ولد يورغن هابرماس في 18 يونيو 1929 في دوسلدورف-ألمانيا، ويُعد الفيلسوف الألماني الأهم في النصف الثاني من القرن العشرين، ومفكّر سياسي واجتماعي واسع الأثر.
يرتبط اسم هابرماس بالنظرية الاجتماعية النقدية التي طوِرها في عشرينيات القرن الماضي معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت- ألمانيا، المعروف أيضًا بمدرسة فرانكفورت. وهو من الجيل الثاني في معهد فرانكفورت، بعد الجيل الأول من مؤسسي المعهد مثل ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو وهربرت ماركوز.
كان هابرماس بارزًا في كل الأوساط الأكاديمية، لإنجازاته المهمة في النقد الاجتماعي والأوساط العامة، والمناقشات التي دارت بسبب مقالاته وأبحاثه، التي صاغ فيها رؤية شاملة للمجتمع الحديث وإمكانية الحرية داخله. أثّرت أعماله بقوة في العديد من التخصصات، منها دراسات التواصل والدراسات الثقافية والنظرية الأخلاقية والقانون واللغويات والنظرية الأدبية والفلسفة والعلوم السياسية والدراسات الدينية واللاهوت وعلم الاجتماع والنظرية الديمقراطية.
حياته المهنيّة والعامة:
نشأ هابرماس في جومرسباخ-ألمانيا، وانضم بعمر عشر سنوات إلى شبيبة هتلر مثلما فعل العديد من معاصريه، أُرسل بعمر 15 عامًا في أواخر الحرب إلى الجبهة الغربية. بعد هزيمة النازية، أكمل تعليمه الثانوي وارتاد جامعة بون-جوتنجن وزيورخ. حصل على الدكتوراه في الفلسفة سنة 1954 بأُطروحته عن فريدريش شلينغ. عمل مساعدًا أول لثيودور أدورنو في معهد البحوث الاجتماعية بين عامي 1956-1959.
ترك هابرماس المعهد في 1959 للحصول على الدكتوراه الثانية عام 1961 -ما أهله للتدريس على المستوى الجامعي- تحت إشراف عالم السياسة وولفغانغ أبيندروث في جامعة ماربورغ، ونُشرت أطروحته مع بعض الإضافات عام 1962 تحت عنوان: التحوّل الهيكلي للمجال العام.
أصبح هابرماس سنة 1961 محاضرًا جامعيًا دون أجر في ماربورغ، وسنة 1962 عُيّن أستاذًا استثنائيًا في جامعة هايدلبرغ. أصبح أستاذًا للفلسفة وعلم الاجتماع خلفًا لماكس هوركهايمر في جامعة «غوته» في فرانكفورت سنة 1964، وعُين مديرًا لمعهد ماكس بلانك بعد عشر سنوات في ستارنبرغ، عاد هابرماس إلى فرانكفورت حيث تقاعد عام 1994. درّس في الولايات المتحدة في جامعة نورث وسترن، إيفانستون- إلينوي، وفي جامعة نيويورك، وألقى محاضرات في عدة جامعات حول العالم.
كان صوتًا بارز داخل «الجيل المتشكك» في ألمانيا الغربية بعد الحرب، شارك هابرماس في النقاشات الفكرية الرئيسية في البلاد في النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده. سنة 1953 واجه مارتن هايدغر بشأن تعاطف الأخير مع النازية في مراجعة لكتاب هايدغر «مقدمة في الميتافيزيقيا».
انخرط يورغن هابرماس في أواخر الخمسينيات، ولاحقًا في أوائل الثمانينيات في حركات مناهضة للأسلحة النووية على مستوى أوروبا. وفي الستينيات، كان أحد أبرز المنظرين للحركة الطلابية في ألمانيا، مع أنه انفصل عن النواة الراديكالية للحركة في 1967 محذرًا من إمكانية التحول إلى «فاشية يساريّة».
سنة 1977 احتج على القيود المفروضة على الحريات المدنية في التشريعات المحلية لمكافحة الإرهاب، وفي الفترة 1985-1987 شارك فيما يُسمى «مناظرة المؤرخين» حول طبيعة وأخطاء الحرب الألمانية، منددًا بما سماه «تحريفًا لتاريخ ألمانيا النازي». وحذّر أيضًا من خطر القوميّة الألمانية التي ستظهر بإعادة توحيد ألمانيا (1989-1990).
ومع تأييده لحرب الخليج (1991) بوصفها ضرورة لحماية إسرائيل، وتأييده لقصف صربيا (1999) من قبل حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضرورةً لمنع الإبادة الجماعية للألبان في كوسوفو، فإنه عارض الحرب على العراق (2003) كونها غير ضرورية وغير قانونية. شجّع إنشاء ديمقراطية دستورية فوق وطنية في الاتحاد الأوروبي، وعارض استنساخ البشر، وحذّر من رد فعل المتعصبين الدينيين بمختلف انتماءاتهم، في الغرب وخارجه، على حالة العلمانية غير البناءة.
اقرأ أيضًا:
الفيلسوفة الألمانية حنة آرنت: سيرة شخصية
ترجمة: وراد حمادة
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين