أسعَدَ الروائي الفرنسي (جول فيرن) قرّاء القرن التاسع عشر بفكرة مُحيّرة تخبرنا بأن الرحلة إلى مركز الأرض معقولة وغير مستحيلة. ومنذ ذلك الحين، اعترف العلماء منذ فترة طويلة بأن رحلة فيرن الأدبية كانت مجرد خيال علمي.
تصل درجات الحرارة القصوى بباطن الأرض نحو 5500 درجة مئوية في اللب، ويزيد الضغط الساحق المصاحب ملايين المرات عن السطح.
مع ذلك، توجد بعض الأشياء المعروفة عن باطن الأرض. على سبيل المثال، اكتشف الجيوفيزيائيون أن اللب يتكون من كرة صلبة من الحديد والنيكل ويشكل نحو 20٪ من نصف قطر الأرض، محاط بقشرة من الحديد المنصهر والنيكل، ممتدة بنحو 15٪ إضافية من نصف قطر الأرض.
بهذا، تكون معرفتنا عن باطن عالمنا عُرفت بشكل غير مباشر بواسطة دراسة المجال المغناطيسي للأرض، أو الطريقة التي ترتد بها موجات الزلازل عبر طبقات مختلفة عن سطح الأرض.
لكن الاكتشافات غير المباشرة لها حدود، فكيف اكتشف العلماء المزيد عن عمق كوكبنا الداخلي؟
يعتقد علماء الكواكب بأن أفضل طريقة لمعرفة باطن الأرض هو الفضاء الخارجي، فمن المقرر أن تنطلق مهمة ناسا الروبوتية إلى الكويكب المعدني سايكي Psyche في 5 أكتوبر 2023 لاستكشافه مدة ست سنوات.
حول الكويكب سايكي:
الكويكبات عوالم صغيرة، بعضها بحجم المدن الصغيرة، وبعضها بحجم البلدان الصغيرة. تُعد الكويكبات لبنات البناء المتبقية من الفترة العنيفة المبكرة لنظامنا الشمسي خلال فترة تكوين الكواكب.
على الرغم من أن معظم الكويكبات صخرية أو ثلجية أو مزيج بينهما، فإن نحو 20٪ منها عوالم معدنية وتشبه في تكوينها لبّ الأرض.
لذلك من المهم أن نتخيل أن هذه الكويكبات المعدنية هي أجزاء من أنوية كواكب كانت موجودة من قبل، مزقتها الاصطدامات الكونية القديمة مع بعضها البعض. وربما، بواسطة دراسة هذه القطع يمكن أن يكتشف العلماء مباشرةً ماهية لب الكوكب.
يُعد سايكي أكبر الكويكبات المعدنية المعروفة. اكتُشف عام 1852، ويبلغ عرضه 200 كيلومتر، ذو شكل كروي مضغوط يقع بين مداري المريخ والمشتري في حزام الكويكبات الرئيسي. ويمكن أن يرى سايكي باستخدام تليسكوب منزلي، ولكنه يظهر فقط كنقطة صغيرة من الضوء.
حول مهمة سايكي:
في أوائل عام 2017 وافقت ناسا على مهمة بقيمة مليار دولار أمريكي إلى كويكب سايكي، وبما أن لا حاجة إلى مركبة غير مأهولة للهبوط، وبدلًا من ذلك ستدور حول الكويكب على بُعد 700 كيلومتر ثم النزول تدريجيًا إلى 75 كيلومتر من السطح، وربما أقل.
فور وصول المسبار في أغسطس 2029، سيقضي 26 شهرًا في رسم خرائط جيولوجيا الكويكب وتضاريسه وجاذبيته وسيبحث عن دليل لوجود مجال مغناطيسي، وسوف يقارن تركيب الكويكب بما يعرفه العلماء، أو ما نعتقد أننا نعرفه عن لب الأرض.
الأسئلة المركزية هي:
هل سايكي حقًا هو نواة كوكبية مكشوفة؟
هل الكويكب عبارة عن صخرة كبيرة، أم كومة من أنقاض من صخور أصغر، أم شيء آخر تمامًا؟
هل توجد أدلة على أن الطبقات الخارجية مثل القشرة والوشاح لهذا العالم الصغير جُرّدت بعنف منذ زمن بعيد؟
ربما السؤال الأكثر أهمية هو: هل يمكن استقراء ما نتعلمه عن سايكي Psyche لحل بعض الألغاز المتعلقة بلب الأرض؟
حول مركبة الفضاء سايكي:
جسم المسبار هو بنفس حجم وكتلة سيارة دفع رباعي كبيرة. تعمل الألواح الشمسية التي تمتد على مساحة أوسع قليًلا من ملعب التنس على تشغيل الكاميرات ومقاييس الطيف والأنظمة الأخرى.
سوف يقلع الصاروخ SpaceX Falcon بمركبة سايكي من الأرض. وستعتمد سايكي بقية الطريق على خاصية الدفع الأيوني وهو الضغط اللطيف لغاز الزينون المتأين المنبعث من الفوهة، ويوفر طريقة مستمرة وموثوقة ومنخفضة التكلفة لدفع المركبات الفضائية إلى النظام الشمسي.
ستستغرق الرحلة نحو ست سنوات، وهي رحلة بطيئة حلزونية تبلغ 4 ملايين كم، وتتضمن تحليقًا بمساعدة جاذبية المريخ. طوال الرحلة، سيبقى فريق سايكي في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في باسادينا، كاليفورنيا، وهنا في جامعة ولاية أيرزونا في تيمبي على اتصال منتظم بالمركبة الفضائية. سيرسل الفريق الأوامر ويستقبل البيانات باستخدام هوائيات الراديو العملاقة التابعة لناسا.
حتى لو علمنا أن سايكي ليس نواة كوكب قديم، فنحن ملزمون بإضافة معلومات إلى معرفتنا عن النظام الشمسي والطريقة التي تتشكل بها الكواكب. فرغم كل شيء، ما يزال سايكي مختلفًا عن أي عالم زاره البشر على الإطلاق.
ربما لم نتمكن بعد من السفر إلى مركز الأرض، لكن الأماكن الغامضة مثل سايكي تساعد في كشف الألغاز المخبأة في أعماق الكواكب بما في ذلك كوكبنا.
اقرأ أيضًا:
ما هي الكواكب التي تعد شبيهة بكوكب الأرض؟ وهل سنجد حياة على سطحها؟
تغير المناخ قد يؤثر في استقرار المنازل والأبنية على سطح الأرض
ترجمة: ياسمين سيد نبوي
تدقيق: غفران التميمي