ولد إميل دوركهايم في 15 أبريل 1858 في مدينة إبينال الفرنسية، وتوفي في 15 نوفمبر 1917 في باريس، هو عالم اجتماع فرنسي، يعود له الفضل في تطوير منهجية قوية تجمع بين البحث التجريبي والنظرية الاجتماعية، ويُعَد على نطاق واسع المؤسس الحقيقي للمدرسة الفرنسية في علم الاجتماع.
طفولته وتعليمه:
وُلد دوركهايم لأسرة يهودية متواضعة، وكان متوقعًا أن يصبح حاخامًا مثل أبيه، لكن وفاة والده ألقت على عاتقه مسؤوليات ثقيلة قبل بلوغه سن العشرين.
اقتنع دوركهايم منذ أواخر مراهقته أن الجهد والحزن يساعدان على التقدم الروحي للفرد أكثر من المتعة والفرح، ما جعله شابًا شديد الانضباط.
وبوصفه طالبًا متميزًا في مدرسة لويس الكبير، كان دوركهايم مرشحًا بقوة لدخول مدرسة الأساتذة العليا في باريس، وفي أثناء خضوعه لامتحان التخصص بمعهد جوفريت في الحي اللاتيني بباريس، التقى دوركهايم شابًا موهوبًا آخرًا من الأقاليم هو جان جوريس، الذي سيصبح لاحقًا قائد الحزب الاشتراكي الفرنسي، وكان مثل دوركهايم مهتمًا بالفلسفة والإصلاح الأخلاقي والاجتماعي. استطاع جوريس الفوز بمقعد في مدرسة الأساتذة سنة 1878، أي بعد عام واحد من التحاق دوركهايم بالمعهد.
في ذلك الوقت تلاشى إيمان دوركهايم بالدين تمامًا، وأصبح تفكيره علمانيًا مع ميل قوي للإصلاح الأخلاقي. وكالعديد من الفلاسفة الفرنسيين خلال عهد الجمهورية الثالثة نظر دوركهايم إلى العلوم، وبالأخص العلوم الاجتماعية والإصلاح التعليمي العميق، وسيلةً لتجنب التفكك الاجتماعي أو «الشذوذ»، كما كان يسمي تلك الحالة التي تكون فيها قواعد السلوك إما غائبة أو ضعيفة أو متضاربة.
استمتع بالجو الثقافي لمدرسة الأساتذة العليا ومناقشتها للقضايا الميتافيزيقية والسياسية التي تابعها بشغف، وحظي باحترام زملائه وأساتذته، لكنه ضاق ذرعًا بالتركيز المفرط على الخطاب الأنيق اللامع الذي كان سائدًا في نظام التعليم العالي الفرنسي. وقد صدمه أساتذته في الفلسفة بولعهم العظيم بالعموميات وحبهم للماضي.
ومع خوفه من تقليدية الامتحانات الرسمية، استطاع دوركهايم اجتياز الامتحان التنافسي الأخير سنة 1882، لكن دون أن يحصل على تقدير الامتياز كما توقع زملاؤه.
وفاته وإرثه
كانت نقطة الانهيار لدوركهايم هي مقتل ابنه الوحيد سنة 1916، في أثناء قتاله في جبهة البلقان.
حاول دوركهايم كتمان أحزانه، لكن الفقد، إلى جانب انتقادات القوميين، الذين أنكروه بوصفه أستاذًا من أصل ألماني، علَّم منهجًا دراسيًا «أجنبيًا»، كل ذلك كان أكثر من أن يحتمل. وتوفي في نوفمبر 1917.
خلّف دوركهايم مدرسة رائعة من الباحثين. لم يكن أبدًا ذلك السيد المستبد، لقد كان يشجع تلاميذه على الذهاب أبعد مما ذهب هو نفسه وعلى معارضته أحيانًا. كان ابن أخته مارسيل موس، الذي تبوأ منصب رئيس قسم علم الاجتماع في «كلية فرنسا»، أقل منهجيةً من دوركهايم، وأولى الرمزية اهتمامًا أكبر بوصفها نشاطًا غير واعٍ للعقل. وقد شغل كلود ليفي ستراوس عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية نفس المنصب، وتشابه مع دوركهايم في الطريقة التي جمع بها بين المنطقية وحدة المشاعر، لكنه -على عكس دوركهايم- أصبح زعيمًا لمؤيدي البنيوية.
امتد تأثير إميل دوركهايم إلى ما وراء العلوم الاجتماعية، فمن طريقه أصبح علم الاجتماع تخصصًا أساسيًا في فرنسا، ما أدى إلى توسع دراسة القوانين والاقتصاد واللغويات وعلم الأعراق البشرية والتاريخ والفن.
اقرأ أيضًا:
الفيلسوف الفرنسي دينيس ديدرو: سيرة شخصية
ترجمة: على إبراهيم
تدقيق: أيمن الشطي
مراجعة: أكرم محيي الدين