تدعم قوانين الفيزياء أربعة ثوابت فقط؛ لهذا السبب، ظل العلماء طوال عقود يبحثون عن أي اختلافات في هذه الثوابت الأساسية المزعومة، فمن شأن العثور على هذا الاختلاف أن يهز أسس العلم الحديث.
ناهيك عن ذلك، سيضمن الاكتشاف للباحث المحظوظ رحلةً مجانيةً إلى ستوكهولم، وميداليةً ذهبيةً لامعةً جديدة، ومليون دولار.
في الآونة الأخيرة، ركز اثنان من علماء الفلك على واحدة من أقدم النجوم في الكون لاختبار ثبات «الجاذبية»، إذ نظروا إلى الوراء على مدى مليارات السنين بحثًا عن أي تضارب، لكن دعنا لا نذكر القصة الكاملة، فلم تمنح جوائز نوبل بعد.
الثابت G
نعتبر ثابت نيوتن للجاذبية -الذي يشار إليه بـ G- أمرًا مسلمًا به، ربما لأن الجاذبية يمكن التنبؤ بها إلى حد ما.
نسميه ثابت نيوتن للجاذبية لأن نيوتن كان أول شخص يحتاج إليه بالفعل للمساعدة في وصف قوانين الحركة الشهيرة، وباستخدام حساب التفاضل والتكامل كان قادرًا على تطوير قوانينه للحركة لشرح سلوك كل شيء، بدءًا من سقوط التفاح من الشجر إلى دوران الكواكب حول الشمس، لكن لم تخبره رياضياته عن مدى قوة الجاذبية، إذ وجب قياسه وتجريبه لجعل القوانين فعالة.
وكانت هذه هي الطريقة الأساسية لعدة قرون، قياس مقدار G وإدخاله إلى المعادلات عند الحاجة. في الوقت الحاضر، لدينا فهم أكثر تطورًا للجاذبية، وذلك بفضل نظرية النسبية العامة لآينشتاين، والتي تصف كيف تنشأ الجاذبية من تشوه في الزمكان. وأحد الركائز الأساسية للنسبية هو أن القوانين الفيزيائية يجب أن تظل كما هي في جميع الأطر المرجعية.
هذا يعني أنه إذا قاس أحد المراقبين في إطار مرجعي معين – على سبيل المثال، شخص يقف على سطح الأرض أو يطفو في منتصف الفضاء – قوة جاذبية معينة G، فينبغي أن تنطبق نفس القيمة في جميع أنحاء المكان والزمان. ببساطة، تدهشنا الرياضيات والافتراضات الأساسية لنظرية آينشتاين.
نعلم أن النسبية العامة هي نظرية غير مكتملة للجاذبية ولا تنطبق على عالم الكم، مثل الجسيمات التي تتكون منها الإلكترونات أو البروتونات. ويستمر البحث لإيجاد نظرية كمومية حقيقية للجاذبية، ومن مرشحي هذه النظرية ما يسمى نظرية الأوتار، وفي نظرية الأوتار لا وجودَ لأرقام ثابتة.
في نظرية الأوتار، كل شيء نعرفه عن الطبيعة، من عدد الجسيمات والقوى إلى جميع خصائصها، بما في ذلك ثابت الجاذبية، يجب أن ينشأ من الرياضيات نفسها. وإذا كان هذا صحيحًا، فإن ثابت نيوتن ليس مجرد رقم عشوائي، بل هو نتاج لبعض العمليات المعقدة التي تعمل على المستوى دون الذري، ولا يجب أن يكون ثابتًا على الإطلاق، وهكذا في نظرية الأوتار. وبينما ينمو الكون ويتغير قد تتغير الثوابت الأساسية للطبيعة معه.
كل هذا يطرح سؤالًا: هل ثابت نيوتن ثابت حقاً؟ يقول أينشتاين: «نعم» بوضوح، أما داعمو نظرية الأوتار يقولون: «ربما». حان الوقت للقيام ببعض الاختبارات.
محاكمة أينشتاين
ابتكر العلماء خلال السنوات القليلة الماضية تجارب حساسةً للغاية لاختبار قوة الجاذبية على الأرض وفي المناطق المجاورة لنا، إذ تعطي هذه التجارب بعضًا من الاختلافات الدقيقة في G خلال السنوات القليلة الماضية، أي أن ثابت نيوتن قد يتغير ببطء لا يصدق، ونحن لم نبحث بعناية لفترة طويلة.
من جهة أخرى، إذا عبثت مع الثوابت الأساسية للطبيعة فستسبب في خراب فيزياء الكون المبكر، والتي تظهر لنا في شكل ما يسمى بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي. هذا هو نمط الضوء المتبقي مُذ كان عمر الكون لا يتجاوز مئات الآلاف من السنين. تضع الملاحظات التفصيلية لإشعاع الخلفية هذا قيودًا على ثابت الجاذبية، لكن هذه القيود أقل دقةً بكثير من قيود الاختبارات التي يمكننا القيام بها.
