الكتابة في الفضاء حقيقة أم خيال؟
لقد أنفقت ناسا الملايين من الدولارات لتطوير قلم حبر يستخدم للكتابة في الفضاء، إذ أنّ رواد فضاء الاتحاد السوفييتي يستخدمون القلم الرصاص. فمما لا شك فيه أنّ انعدام الوزن في الفضاء يسبب مشكلة كبيرة في الكتابة بالقلم الحبر، ولم يتمكن التخطيط المركزي السوفييتي من حل هذه المشكلة ولا الأمريكيون ذوو الخبرة العالية، بل حَلَّها مستثمر يملك فكرة جيدة.
فمنذ عام 1960 أثناء ذروة سباق الفضاء، تقول الأسطورة أنّ علماء ناسا أدركوا أن أقلام الحبر لن تؤدي وظيفتها في الفضاء وعليهم أن يكتشفوا طريقة أخرى لكي يستعملها رواد الفضاء في الكتابة، ولذلك قضوا العديد من السنوات في إنفاق الكثير من المال الحاصلين عليه من دافعي الضرائب ليقوموا بتطوير قلم يستطيع وضع الحبر على الورق أثناء انعدام الجاذبية، ولكن بسبب مكر نظائرهم السوفيتيين جعلوهم يستسلموا إلى فكرة استخدام القلم الرصاص.
ظلّت هذه القصة بالرسالة التي تحملها من البساطة والتدبير -ناهيك عن فشل بالنسبة للذوق العام في البيروقراطية- تنتقل عبر الإنترنت، حتى ظهرت القصة في الحلقة 2002 من مسلسل «the West Wing» ولكنها للأسف مجرد خرافة.
يمكننا ملاحظة استخدام ناسا للأقلام الرصاص مثل رواد الفضاء الروسيين ويمكننا معرفة ذلك من خلال تاريخ ناسا، إذ أنّها قامت بطلب 34 قلم من «Houston’s Tycam Engineering Manufacturing» وقد قاموا بدفع حوالي 4,382.50 دولار ثمنًا لهذه الأقلام أي 128.89 دولار للقلم الواحد. ولكن كانت هناك مشكلة عند سماع العامة لتلك الأسعار مما أدى إلى بحث ناسا عن أقلام أرخص سعرًا.
بشكل عام، لم تكن الأقلام الرصاص هي الخيار الأفضل؛ بسبب تحطم أسنانها سرعة اشتعالها أيضًا، فهي تسبب خطرًا، ولم تُرِدْ ناسا تكرار حريق أبولو1.
يذكر بول سي فيشر أنّ شركته استثمرت مليون دولار لصنع قلم حبر يستطيع الكتابة في الفضاء، ولم تكن أيًّا من هذه الاستثمارات من ممولي ناسا، لكنّ ناسا أصبحت مرتبطة بالاختراع بعد تحقق حلم صنع القلم وظهوره على أرض الواقع، وفي عام 1965 حصل فيشر وشركته على براءة اختراع هذا القلم الذي يكتب رأسًا على عقب ويستطيع الكتابة في درجة حرارة عالية جدًّا تصل إلى 400 فهرنهايت أو درجة حرارة باردة جدًّا تصل إلى -50 فهرنهايت، والكتابة في الماء والسوائل الأخرى. ويتحول لون الحبر في درجة حرارة عالية إلى اللون الأخضر بدلًا من الأزرق المعتاد.
كما قام فيشر في نفس العام بعرض القلم على ناسا لكي تستخدمه بدلًا من الأقلام الرصاص، كان ذلك مفرحًا بالنسبة لهم ولكنّ ناسا لم تستخدمه إلّا في عام 1967 بعد إجراء التجارب عليه.
يختلف حبر هذا القلم تمامًا عن الحبر المعتاد، فقد استخدم فيشر حبرًا يظلّ في حالة صلبة ما لم يُستخدم، ويعود إلى الحالة السائلة أثناء استخدامه. فقد قام باستخدام النيتروجين المضغوط كي يمنع الحبر من الاختلاط مع الهواء فلا يتبخر ولا يتأكسد.
وطبقا للإحصائيات الموجودة في تقرير نشر عام 1968 في شهر فبراير، طلبت ناسا 400 قلم من شركة فيشر تحضيرًا لبرنامج رحلة أبولو وطلب الاتحاد السوفييتي قبلها بسنة 100 قلم و1000 عبوة من الحبر لاستخدامهم في مهمّات الفضاء، وقد ذكر التقرير أيضًا حصول كلٍّ من الوكالتين على خصم يصل إلى 40% حتى يصبح ثمن القلم 2.39 دولار بدلًا من 3.98 دولار.
ولقد حقق هذا القلم نجاحًا هائلًا في رحلة أبولو، ليس لسهولة استخدامه عند انعدام الجاذبية فقط بل طبقا لشركة فيشر أنّ رواد فضاء رحلة أبولو 11 أصلحوا بعض المعدات من خلال استخدام القلم، ممّا مكّنهم من الرجوع إلى الأرض مرة أخر.
فمنذ آخر عام 1960 قام كلٌّ من الرواد الفضاء الأمريكيين والسوفيتيين باستخدام هذا القلم، كما قام فيشر بإنشاء وتطوير الأقلام المستخدمة في الكتابة في الفضاء، مثل قلم «Shuttle Pen» الذي استخدمته ناسا في رحلاتها، ويمكنك أنت أيضًا الحصول على هذا القلم بكل سهولة فأنت لست بحاجة للسفر إلى الفضاء كي تتمكن من الحصول عليه، وبتكلفة ليست كبيرة حوالي 50 دولار.
إعداد: مادونا خالد
تدقيق: عبدالسلام الطائي
المصدر