساعدة على التعرف على أسباب ومضاتهم.
يجب على هذا الشعاع أن يحجز مساحة كبيرة من السماء؛ بهدف زيادة احتمالية التقاطه أي رشقة FRB محتملة.
تؤدي هذه العملية إلى معالجة كميات ضخمة من المعطيات بصورة طبيعية؛ لهذا تكون الحواسيب قادرةً على معالجة 24 غيغابايت بالثانية الواحدة، وهو رقم بالغ الضخامة مقارنة بما عرفناه، وهذا يعادل تقريبًا سعة تخزينية لـ 28,000 فيلمًا من نتفلكس دفعة واحدة.
رغم قوة الـ DSA وإمكانيته بمثابته جهاز رصد، يأمل علماء الفلك بناء أجهزة رصد للـ FRB متقدمة جدًا وذلك على المنظور البعيد، إذ لُقبت مُسبقًا ب DSA-2000 وجاء الرقم 2000 تعبيرًا لعدد أجهزة الاستقبال المرتبطة بالشعاع والمُقرر تمركزها كلّها في صحراء نيفادا.
يقول فيكرام رافي البروفيسور في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: «تحجز الـ DSA مركزًا مهمًا في مجال رصدها للـ FRB، إذ ساعدت الـ DSA-110 علماء الفلك على اكتشاف ثلاثين FRBs مع أماكنها وبدقة عالية جدًا، وبتسليط الضوء على البيئة الحاضنة للـ FRBs يمكن الاستدلال على كيفية تشكّلها. ليس هذا فقط فمن شأن الملاحظات الفعلية عليهم إعطاء تلميحاتٍ تساعد على حلّ العديد من الألغاز التي تُحيط بالـ FRBs، وكشف المادة غير المرئية التي تحيطنا. فمثلًا، اتّضح أنّ أكثر من 80% من المادة الباريونية ليست مادةً سوداء، بل مواد تشبهني وتشبه أي إنسان غير مرئي بالنسبة إلى الكون القريب».
تنتشر المادة المخفية بطريقة تجعل من الصعب على التلسكوبات رؤيتها، في حين تُعد المادة المظلمة مجهولة المضمون؛ ولهذا لا يمكن لعلماء الفلك رؤيتها مباشرةً، مع ذلك لُوحظت في المجرات عبر طابع الجاذبية الخاص بها.
يوجد دليلٌ واضحٌ على مقدار التأخير الذي يحصل بين محطات الرصد والـ FRB. مثلًا، دائمًا ما يحصل لدى ترددات موجات راديوية مُعينة تأخرٌ زمنيٌ واضحٌ في الوصول إلى وجهتها؛ بسبب انتقال هذه الموجات من المجرات البعيدة إلى الهوائيات الموجودة على سطح الأرض الذي بدوره يستغرق زمنًا معينًا.
من الشائع في علم الفلك أنّ معظم الكون يتشكل من نحو 16% من المادة المنتظمة وقرابة 84% من المادة المظلمة.
كشف العلماء بواسطة البيانات المُنتجة من الـ DSA أنّ لمجرة درب التبانة مادةً منتظمة أقل مما هو شائع، إذ تُشكّل المادة المنتظمة أقل من 10% من مجرة درب التبانة وإنّ أكثر من 90% منها مادة مظلمة، يُمكن إيعاز هذه الخفة بالمادة المنتظمة؛ إلى حدوث انفجارات في ماضي المجرة.
يضيف البروفيسور رافي: «تدعم هذه النتائج بشدة سيناريوهات التنبؤ التي قامت بها عمليات محاكاة تشكّل المجرة سابقًا. إضافة إلى، نسفها للمادة من هالات المجرات؛ بفعل عمليات التغذية الراجعة الحاصلة التي تكون أساسية في عملية تشكّل المجرات، إذ تُضخ المادة إلى داخل المجرة ثم تُفجر في دورات».
رغم حداثة عهد الـ DSA التي بدأت عمليات تشغيله في فبراير من عام 2022، بُني 63 لوح استقبال من أصل 110 والعملية البحثية لا تزال قائمة على يدٍ وساق.
اقرأ أيضًا:
رصد مجرات قزمة لا تحتوي على أيّة مادة مظلمة، والعلماء يتسألون عن السبب
وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون
ما علاقة المادة المظلمة بالمادة العادية الموجودة في كوننا؟
ترجمة: علي الذياب
تدقيق: تسبيح علي