توصل علماء الفلك في الآونة الأخيرة إلى اختبار للاختلافات في G، والذي سيوفر حلًا وسطًا بين هذين النقيضين، والذي يوصف على الإنترنت في مجلة arXiv بأنه اختبار عالي الدقة نسبيًا، ليس دقيقًا كالاختبارات القائمة على الأرض ولكنه أفضل بكثير من الاختبارات الكونية، وله أيضًا ميزة أنه سيكون صالحًا لمليارات السنين.
اتضح أنه يمكننا البحث عن تغييرات في ثابت الجاذبية نيوتن من خلال النظر في تذبذب واحدة من أقدم النجوم في الكون.
إنه التذبذب
يشتهر تلسكوب كيبلر الفضائي بصيد الكواكب الخارجية، ولكن بشكل عام، يحدق كيبلر في النجوم لفترات طويلة من الزمن، ويبحث عن أدنى اختلاف. وتنتج بعض هذه الاختلافات لأن النجوم تختلف في سطوعها. في الواقع، تنبض النجوم وتهتز من الموجات الصوتية من حولها، تمامًا مثل الزلازل، كلاهما مصنوع من مواد – بلازما فائقة السخونة والكثافة في حالة الشمس – يمكن أن تهتز.
تؤثر هذه الهزات على سطح النجم على سطوعه، وتطلعنا أكثر على البنية الداخلية، ويعتمد النجم الداخلي على كتلته وعمره. ومع تطور النجوم، يتغير كل من حجم النواة وديناميكية طبقاتها الداخلية، وتؤثر هذه التغيرات على ما يجري على السطح.
وإذا بدأت العبث مع الثوابت الأساسية ، مثل ثابت نيوتن، فسيؤدي ذلك إلى تغيير كيفية تطور النجوم ومسيرة حياتها. وإذا كان ثابت نيوتن ثابتًا حقًا، فعندها يجب أن تزداد درجة سطوع النجوم وحرارتها ببطء مع مرور الوقت، لأنها أثناء احراقها للهيدروجين في مركزها تترك وراءها كتلةً خاملةً من الهيليوم. يعيق هذا الهيليوم عملية الاندماج، ما يقلل من كفاءته، ويجبر النجوم على الاحتراق بوتيرة أسرع للحفاظ على التوازن والحصول على حرارة أعلى وسطوع أكثر في هذه العملية.
إذا كان ثابت نيوتن يتناقص ببطء مع مرور الوقت، ستجري العملية بمعدل أسرع بكثير. ولكن إذا كان ثابت نيوتن يتصرف في الاتجاه المعاكس ويزداد مع مرور الوقت، فإن النجوم ستنخفض فعليًا في درجة الحرارة لفترة من الوقت، ثم تُبقي درجة الحرارة ثابتةً أثناء تصاعدها في السطوع مع تقدم العمر.
لكن هذه التغييرات لا تظهر إلا في فترات زمنية طويلة للغاية، لذلك لا يمكننا أن ننظر إلى شمسنا – التي يبلغ عمرها حوالي 4.5 مليار عام – باعتبارها مثالًا جيدًا. أيضًا، لا تتمتع النجوم الكبيرة بأعمار طويلة، ولديها أيضًا تصميمات داخلية معقدة بشكل لا يصدق يُصعّب محاكاتها.
يأتي KIC 7970740 للإنقاذ، نجمٌ تبلغ كتلته ثلاثة أرباع كتلة شمسنا، وهو يحترق منذ 11 مليار سنة على الأقل، إنه المختبر المثالي.
بعد مراقبة هذا النجم، قارن علماء الفلك سنوات من بيانات كيبلر مع نماذج مختلفة من تطور النجم، بما في ذلك تلك التي لها اختلافات في ثابت نيوتن. ثم ربطوا تلك النماذج بملاحظات الزلازل – المتذبذبات – على السطح. واستنادًا إلى ملاحظاتهم، فإن ثابت نيوتن ثابت حقًا، على الأقل قدر الإمكان، دون تغييرات اكتُشفت على مستوى جزأين في التريليون (مثل معرفة المسافة بين لوس أنجلوس ومدينة نيويورك بالنسبة لعرض بكتيريا واحدة) على مدى 11 مليار سنة ماضية.
من أين يأتي ثابت نيوتن وكيف يظل ثابتًا؟
ليس لدينا إجابة على هذا السؤال، ويمكننا القول بالتأكيد أننا لن نتخلص منه قريبًا.
اقرأ أيضًا:
ما هي الجاذبية من منظور الفيزياء الحديثة ؟
ترجمة: رتاج ابراهيم
تدقيق: عبد الرحمن عبد